كان الأستاذ علال الفاسي رائداً في الدعوة إلى حوار الثقافات والحضارات، في كتابه العمدة )النقد الذاتي(، وإن كان ذلك قد تم بصورة تختلف عن الصيغة المطروحة حالياً على الصعيد الدولي، لأن )نقد الذات( أو )النقد الذاتي(، هو )حوار مع الذات(، الذي هو البداية )للحوار مع الآخر(. وحول هذا الموضوع ينشر الدكتور السيد ياسين، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في جريدة )الأهرام( الأسبق - وهو المركز الذي أسسه الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة - مقالات أسبوعية في )الأهرام(، أحرص على متابعتها، يعالج فيها قضايا الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات. وقد وجدتني أستحضر هذه السلسلة من المقالات المعمقة، أثناء اعتكافي على قراءة هذا الكتاب الجديد للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، الذي يُعدُّ من المراجع المعتمدة في فقه حوار الثقافات وتحالف الحضارات، من خلال رؤية حضارية إسلامية عربية، والذي صدر في القاهرة، بعنوان : »على طريق تحالف الحضارات»، ينحو فيه منحى التأصيل النظري لتحالف الحضارات. ويستهل الباحث كتابه بتحديد المصطلحات وتصحيح المفاهيم، حيث يوضّح ابتداءً، أن تحالف الحضارات هو النتيجة الطبيعية للحوار بين الحضارات وثمرةٌ له، وهو خلاصةٌ للجهود الخيّرة التي بذلها حكماء هذا العالم على مدى عقود من السنين، خاصةً في السنوات التسع الأخيرة، وبصورة أخص، منذ أن أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن قرارها بجعل سنة 2001 سنةَ الأممالمتحدة للحوار بين الحضارات. ويسجل المؤلف ملاحظة مهمة، فيشير إلى أنَّ المجتمع الدولي ممثلاً في النخب الفكرية والمنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية ذات الاِهتمام، قد انتقل من مرحلة الحوار التي كانت تقتضي البدء من نشر ثقافة الحوار في مختلف الأوساط، وزرع الثقة بالحوار في شتى المنتديات والمحافل، وشدّ الانتباه إلى أهمية الحوار في التقريب بين وجهات النظر المتباينة، وفي تحقيق التقارب بين المجموعات الحضارية والثقافية المتعددة التي تشكل الأسرة الإنسانية، إلى مرحلة التحالف بين الحضارات الذي يتطلب إقامة تعايش حضاري على أسس من الاِحترام المتبادل والحرص على المصالح المشتركة، واستناداً إلى القوانين الدولية التي تساوي بين الدول، وتكفل الحقوق للأمم والشعوب، وتضع الضوابط لاستتباب الأمن والسلم في العالم. ويشرح رؤيته إلى التحالف، فيقول إنه يقوم على قاعدة المساواة والاِعتماد المتبادل كما هو الشأن في العلاقات بين الدول، ومن منطلق الإرادة المشتركة، ولا يشترط في التحالف التكافؤ بين الأطراف المتحالفة؛ لأن الاعتراف بالتكافؤ يتناقضُ مع التحالف من حيث هو حلفٌ يجمع بين فرقاء متعددي الثقافات متنوعي المشارب متفاوتي القدرات، يدفعهم إلى العمل في هذا الاِتجاه الشعورُ المشترك بضرورة تجاوز الخلافات وتخطّي العقبات التي تقف دون التفاهم الذي يحقق المنافع لهم جميعاً. ويقول الباحث موضحاً المدلول اللغوي والمفاهيمي للتحالف من حيث هو : “إذا كان التحالف