هذا حديث أدلى به الكاتب إلى مجلة لوبزيرفاطور المغربية عدد 29 أكتوبر 2010 ماهي العلاقة التاريخية بين اسبانيا و الصحراء؟ إنها العلاقة التقليدية بين ميطروبول أوربية ومستعمرة سابقة. استعمار إسبانيا للصحراء كان ضمن مسلسل القضم المستمر للتراب المغربي. وبعد استقلال المغرب ظهر لإسبانيا أن تحتفظ بالصحراء بعد أن ظهرت فيها ثروات طبيعية. وعملت كل ما ما في جهدها لمعاكسة مساعي المغرب. وخططت في السنوات الأخيرة للاحتلال أن تمنح الصحراء استقلالا مزيفا معتمدة على تواطؤ الجزائر، التي كانت في وقت ما رئيسة لعدم الانحياز ولمنظمة الوحدة الإفريقية وقائدة لمعسكر التقدميين. أي أن جزائر السبعينيات كانت تمثل بالنسبة لفرانكو تغطية براقة لمشروعها - هل هذه العلاقة التاريخية تفسر الاهتمام الحالي للاسبان بقضية الصحراء وهل هناك عوامل أخرى؟ الاهتمام الحالي للإسبان يرجع إلى ظروف نشأة ما بعد فرانكو. لقد تمت تسوية مسألة الصحراء بين المغرب وإسبانيا (بمشاركة موريتانيا) في نوفمبر 1975 حينما كانت إسبانيا تفتح فصلا جديدا في حياتها. كان على الإسبانيين أن يختاروا ما بين التفرغ لبناء نظام ديموقراطي يحل محل نظام فرانكو، وما بين الاشتغال بملف استعماري سيجلب لها الاضطراب. كانت هناك في ذلك الوقت نظرتان في حظيرة المعسكر الفرانكي. كان الرئيس أرياس نافارو Arias Navarro يرى أن يتم التخلص من الملف الاستعماري الذي كان يجعل المجتمع الدولي كله ضد إسبانيا، وفي نفس الوقت العمل على ضمان المصالح الإسبانية بالاتفاق مع المغرب. وكان هناك من جهة أخرى وزير الخارجية كورتينا إي ماوري Cortina Y maury الذي كان يرى أن إتمام الصفقة مع الجزائر يضمن الحفاظ على الصحراء. وكان لا يرى فائدة في الاتفاق مع المغرب الذي كان يتصور أنه لا وزن له في المجتمع الدولي. وقد فازت رؤية نافارو والساسة الملتفين حول الأمير ( الملك خوان كارلوس فيما بعد) ودعاة التغيير التدريجي. وتم الاتفاق مع المغرب. وكان الشارع الإسباني يغلي بحركات معارضة متنوعة في مشاربها ولكنها مجمعة على المطالبة بالتغيير الجذري ومحاربة كل ما له صلة بالوضع القائم بما في ذلك الحكومة والأمير المرشح للخلافة حينئذ. وكان أول قرار اتخذته الحكومة والأمير وأنصار التغيير التدريجي هو الاتفاق مع المغرب للتخلص من ملف الصحراء. فكان الشعور الرائج في الشارع حينئذ هو أن كل ما تعمله حكومة أرياس نافارو السيئة هو بالضرورة سيء. ورفع شعار إلغاء اتفاقية مدريد حول الصحراء. وحينما أدخل الأمير بعد شهرين من الاتفاق تغييرا على حكومة أرياس نافارو طعمها بعناصر توحي بأن التغيير سيأتي، ومنهم وزير الخارجية كوندي دي مطريكوConde de Motrico ساد الشعور بضرورة مسايرة الشارع ومحاولة التلكؤ بل التراجع في تنفيذ اتفاقية مدريد. و حينما تشكلت حكومة الوسط الديموقراطي برئاسة Adolfo Suarez تمادت هذه في مسايرة الشارع والتقرب من شعاراته. وفي تلك الظروف ساد الاهتمام بمسألة الصحراء، كمسألة وحيدة يمكن أن تتفق عليها كل أطياف المعارضة، واستقرت منذ ذلك الحين في الممارسة السياسية كمسألة يمكن أن تحرك الشارع بسهولة. ومع الأيام اجتمع اليمين واليسار، كل منهم لسبب، حول هذه القضية، حتى أنه أصبح من المعتاد أن يقوم اليمين بمعارضة الحكومة حينما تكون من اليسار بسبب الصحراء، ويقوم اليسار حينما يأتي اليمين إلى الحكم، بسبب الصحراء. وذلك لمجرد الرغبة في الإحراج. ولكن حينما يكون هذا الحزب أو ذاك في الحكم يتخذ موقفا مسؤولا. - هل تعتقدون أن منظمات المجتمع المدني الاسبانية التي تدعم استقلال الصحراء المغربية عن المغرب هم ممولون من طرف الجزائر؟ هناك عمليات تمولها الجزائر بوضوح. ولكن الحكومة الإسبانية تقدم أيضا مبالغ كبيرة بملايين الأوروات للقيام باسم المجتمع المدني الإسباني بأنشطة تنموية في بلدان العالم الثالث. وفي الجريدة الرسمية الإسبانية بتاريخ 17 غشت 2010 اعتمادات تم تفويتها لجمعيات مختلفة تقوم بأنشطة تنموية في تيندوف مجموعها 844,720 أورو مخصصة حسب المرسوم الصادر في هذا الشأن لتحسين أدوات المطبخ ولتشغيل الشبان في المركز الإنتاجي السمارة وبعض مشاريع التكوين. وهذه المبالغ تستفيد منها أولا الجمعيات التي تمنح لها تلك الاعتمادات، وما يتبقى يستفيد منه المسيرون من قادة البوليزاريو. وقد اتصبح هؤلاء وأولئك أغنياء بفضل تلك الأموال. وهكذا فإن هناك عناصر متفرغة للمشاغبة على الشعب المغربي، تتلقى اعتمادات من المالية العمومية يإسبانيا تصرف مبدئيا لأغراض إحسانية وتنموية، وهي في الواقع إنما تنشط ما يمكن ان نسميه بالسياحة النضالية. - ماذا يمكن للمغرب أن يفعله أمام هذا اللوبي القوي؟ + انتظار أن يتزايد النضج السياسي في الجانب الآخر. وعليه أن يقدم شروحا مقنعة بشأن الأوضاع في الصحراء، وغيرها. وأن يتجنب أخطاء مجانية يمكن أن يستفيد منها الخصوم المتربصون. إن الرأي العام الإسباني مهيأ لكي يكون متحاملا على المغرب والمغاربة. هناك جذور ثقافية لهذه الحالة. والأجندة الإسبانية مغطاة على مدار السنة بتمرينات تجعل الإسبانيين في وضعية تحفز متواصل لتنمية التحفظ من المغرب. ففي أشهر الربيع تنظم في كل أنحاء إسبانيا حفلات فلكلورية تسمى موروس إي كريستيانوسMoros y Cristianos قوامها استعراضات رمزية يتجابه فيها الإسبان والمغاربة وتقتضي قواعد اللعبة أن ينتصر الكريستيانو على المورو. وتستمد هذه الاستعراضات الفلكلورية مادتها من التراث القديم المشبع بالتحفظ من المغاربة الذين يعتبرون مسؤولين عن "استعمار " إسبانيا لمدة ثمانية قرون. وبعد الربيع يأتي الصيف، ويكثر في الشواطئ ظهور مراكب تحمل المهاجرين السريين، وهناك "خط تحريري" في وسائل الإعلام يقضي بنشر الأخبار المتعلقة بالموضوع مشبعة دائما بالتحامل على المغرب الذي يأتي منه هؤلاء الزوار غير المرغوب فيهم. في حين أن أغلب المهاجرين السريين في هذه الأيام يأتي من الجزائر. وفي حوالي سبتمبر أكتوبر تنضج الطماطم والحوامض المغربية قبل الإسبانية. ويتصدى منتجو الطماطم والبرتقال في إسبانيا للحملة على المغرب لأن منتجاته الفلاحية أفضل من منتجاتهم، وتتعبأ الجمعيات المهنية لمهاجمة المغرب. وتطالب بروكسيل بتخفيض الكميات المسموح بها من المنتوجات المغربية. وحينما يقترب أجل اتفاقية الصيد البحري مع المغرب، تنبعث حملات الدعاية ضد المغرب "الذي يحرم الصيادين الإسبان من العمل في مياهه". ويساير الحزب الاشتراكي في الأندلس تلك الحملات طمعا في أصوات المتذمرين من أبناء المحافظات الأندلسية. ويقوم الحزب الشعبي من جانبه بحملات مماثلة في غاليسيا Galicia حيث له قاعدة انتخابية مهمة في أوساط لوبي الصيد البحري هناك. وحينما تنعدم أسباب موضوعية لا يكون صعبا على الصحافة وحواريات الإذاعات اكتشاف أن المغرب بلد ديكتاتوري متأخر يصدر الكيف لإسبانيا ويضطهد المرأة والشواذ، ويمنع المتطفلين الإسبان من التظاهر في شوارعه. وبما أن التحفظ من الأجنبي متأصل في الثقافة الإسبانية وهو موجه ضد العرب والمسلمين والأفارقة فإن البلد الذي ظل ما يزيد على خمسة قرون يصدر المهاجرين ، ويعيش في ظل إيديولوجيا تقوم على اللغة الوحيدة والدين الواحد، يجد في المغرب كل ما يضمره نحو الأجانب وخصوصا العرب والأفارقة والمسلمين عموما.