شاءت الأقدار الإلهية أن تتحول عمالة مقاطعة الحي الحسني في لحظة واحدة إلى نقطة تبث الضوء والإشعاع والكلمات الصادقة الثابتة، وذلك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء وحضور أحد الإعلام وأحد أحفاد سلالة المجاهدين وسط رمال وقبائل الصحراء عبر مختلف الحقب، ويتعلق الأمر بالأستاذ محمد شيبة ماء العينين عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الذي جاء ملبيا لدعوة مجلس تدبير المؤسسة التأهيلية عبد العزيز الفشتالي التابعة لنيابة عمالة مقاطعة الحي الحسني التي نظمت احتفالات متميزا بذكرى عيد المسيرة الخضراء وسط حضور متميز للطلبة والأساتذة وممثلي الدوائر الرسمية. وقد اشتمل الحفل على عدة فقرات متنوعة منها تقديم عرض حول مشروع الحكم الذاتي وعرض فيلم وثائقي إضافة إلى الشعر والمسرح ومداخلة للباحث الأستاذ محمد شيبة ماء العينين في موضوع: «المقاربة الحقوقية لوحدتنا الترابية». وعند لحظة تقديم الأستاذ محمد شيبة ماء العينين تأكد الحاضرون داخل القاعة بأن الأمر لايتعلق بشخص عادي وإنما هو علم من الأعلام المتميزة في ساحة البحث والحضور السياسي والثقافي. فهو - كما تم تقديمه للحضور - أحد أحفاد المجاهد الشيخ ماء العينين وشاعر متميز وأحد أعمدة القصيدة القصيرة وباحث في قضايا التراب الوطني ومدير مؤسسة علال الفاسي للأبحاث والدراسات، وأن المحاضر له مؤلفات منها كتاب: «إضاءات حول الصراع في الصحراء» كما له عدة مقالات، فضلا عن تجربته المهنية والسياسية كقاضي ومحامي سابق ومستشار وعضو المجلس الملكي للشؤون الصحراوية بالإضافة إلى عضويته في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال. وفي مداخلته اعتبر الأستاذ محمد شيبة ماء العينين أن المسيرة الخضراء التي يتم اليوم الإحتفال بذكراها هي إنجاز تاريخي بأسلوب متميز لم يسبق أن أقدم عليها أي شعب لتحرير ترابه، فهي من إنجاز عبقرية المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني الذي تكاملت عبقريته مع عبقرية الشعب المغربي الذي انخرط فيها بتلقائية وحماس يتماشى مع ثوابت الأمة في الدفاع عن الوحدة الترابية ووحدة المذهب المالكي والنظام الملكي من طنجة إلى لكويرة. فالمسيرة الخضراء لم تكن نبتة من فراغ، بل هي محطة في مسار طويل، فالشعب المغربي رغم الاستعمار كان دائما معتزا بكرامته، فالشباب وجيل ما بعد المسيرة الخضراء هو استمرار للأجيال السابقة الشيء الذي يفرض عليه أن يكون واعيا بقضاياه السياسية والاجتماعية مدركا التحولات العالمية التي تجري حوله باعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة، ومنفتحا وحريصا على أن يأخد من مختلف الثقافات مع أن يكون مواطنا صالحا حريصا على الدفاع عن مصلحته ودينه ووطنه، خاصة وأن المؤسسة التعليمية التي نحتفل داخلها اليوم بذكرى المسيرة الخضراء تحمل رمزا من رموز هذا الوطن. فالمغرب هو آخر بلد استعمره الاستعمار، ورغم استعماره سنة 1912 فالمقاومة التي انطلقت قبل ذلك في سنة 1906 1907 استمرت الى سنة 1934، وحسب بعض الباحثين يقول المحاضر فإن اندلاع انتفاضة الدارالبيضاء والشاوية سنتي 1906 1907 جاءت بعد مرور المجاهد الشيخ ماء العينين الذي أبلى البلاء الحسن في مقاومة الاستعمار الفرنسي. فالمغاربة هم كل موحد من الأمازيغ والعرب والموريسكيون والافارقة الذين استمروا في مناهضة الاستعمار، هذا الأخير الذي أدرك رغم محاولاته أنه لا يمكن تفريق المغاربة على أساس عرقي. فالمغرب وهذه قوته لم تستطع قوى استعمارية واحدة إخضاعه، بل تم تقسيم المغرب إلى 5 مناطق: طنجة ذات النظام الدولي؛ المنطقة الشمالية استعمرتها إسبانيا، وسط المغرب استعمر من طرف فرنسا وسيدي