* جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يارسول الله إنك لأحب إلي من نفسي ومن ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك» فلم يرد عليه شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية: «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين». هذا الحديث النبوي الشريف أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط والمعجم الصغير عن عائشة رضي الله عنها، وهو دليل واضح على مدى الحب القلبي العميق الصادق الذي كان يملأ قلوب الصحابة الكرام لنبينا سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، إنه حب جاوز حب النفس والولد والدنيا كلها، ولم يجد هذا الصحابي الجليل ما يعبر به عن صدق حبه للرسول صلى الله عليه وسلم وتعلق قلبه بشخصه الكريم الشريف إلا أن يقول بكل شوق وشفافية وانجذاب إلى النور المحمدي: «وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنطر إليك». وكيف لا وقد أوتي النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم كمال الجمال، وجمال الكمال، وجلال الجمال، وجمال الجلال، وهو الحبيب الذي كل الكائنات به تطرب، ولروحه الطاهر تنجذب. فهو نور سار في الوجود، وجهه كالبدر التمام في الليلة المسفرة، وريحه أطيب من المسك، وضحكه التبسم، وكلامه الحكمة، ومشيه ومجلسه وأخذه وعطاؤه ودعوته ومعاملته ودخوله وخروجه، وسفره ومقامه، وصلاته وتسبيحه، وصومه وحجه، وصدقته وجوده، وخطبه ورسائله، ويقظته ونومه، ووقاره وسكينته، ومعجزاته وبشائره، كل ذلك نور على نور، ينبع بل يفيض على الوجود سماحة وحبا، وفضلا ورحمة، ورأفة وودا، وحنانا وحكمة. كيف لا يعشق قلب تملى بأنوار الرسول صلى الله عليه وسلم أن يراه في كل وقت وحين، فما يكاد يفارقه إلا ليلقاه، فهو في لقاء دائم، لكنه يخشى ألا يستمر هذا اللقاء الأسنى الأكرم الأسعد في دار البقاء حين يعطي الرحمان سيدنا محمدا الوسيلة والمقام المحمود والدرجة الرفيعة في أعلى جنان النعيم، قال هذا الصحابي : «وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك». لم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم على ما قاله هذا الصحابي شيئا، وهو يعلم مدى شوقه وحبّه ويرجو له اللّقاء السّرمدي كما حباه الله باللقاء الدنيوي، وينزل ملك الوحي سيدنا جبريل عليه السلام بهذه الآية التي هي الجواب على ما خالجَ صدر هذا الرّجل وما دار بخلده من تساؤلات وما أعرب عنه للحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من تخوفات: «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصّالحين}، فتسكب هذه الكلمات النّورانية السكينة في قلب هذا المحبّ الصّادق، وتحثه على مزيد الطّاعة لله وللرّسول، لأنّ الحبّ القلبي الصّادق هو الذي تتبعه الطاعة والاقتداء والانقياد. ليس الحب مجرد كلام، بل لا بد له من برهان، وبرهانه العمل بما يحب الحبيب، والمسارعة إلى طاعته في المنشط والمكره، وامتثال أوامره ونواهيه. هذه دلائل المحبة كما أوضحتها هذه الآية؛ إنها دعوة إلى طاعة الله ومتابعة الرسول والعمل بسنته، حتى نكون معه في الآخرة كما نحبه في الدنيا. وهو القائل صلى الله عليه وسلم: «المرءُ مع مَن أحب». وفقنا الله تعالى لذلك بمنه وفضله إنه ولي ذلك والقادر عليه. المحرر