"الجمعية" تحمّل السلطات مسؤولية تدهور صحة معطلين مضربين عن الطعام في تادلة وتطالب بفتح الحوار معهما    إسرائيل تصف إدانة 14 دولة للاستيطان بأنها "خطأ أخلاقي" و"تمييز ضد اليهود"    14 دولة تندد بإقرار إسرائيل إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة    الركراكي: "إصابة أكرد مجرد إشاعة"    قناة "الحوار" التونسية تعتذر للمغاربة بسبب تقرير مثير للجدل حول تنظيم "الكان"    تسجيل هزة أرضية بقوة 4.1 درجة بإقليم مكناس        إطلاق خط سككي جديد فائق السرعة يربط مدينتين تاريخيتين في الصين    حادثة سير مروعة تودي بحياة أب وابنته ضواحي برشيد        فوز مثير لبوركينا فاسو وبداية موفقة للجزائر وكوت ديفوار والكاميرون في "كان المغرب"    معارض إفريقية متنوعة للصناعة التقليدية بأكادير ضمن فعاليات كأس إفريقيا للأمم 2025    الصين تكتشف حقلا نفطيا جديدا في بحر بوهاي    فيدرالية اليسار الديمقراطي تحذر من حالة الشلّل الذي تعيشه جماعة المحمدية    بالإجماع.. المستشارين يصادق على مشروع قانون إعادة تنظيم مجلس الصحافة        أجواء ممطرة وباردة في توقعات اليوم الخميس بالمغرب        ريمونتادا مثيرة تقود بوركينا فاسو للفوز على غينيا الاستوائية    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يقسو على السودان    "كان المغرب".. برنامج باقي مباريات اليوم الأربعاء    التوتر الفنزويلي الأمريكي يدفع إيران إلى الانسحاب من "مترو كراكاس"    "مهزلة تشريعية".. صحافيون يتفضون ضد "القانون المشؤوم"    المعارضة تنسحب والأغلبية الحكومية تمرر "قانون مجلس الصحافة المشؤوم"    أبرز حوادث الطيران التي لقيت فيها شخصيات معروفة مصرعها    الجزائر تجرم الاستعمار الفرنسي    نشرة إنذارية: أمطار وثلوج وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    مديرية الأرصاد الجوية بالمغرب: استمرار الأجواء غير المستقرة طيلة الأسبوع    بالملايين.. لائحة الأفلام المغربية المستفيدة من الدعم الحكومي    ندوة علمية بكلية الآداب بن مسيك تناقش فقه السيرة النبوية ورهانات الواقع المعاصر    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    ماذا يحدث للجسم بعد التوقف عن حقن إنقاص الوزن؟    اتحاد طنجة لكرة القدم يتحدى العصبة الوطنية الاحترافية بعقد الجمع العام    ملتقى العيون للصحافة يعالج دور الإعلام في الدفاع عن الصحراء المغربية    ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة    ‬ال»كان‮«: ‬السياسة والاستيتيقا والمجتمع‮    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر        توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حينما يطعم الجائعون البطون المنتفخة
نشر في العلم يوم 06 - 12 - 2010

انتبهت فعاليات دولية ومدنية إلى قضية لايبدو أن المجتمع الدولي يوليها كبير الاهتمام ولا توجد في جدول أعمال اشتغاله، الأمر يتعلق بإقدام أثرياء العالم على استئجار الأراضي الزراعية أو حتى شرائها في دول فقيرة لإنتاج المحاصيل التي تزيد بطون الأثرياء في العالم انتفاخا، بيد أن السكان الأصليين لتلك الأراضي يتفرجون على الغذاء الذي ينتجونه لكنه يذهب ويطير إلى البطون التي تستحقها لأنها دفعت المال واكترت أو اشترت الأرحام التي تخرج هذه المحاصيل.
حدث مثلا أن مستثمرين من دولة خليجية دفعوا خلال الفترة الفاصلة ما بين 2006 و 2009 ما قيمته 100 مليون دولار سنويا للحكومة الاثيوبية مقابل تأجير أراض لزراعة القمح والشعير والأرز ثم تصديرها إلى بلدهم دون الحاجة إلى دفع مليم واحد من الضرائب.
والحال أن بلدا كأثيوبيا يعاني نقصا غذائيا من هذه المواد مما يتسبب في ظاهرة المجاعة في هذا القطر الإفريقي الغارق في التخلف، والحال أيضا تقول الإحصائيات أن برنامج الأغذية العالمي أنفق خلال سنة 2009 لوحدها ما قيمته 300 مليون دولار لتقديم 460 ألف طن متري لإغاثة نحو 5.7 مليون مواطن أثيوبي كانوا في حاجة ملحة لهذه الإغاثة.
الظاهرة تزداد خطورتها خصوصا في هذه الفترة الصعبة التي تشد بأعصاب الأوضاع الاقتصادية العالمية ، وتحديداً ما يتعلق باقتصاد التغذية، فلقد كان متوسط حجم التوسع السنوي المتعلق بامتلاك واستئجار الاراضي الزراعية في العالم قبل سنة 2008 لا يتعدى أربعة ملايين هكتار وانتقل هذا المعدل سنة 2009 التي مثلت ذروة الأزمة الغذائية في العالم إلى 45 مليون هكتار.