هو الاِتفاق بين طرفين على أن يتحالف كل طرف منهما مع قرينه، فمعنى ذلك أن يكون كل طرف حليفاً للآخر، ويترتَّب على ذلك أن ينشأ بينهما حلف ناتج عن هذا التحالف. ولذلك فإن اتفاق مجموعة من البشر ينتمون إلى حضارات مختلفة على أن يتحالفوا حضارياً ويتفاهموا ثقافياً، ويقيموا فيما بين حضاراتهم الأصلية تحالفاً، يستتبع بطبيعة الحال، إنشاء حلف حضاري يجمع بينهم ولا نقول يوحد لأن الاِختلاف طبيعة الحياة والتنوّع الحضاري والثقافي سنة الكون ويوفر لهم إطاراً للعمل الجماعي الذي يخدمون به الأهداف الإنسانية النبيلة، ويحقّقون طموحاً فطرياً يملأ نفوس البشر جميعاً، في الاِستقرار والسلام، وفي الرخاء والوئام، وفي صياغة حضارةٍ إنسانية جديدة تنبعث من صلب التحالف بين الحضارات والثقافات كافة”. ويخلص إلى نتيجة تعزّز رؤيته إلى التحالف، فيقول إنَّ تحالف الحضارات في هذه المرحلة من تاريخ العالم، ربما كان نظريةً أبعد ما تكون عن التطبيق، ولكن الأفكار الإصلاحية الرائدة التي غيَّرت حياة الناس وانتقلت بهم من مرحلة الضعف والتأخر إلى مرحلة القوة والتقدم، ظهرت أول ما ظهرت، أفكاراً نظريةً مثاليةً لم يكن أحد يتوقّع لها أن تصبح حقائق تطبق في الأرض بإرادة الإنسان المؤمن بالتقدم، بما وهبه الخالق سبحانه من ملكات وقدرات، وبما جُبِلَ عليه من استعداد فطري للتطور والنموّ والتجدّد المستمر. ولئن كانت المؤشرات العامة في الساحة الدولية تدلّ على أن المجتمع الدولي يتطلّع اليوم إلى فعل مؤثّر ونافذ يتمّ في إطار التعاون الدولي، ويهدف إلى تجديد البناء الحضاري الإنساني، على نحوٍ لم تتبلور صيغتُه بعدُ، فإن تحالف الحضارات كما يرى المؤلف هو الصيغة الملائمة والقابلة للتنفيذ، وهو الفكرة المطروحة الآن في العديد من المنتديات، وعلى مختلف المستويات، والتي خرجت من رحم الحوار بين الحضارات والثقافات، الذي تَفَاعَلَ مع المتغيّرات، وتطورت مفاهيمه حتى تبلورت في شكل من التفاهم الإنساني يلاقي اليوم القبول من أغلب الأطراف. ويؤكّد المؤلف أيضاً، أن التحالف بين الحضارات من وجهة النظر العملية، هو من أقوى الوسائل المتاحة لإصلاح شؤون العالم، وللإسهام في إنقاذ الأسرة الإنسانية مما تتخبط فيه من مشكلات تَتَراكَمُ وأزمات تَتَفاقَمُ، فشلت السياسة الدولية حتى الآن في إيجاد تسوية عادلة وحلول حاسمة لها بالدبلوماسية التقليدية، وبالأساليب الاعتيادية التي تفتقر إلى الصدق والجدّية والإخلاص، وتفتقد الروحَ الإنسانية. ويقول إن تجديد البناء الحضاري للعالم أجمع، يكون بالتحالف بين الحضارات، لا بالحوار فقط، وبالتعاون المثمر بين الأمم والشعوب، على هدي تعاليم الديانات السماوية والمبادئ الإنسانية وفي إطار ميثاق الأممالمتحدة. وتلك هي المهمة الرئيسَة لأولي العزم والحكمة وذوي الإرادات الخيّرة والعقول النيّرة من مختلف المشارب والاتجاهات، ومن جميع الحضارات والثقافات، لبناء مستقبل آمن ومزدهر، لا تُنتهك فيه كرامة الإنسان ولا تهدر حقوقه، ولا يطغى فيه القويّ على الضعيف، إنما يحتكم فيه الجميع إلى القانون، وتسوده قيم التعايش والتسامح