قررت مجموعة « فري ميديا « الناشرة لمجلتي «نيشان» و«Tel quel» وقف إصدار مجلة «نيشان» لأسباب تتعلق بالموازنة المالية للمجلة، إلى هنا يبدو القرار منطقيا يخص التدبير المالي التوقعي للمجموعة الناشرة، غير أن السيد بنشمسي لا يرغب في نهاية صامتة، بل في جنازة معتبرة تلفت انتباه الجميع.. مجلة «نيشان» منذ صدورها في إطار صفقة فاشلة اشترى بموجبها بنشمسي جريدة «الجريدة الأولى» التي كانت قد أكملت لتوها سنتها الأولى، من مالكيها السابقين السيدين توفيق بوعشرين وعلي أنوزلا، حيث تحولت «الجريدة الأولى» إلى مجلة بإسم جديد هو «نيشان» بمعنى أن بنشمسي لم يستفد شيئا بل خسر قرابة مليون درهم في صفقة غريبة، «نيشان» أشرت على خط تحريري يتميز بالكثير من البساطة في معالجة الحياة العامة ببلادنا، بل تحولت إلى حصان طروادة لعدد من الاختيارات الاجتماعية الشاذة من الدفاع عن الحشيش والدعارة والشواذ والمثليين، إلى الجرأة على القيم الدينية والاجتماعية للمجتمع المغربي وصولا إلى ابتذال حرية الصحافة والنضال الديمقراطي وحقوق الإنسان، من خلال المعالجات السطحية لعدد من القضايا التي تهم الحياة السياسية وعدد من الفاعلين والمؤسسات الدستورية خاصة المؤسسة الملكية التي تحولت إلى شبه ركن ثابت في كل أعداد المجلة منذ إصدارها.. يقول فوتشيك «عندما يقرر المرء أن يكون مع أو ضد، فيجب أن يذهب وراء يقينه إلى النهاية»، أن يختار السيد بنشمسي خطا تحريرا مبنيا على تحدي ثوابت الأمة والكتابة بالدارجة التي يطبل لها صباح مساء، فهذا حقه الذي أصبح مطلقا في هذا الزمن الأغبر، الذي تحول فيه نضال سنوات طويلة بين الأقبية والسجون والدموع من أجل حرية التعبير ، إلى سواد على بياض تقدم له الدولة ما يكفي من الدعم على غرار باقي الصحف، والسيد بنشمسي عندما يختار ذلك فإنه بلا شك يحصر قرائه في عدد محدود وعليه أن يدفع ثمن ذلك الاختيار ، وثمنه في حالته هي إفلاس «نيشان»، الغريب أن بنشمسي أراد أن يحول وفاة طبيعية إلى عملية «إستشهادية»، حيث وجه اتهامات لشركات بعينها بوقف صنبور الإشهار عنه ، وهنا لابد من طرح عدد من الأسئلة حول سوق الإشهار وحجية بكائيات بنشمسي.. 1. تتوقف «نيشان» وتستمر» Tel Quel» وهما معا لنفس الشركة الناشرة وبنفس الخط التحريري وبنفس مدير النشر الذي ليس سوى رضا بنشمسي، ويستمر تدفق الإشهار على « Tel Quel « ومع ذلك يخرج فينا بنشمسي عينيه حاسما موضوع إفلاس «نيشان» بإلقاء المسؤولية على الإشهار وعلى الدولة... 2. الجميع يعرف أن الصحف الصادرة بالعربية تعرف شحا وحيفا في ما يتعلق بحصتها من سوق الإشهار ببلادنا، والسبب له عدة أبعاد أولها أن عدد من المسئولين عن التواصل في المؤسسات الاقتصادية لهم تكوين فرنسي وغالبا ما يكونون شبه أميون في اللغة العربية، إضافة إلى فئة منهم لا تميز بين الإشهار الموجه للعموم وبين الإشهار الموجه لأبنائها... 3. السبب الثالث هو الاعتبار الاقتصادي والذي ينطلق من معالجة اجتماعية تمييزية للواقع اللغوي في المغرب، تفترض أن الناطقين بالفرنسية هم بالضرورة الأكثر قوة من الناحية الاستهلاكية وبالتالي ضخ أهم الاشهارات في الصحف والمجلات المكتوبة بالفرنسية. 4. السيد بنشمسي يقوم أسبوعيا بالدعاية في «Tel Quel» لأنواع من الخمور، ضدا على قيم المجتمع وعلى القانون وهي ممارسة لا تسمح بالمنافسة الشريفة، فعدد من الصحف والمجلات المغربية لا تقوم بذلك لاعتبارات دينية واجتماعية وقانونية، وهنا نتساءل عن سبب صمت الجهات المختصة على هذا النوع من الإشهار، فإذا كان إشهار السجائر ممنوعا، فكيف يتم السماح بالدعاية للخمور، في مجلة تعرض في الأكشاك وبالتالي فهي في متناول القاصرين؟ من كل ذلك يتضح بأن مسألة الإشهار موضوع مردود عنه، لكن السيد توفيق بوعشرين كتب يوم أمس في رثاء «نيشان» ما خلاصته أن تصدٌر «نيشان» لباقي المجلات من حيث المبيعات يعطيها الحق في الحصول على الإشهار، وهنا لابد من إبداء ملاحظة أساسية مفادها أن اعتبار رقم 21000 نسخة قوة معنوية ومادية على سوق الإشهار هو اعتبار قاصر، أولا لأنه يعكس ضعف المقروئية ببلادنا والإشهار يبحث على وسائط أكثر قربا من الناس، ثم هل من المفروض على المستشهرين الترويج لبضائعهم وخدماتهم بغض النظر عن التوجه العام للجريدة أوالمجلة، فالاقتصاد أيضا له قيمه التي يستمدها من المجتمع، إذ كيف نتوقع إمكانية إشهار لرحلات الحج والعمرة جنبا إلى جنب مع إشهار «الفودكا» و«الروج» ..؟؟؟ أو إشهار لجبنة خاصة بالأطفال مع حوار مع شاذ جنسيا..؟؟؟ لقد قالت «العلم» ذات افتتاحية بأن «نيشان» هي ضريبة حرية التعبير.. [email protected]