في دراسة ميدانية تولاها الباحث والأستاذ الجامعي الدكتور منصف وناس المتخصص في علم الإجتماع شملت 500 فرد ، والدراسة الميدانية ليست عملية استطلاع رأي، برز غياب محير للمغرب العربي عند استحضار الهوية والإنتماء في تونس. فبينما كان حاضرا البعد الجهوي والإقليمي ، وخاصة الوطني، والعربي والإسلامي والمتوسطي والإفريقي ، فإن البعد المغاربي لم يكن له ذكر عند استحضار مقومات الهوية. وقد يحار المرء في تفسير هذه الظاهرة في تونس على ما يبدو من تعلق تونسي بفكرة المغرب العربي والأسف لعدم تقدم بنائه، ولكن تلك تبدو حقيقة علمية قد تجد تفسيرا لها في الفشل الملاحظ في إنجاز وحدة مغاربية أو حتى تنسيق اقتصادي سياسي ثقافي وحتى رياضي بين الدول المغاربية الخمس ، غير أن الفشل لا يصاحب فقط الوحدة المغاربية ، بل يبدو أكثر حدة مع الوحدة العربية ، وخاصة مع الوحدة الإفريقية. و كذلك اليأس من أي احتمالات مستقبلية للتقارب ، في ظل خصومة جزائرية مغربية حول الصحراء الغربية يسود اعتقاد جازم بأنها تمثل العقبة الكأكداء أمام إنجاز أي خطوات على طريق البناء المغاربي، وتبدو الجزائر سببا فيها سواء بالنسبة لاندلاعها أو استمرارها ،رغم ما يقال بأن أي شكل من أشكال الوحدة لو يتم من شأنه أن يؤدي إلى زيادة نسبة النمو السنوي بما بين 1 أو 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وتوفير 100 فرصة عمل جديدة غير متاحة في الوقت الحاضر في ظل الإنقسام ، وانعدام قيام تعاون اقتصادي من شأنه خلق اقتصاد سلم ، أي اقتصاد له مقومات الوقوف بندية أمام الإقتصادات العالمية. فقد أخذت السعودية من جهة ومصر من جهة أخرى تعتبران دوليا في موقع الدول الكبرى ، بينما يفوق الحجم الديمغرافي والمساحي للمغرب العربي ككل الحجم المصري ، ولا يبعد كثيرا عن حجم السعودية خاصة في ظل وجود دولتين بتروليتين كبيرتين بين دول الإتحاد المغاربي الخمسة هما ليبيا والجزائر. فيما الدول المغاربية لا ينظر إليها بحجمها باعتبار تشرذمها وهي غير مرشحة كل دولة على حدة لأن تكون بين الدول العشرين الأكبر في العالم. ولعله لو تمت دراسات ميدانية في أي قطر آخر غير تونس في الموضوع لأظهرت نتائج مماثلة أو قريبة. ومن هنا يمكن للمرء أن يستنتج مدى الضرر الذي هو بصدد إصابتنا كدول وككل ، ليس فقط عالميا حيث لا وزن للمغرب العربي ، بل داخليا وبين شعوبنا التي لم تعد تشعر لا بهوية مغاربية ولا بانتماء مغاربي، وهو وضع يحتاج من الحكومات مزيدا من الإهتمام لإصلاحه ، وتقيمه، و من المؤلم أن لا يستحضر مغاربيون المغرب العربي من بين مقومات شخصيتهم وذاتيتهم، ولكن تلك هي ضريبة السياسات الإنفصالية المتبعة. *كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لصحيفة الصباح التونسية