والمواطنة الإنسانية. ويضيف المؤلف : “ إذا كان لكلّ تحالف أهداف يرمي إليها وهي التي تمثّل أقوى الدواعي إلى قيامه، فإنَّ لتحالف الحضارات غاياتٍ نبيلةً تستحق أن يضحي من أجلها العاملون بإخلاص من أجل الخير العام لبني البشر، تشمل استتباب الأمن والسلام، ومحاربة الفقر والأمراض الفتاكة والجريمة المنظمة والإرهاب بكلّ أشكاله، واستغلال الإنسان وحرمانه من حقوقه، وقهر إرادة الشعوب ومنعها من التمتع بحريتها واستقلالها، وتجارة المخدرات، والاتجار في الجنس، وإشاعة الكراهية والعنصرية والتفوّق العرقي، وصنع أسلحة الدمار الشامل، وسوء استغلال الهندسة الوراثية باستخدامها في الأغراض المنافية للفطرة الإنسانية وللقيم الأخلاقية”. وهذه في رأي المؤلف، أهداف لا اختلاف عليها، وهي مما يهتم به المجتمع الدولي في هذه المرحلة. ولكن الفرق بين أن تكون هذه الأهداف من صميم استراتيجية التحالف الحضاري وبين أن تترك للحكومات وللمنظمات الدولية من دون سند حضاري ودعم ثقافي، يكمن في أن السعي من أجل تحقيقها في إطار تحالف الحضارات، يوفر فرصاً أكثر للنجاح، ويتيح إطاراً أوسع للتحرك في الاِتجاهات التي تؤدّي إلى تحقيق الأهداف. ويسجّل في تحليل عميق واستشراف للمستقبل، أنَّ العالم يتجه اليوم نحو إعادة النظر في هيكلة الأممالمتحدة وإصلاح أوضاعها بدءاً من مجلس الأمن، وقد قطعت الدراسات والبحوث والمناقشات حول هذه المسألة شوطاً لا بأس به، موضّحاً أنَّ الحاجة اليوم تشتدُّ إلى ما يمكن أن يكون (منظمة الحضارات المتحالفة)، أو شيئاً من هذا القبيل، تكون رديفاً للأمم المتحدة، وداعماً لها، تشترك معها في خدمة الأهداف المنصوص عليها في الميثاق، مع أهداف أخرى لم تكن مطروحة أثناء تأسيس المنظمة الدولية في سنة 1945، وهي اليوم أمل البشرية. ويرى المؤلف أن الوصول إلى تحقيق هذا المشروع الحضاري، دونه مهامّ كثيرة ينبغي القيام بها، ومسافات طويلة على طريق العمل المشترك يتعيّن اجتيازها، فليس الأمر هيّناً على كل حال، وليست السبل ممهدة، فالصعاب والمعوّقات كثيرة، وثمّة قوى دولية تَتَعارَضُ مصالحها مع تحقيق هذه الأهداف، وهي لن تدخر وسعاً للتشويش على العاملين في هذا المجال الحيوي الساعين إلى بلوغ هذه الغاية النبيلة. ويقول إنَّ ذلك لن يفتَّ في عضد حكماء العالم الذين يعملون من أجل أن تتحالف الحضارات لما فيه الخير للبشرية جمعاء اليوم وغداً. وفي المقدمة المعمقة التي كتبها المؤلف لكتابه هذا، يطرح هذا السؤال : هل صحيح أن العالم انتقل من الحوار بين الحضارات إلى التحالف فيما بينها ؟. ويقول : إنَّ طرح هذا السؤال يأتي في ظلّ تَصاعُد التوتّر في العلاقات الدولية، ومن القلق الذي تشعر به الإنسانية في هذه المرحلة، من جرّ اء انفلات حبل الأمن والسلم والاِستقرار في مناطق كثيرة من العالم، ومن استفحال الأزمة السياسية والفكرية والثقافية والروحية التي تتسبَّب في العديد من المشكلات الدولية والإقليمية، والتي تهدّد استقرار المجتمعات الإنسانية، وتحول دون استتباب الأمن والسلم، وإقامة القواعد الثابتة لنظام عالميّ إنسانيّ الروح، حضاريّ المنزع، قانونيّ المبدإ. ثمَّ يؤكّد أنَّ الحوار مرحلةٌ أولى على الطريق إلى التحالف، كما أن التفاهم سبيلٌ إلى التعايش، وهما معاً الأساس الراسخ الذي يقوم عليه التحالف بين الحضارات والثقافات، الذي من طبيعته أنه يفتح الآفاق أمام التعاون لما فيه الخير للبشرية جمعاء، لأن من الخصائص الذاتية لأيّ حضارة، القابليةَ للتناغم والتفاعل والتقارب مع الحضارات الأخرى ؛ فالحضارة أيّاً كانت عناصرها ومكوّناتها، تنطوي على المقوّمات التي تساعد على التقارب مع حضارات أخرى، مهما تكن طبيعتها. ويوضّح أنَّ التحالف بين الحضارات ضرورة من ضرورات انتظام الحياة الإنسانية وتناغم عناصرها. بل التحالف بين الحضارات هو طوق النجاة إن صحَّ التعبير لإنقاذ العالم من مخاطر جمّة تتهدّده، ولبناء جسور التفاهم والتعاون والتعايش بين الأمم والشعوب، في عالم يموج بالأفكار والمذاهب وبالنظريات السياسية والاِقتصادية والثقافية التي تَتَضارَبُ، وتَتَناقَضُ، وأحياناً تَتَصارَعُ، ممّا يكون له تأثيرٌ سلبيٌّ على الحياة الإنسانية في جميع مستوياتها. وتحالف الحضارات هو في العمق والجوهر، خلاصة نظرية الحوار بين الحضارات التي تبلورت، وتعمقت، واستقرت، ليس فقط منذ أن تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار لها، وإنما قبل ذلك، حيث كان العالم الإسلامي سبّاقاً إلى طرح هذه النظرية، كما كان مساهماً فاعلاً في العمل بها لنشر ثقافة الحوار، وفي تعزيز الجهود الدولية من أجل إشاعة مفاهيم الحوار، وأخلاقيات الحوار. ثم يقول المؤلف متحدثاً عن جهوده في هذا المجال : “ من فضل اللَّه تعالى أنَّني قمت من موقعي بدوري في هذا المجال، وكان لي نصيب في تعميق مبادئ الحوار بين الحضارات والثقافات، وفي دعم جهود المجتمع الدولي، على صعيد الحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية، من أجل اعتماد الحوار أساساً من أسس السياسة الدولية في هذه المرحلة، وفي المراحل القادمة”. ومن خلال رؤية حضارية إنسانية مترامية الآفاق، يقول الدكتور عد العزيز التويجري : “ إنَّ كلّ فكرة تخدم المبادئ الإنسانية وتعزّز جهود المجتمع الدولي من أجل استتباب الأمن والسلم الدوليين وإشاعة ثقافة العدل والسلام، تصبُّ في قناة ثقافة التحالف بين الحضارات. وكلّ مسعى يقوم به فرد أو جماعة، في سبيل التقارب والتعاون والتعايش بين أمة وأخرى أو شعب وآخر، فهو يُفضي إلى تعزيز التحالف بين الحضارات، لأنه يلتقي مع أحد الأهداف المتوخّاة منه”. لقد عالج المؤلف في كتابه هذا، قضايا فكرية وثقافية من خلال رؤية حضارية انفتح بها على العصر، متطلّعاً إلى آفاق المستقبل، وهي على تنوّعها لا تخرج عن دائرة الحوار والتحالف بين الحضارات، وإن كان بعضها يتطرق إلى أحداث تاريخية ومسائل لها صلة بالتجنّي على الإسلام قد تُوحي بالابتعاد عن دلالات التحالف ومفاهيمه، ولكنه في العمق لا يبعد عن هذا المحور، لأنه من صميم القضايا التي تدور حول التحالف بالمعنى الواسع للتحالف بين الحضارات. ولاشكّ أنَّ هذا الكتاب بالقضايا التي يتناولها وبالموضوعات التي يبحثها، هو خطوة على طريق