طبعا فإن الأثرياء من المستثمرين الأقوياء والدول المؤثرة في الأوضاع الاقتصادية الدولية يردون على الانتقادات الموجهة إليهم بالقول إن هذه الاستثمارات تخلق آلاف مناصب الشغل في الدول الفقيرة المؤجرة لأرحامها وتساهم في تطوير البنية التحتية المحلية في تلك البلدان وتدخل الأساليب والمناهج التكنولوجية الحديثة مما يساعد في امتلاك التجارب، إلا أن منظمة متخصصة في حجم منظمة «غرين»، وهي منظمة عالمية ترعى حقوق المزارعين، ومعهداً متخصصاً من طبيعة المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء يطرحان إشكالية أخرى تضاف إلى إشكالية عدم استفادة البطون الجائعة في الدول المؤجرة للأراضي الزراعية أو البائعة لها من الثروات الغذائية التي تنتجها أراضيهم، وتكمن الإشكالية الثانية التي نبه إلى خطورتها هؤلاء المتخصصون، في الإخلاء أو الجلاء القسري للسكان الأصليين من الأراضي التي تكون موضع إيجار أو بيع ويتم ترحيلهم بالقوة وتحت الإكراه إلى مناطق أخرى، القضية تأخذ أبعادا أكثر خطورة، تسائل المجتمع الدولي في هذه الظاهرة الاستعمارية الجديدة الملفتة، ذلك أن توازن القوى يكون منعدما ويغيب ما يمكن أن نسميه المساواة التفاوضية بين الشركات الدولية العملاقة التي تبحث في مساحات أراضي الدول الفقيرة عما يضمن التوازن الغذائي لسكان بلدانها، ويدر عليها الأرباح الطائلة وبين سلطات دول نامية تكون في حاجة ملحة إلى المال، وبما أن الأراضي تكون غير مستغلة بما يضمن لهذه السلطات عائدات مالية أوفر، فإنها ترضخ لجبروت الإغراء المالي للشركات العملاقة، وتهدي بذلك أراض ذات قيمة كبيرة مقابل حفنة من الدولارات، يضاف إلى كل ذلك أن أغلب الدول العارضة لأراضيها تتميز بضعف بنية الحكم وتدني مؤشرات الحكامة الجيدة، وهذا ما يفسر استفادة الشركات العملاقة من عقود استثنائية يكون فيها القرار الحاسم للشخص، وغالبا ما يكون هو الحاكم، دون إشراك حقيقي للمؤسسات الرسمية، ولسنا في حاجة للتذكير هنا بأن ممارسات مشينة من قبيل الرشوة تعتمد كصيغ فعالة لإخضاع أصحاب القرار في الدول الضعيفة، المستسلمة.
هذا وغيره كثير ما يعطي الشرعية الكاملة إلى مطلب جوهري تقدم به المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء خلال سنة 2009 ويقضي بوضع ميثاق شرف لاقتناء واستئجار الأراضي في العالم بما يضمن قدرا كبيرا من الشفافية واحترام حقوق أصحاب الأرض والمستخدمين وتقاسم المنافع وتقييم الأثر البيئي والالتزام بالسياسات التجارية الوطنية.
ويمكن التأكيد بكل اطمئنان الآن أن سقف المطالب في هذه القضية الانسانية بامتياز، يتجاوز ما كان البنك الدولي قد طرحه حينما نشر رزمة من المبادئ المتعلقة بالاستثمار الزراعي. في تقريره الذي حمل عنوان «الاهتمام العالمي المتزايد بالأراضي الزراعية» ويتعدى ما تخطط له منظمة «الفاو» من أجل إصدار مجموعة جديدة مما سمته مبادئ توجيهية ولا حتى ميثاق الشرف الذي اقترحه المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء، بل يتعداه إلى ضرورة سن قانون دولي ينظم هذه العملية ويضمن حقوق جميع الأطراف من الصغار والكبار على حد سواء.
ويجب أن نذكر في هذا الصدد أن شهية الشركات العملاقة لاتقبل مراعاة العوامل الانسانية فيما يحدث، وأن الأمر يتحول إلى ما يشبه حيوان مفترس لايمكن أن ينتابه أي شعور بالشفقة والرحمة وهو يفترس الكائن الصغير ويتمكن من فتكه في لحظات قليلة.
الكائن الصغير هنا هو الدول الفقيرة، وتكفي الإشارة هنا إلى أن البنك الدولي يوضح أن معظم الصفقات المتعلقة بهذه التجارة غير المتكافئة تتم في العالم المتخلف (70 بالمائة منها في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تكون تكاليف الانتاج جد متدنية، وتكون القوانين المتعلقة بتنظيم الأراضي ضعيفة وطيعة إن لم تكن مفقودة أصلا، إضافة إلى العوامل التي تحدثنا عنها سابقا والمتعلقة بانعدام المساواة التفاوضية وضعف بنيات الحكم.
ألا تستحق هذه القضية الإنسانية العالمية الخطيرة جزءا يسيرا من اهتمامات المنتظم الدولي؟ ألا تستحق أن تجد لها موطن قدم في مساحات انشغالات الأمم المتحدة الشاسعة؟! الجواب طبعا رهين باختبار إرادة المجتمع الدولي المتعلقة بحسن تدبير الثروات الاقتصادية في العالم، وتوفير شروط عدالة غذائية لاتفرق بين أشقر وأسود، وبين جائع ومتخم بطنه بالغذاء.
لاتبدو لحد الآن أية مؤشرات إيجابية في هذا الصدد، وهذا يدعو إلى القلق والحزن على العدالة الاجتماعية في العالم التي تحتل صدارة المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ولكنها تبقى مجرد حبر أسود يملأ فراغات بيضاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.