افني والصحراء والجزر تم استعمارهم من طرف اسبانيا ورغم ذلك اندلعت المقاومة المسلحة بعدما خمدت سنة 1934 وشكلت مدينةالدارالبيضاء معقلا للمقاومة المسلحة حيث سمي المغفور له محمد الخامس بملك كاريان سنطرال، واندلعت ثورة الملك والشعب في الوقت الذي كانت دول أخرى تتآمر على ملوكها والملوك يتآمرون على شعوبهم فثورة الملك والشعب التي اندلعت لم تتوقف إلا باسترجاع منطقة الوسط والشمال وطنجة وطرفاية وسيدي إفني رغم تعنت الاستعمار الاسباني الذي أراد أن يفرض على المغرب أن تكون مدينة طرفاية هي آخر المدن التي يسترجعها المغرب وهو ما دفع المغفور له الملك الحسن الثاني لقيادة فيلق لاسترجاع المناطق الجنوبية آنذاك. لقد تم التهييئ للمسيرة الخضراء قانونيا وقام المغفور له الحسن الثاني بتقديم القضية إلى محكمة العدل الدولية التي اعتبرت بأن أرض الصحراء لم تكن خلاء وأن علاقة البيعة كانت تربط الشعب بالملك. وبناء على ذلك أعلن المغفور له الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء، مسيرة بلا سلاح وسلاحها هو القرآن ولا إله إلا الله محمد رسول الله التي كانت شعارا ل 350 ألف متطوع توجهوا لتحطيم الحواجز المصطنعة بالأقاليم الصحراوية الجنوبية والقيام بصلة الرحم بمشاركة المرأة والشباب والشيوخ. وأول فوج انطلق من أفواج المسيرة الخضراء هو فوج مضرب الراشيدية وكان يقوده جلالة الملك محمد السادس الذي وعى هذه المعركة وهو وليا للعهد ووعد بالقسم أن لايتخلى عن أي شبر من الصحراء. ومن نقاط قوة المسيرة الخضراء أنها شاركت في انطلاقتها وفود دولية ورحبت بها الأممالمتحدة في الوقت الذي كانت الجزائر تتآمر مع الاستعمار الاسباني من أجل إقامة كيان صحراوي لتصدير مستخرجات مناجم جيلات بعد أن نصحتها احدى مؤسسات الدراسات بالبحث عن منفذ من المحيط الأساسي لتصدير موادها حتى تكون لذلك قيم لوجيستيكية وتجارية أفضل بكثير من تصديرها عبر البحر الأبيض المتوسط. وكما هو معلوم يضيف الاستاذ محمد شيبة ماء العينين تدخل الجيش الجزائري في معركة أمغالا الأولى والثانية لكن القوات المسلحة الملكية استطاعت تحطيم الهجمة العسكرية للجيش الجزائري وهجمات عن البوليزاريو الذين كانوا يتسللون إلى المناطق الصحراوية المسترجعة والتي استطاع الجيش الملكي أن يفشل مؤامراتها، وبذلك أصبح الحل العسكري محسوما لينتقل المغرب ومعه المنتظم الدولي إلى الخيار السياسي بعد اقتراح المغرب بتنظيم استفتاء في مؤتمر القمة الافريقية بنيروبي. لكن الجزائر والبوليزاريو منعوا هيئة تحديد الهوية من الاستماع إلى 120 ألف مواطن من أصول صحراوية وهو ما دفع الأممالمتحدة إلى أن توقف مسلسل اجراء الاستفتاء وتم طرح البحث عن حل آخر غير الاستفتاء. فالمشكل المفتعل بالصحراء هو مع الجزائر أما البوليزاريو فهو صينعتها. فالتحدي الذي يرفعه جلالة الملك محمد السادس هو مغرب الثقافة والتلاحم والجهوية، والمغرب سبق أن تقدم بمبادرة الحكم الذاتي الذي يدخل في إطار المسلسل الديمقراطي. فالجهوية الموسعة التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس هي خطوة جد متقدمة في نشر الديمقراطية وستكون إن شاء الله هي الحل وذلك في إطار فتح المجال أمام جميع جهات المغرب بعد استكمال المشاورات وتقديم التصور حول الجهات لجلالة الملك بعد أن استطاع المغرب أن ينمي أدواته وهياكله الديمقراطية والتي تشهد عليها انتخابات سنتي 2002 و 2007 المشهود لهما بالنزاهة وتطبيق المنهجية الديمقراطية في الانتخابات الأخيرة التي أعطت للحزب الذي أحرز الأغلبية الوزارة الأولى وهو ما أصبح معه المغرب بلدا ديمقراطيا. فنحن الآن نعيش مغربا جديدا بمشروع الجهوية الجديدة التي دخل فيها المغرب.