التحالف الحضاري، ممّا يمكن اعتباره إضافةً إلى فكرة التحالف وإغناءً لمضامينها، بحسبانه يجتهد في تجديد الفكرة وتطويرها وبلورتها، من نواحٍ شتَّى، وليس فحسب من ناحية واحدة، لأن للتحالف صوراً متعدّدة، وأوجهاً تختلف من مرحلة إلى أخرى حسب تطوّر الزمن وتجدّد القضايا الفكرية والسياسية التي تظهر في سياق التفاعل مع المستجدات والسعي إلى توفير أسباب السلام والوئام والتعايش بين البشر، وتجنّب الصراعات والأزمات التي تهدّد الحضارات الإنسانية بوجه عام. وما ذلك إلاَْ لأنَّ الفصول التي أنشرها في هذا الكتاب تَتَنَوَّعُ محتوياتها، وتَتَداخَلُ موضوعاتها، وتَتَقارَبُ مضامينها، لتلتقي عند المحور الأساس؛ وهو تطوير التعاون بين الشعوب من خلال تفعيل الحوار، وتعميق التعايش، وتقوية الترابط الإنساني، ممّا يُعطي قوّة الدفع لتحالف الحضارات من أجل بناء مستقبل أفضل للبشرية. فالكتاب يبحث قضايا تستقطب اهتمام النخب الفكرية والثقافية في العالم، فهو يتناول (الرصيد الثقافي المشترك وتحالف الحضارات)، و(مسؤولية العالم الإسلامي إزاء تحالف الحضارات)، و(العالم الإسلامي والغر ب: جسور التحالف)، و(الرؤية الثقافية لمشكلات العصر)، و(ثقافة السلم والتعايش من خلال رؤية حضارية إسلامية)، و(الحضارة الإسلامية وحوار الحضارات : تعايش لاصراع)، و(التغيير الحضاري : في سبيل الخروج من الأزمة). ويؤضّح المؤلف كيف أنَّ حماية العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب من الاِهتزاز، تخدم مصالح شعوب العالم، ولا تخدم مصالح الشعوب الإسلامية وشعوب الدول الغربية فحسب، ولذلك فمن مصلحة المجتمع الدولي بصورة عامة، أن تتضافر جهوده لإبعاد المخاطر التي تهدد هذه العلاقات بالأزمات. وهنا تبرز مسؤولية الأممالمتحدة في المقام الأول. وتبرز أيضاً مسؤولية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي، لأن اضطراب هذه العلاقات، بأي شكل من الأشكال، يزعزع استقرار الأسرة الدولية، ويتسبّب في اضطراب الأوضاع العالمية بصورة واضحة. في ضوء هذه الرؤية الحضارية، وعلى أساس هذا التأصيل العلمي لتحالف الحضارات، يخلص المؤلف الباحث ذو الاِطلاع الواسع على القضايا الدولية، إلى القول إنَّ العالم الإسلامي والغرب محكوم عليهما بالتعايش، وبالتحاور، وبتبادل المصالح، وبالسعي المشترك لإقرار الأمن والسلم في العالم، وبإقامة الجسور لا بهدمها، وبنشر قيم العدل والحق والوئام، وبمحاربة التطرف لدى الطرفين، بالبناء المشترك للسلام العالمي. وتلك هي الطريق إلى المستقبل الذي تتحالف فيه الحضارات ولا تتصارع. وتلك رؤيةٌ عميقة بعيدة المدى إلى طبيعة الحضارات الإنسانية المتعاقبة، ننظر من خلالها إلى واقع الحضارة الإسلامية اليوم في آثارها ونتائجها وامتداداتها، تطالعنا في هذا الكتاب المهم الذي يطرح العديد من الأسئلة ويجيب عنها، ويفتح أمام الباحثين وأمام المشتغلين بالقضايا الدولية وبالمشكلات الإنسانية الكبرى، آفاقاً واسعة للعمل المشترك في موكب إنساني متضامن، من أجل إنقاذ الإنسانية ممّا يتهدّدها من مخاطر، وللسير معاً على طريق تحالف الحضارات.