طلعت علينا في الآونة الأخيرة مجموعة من المقالات الصحفية هدفها الأساسي هو المس بسمعة الأستاذ الجامعي والنيل من كرامته. ذلك أن هذه الحملة الشرسة ابتدأت باللغة الفرنسية لإحدى الصحافيات أرفقته بصورة لطلب مكتوب لأحد خريجي الجامعة. هذا الطلب كان مليئا بالأخطاء حملتها الصحافية للأستاذ الجامعي طبعا. مقال ثان كتبه أحد الصحفيين في عمود بجريدة أخرى، استغل فيه صاحبه إحدى الدراسات المشكوك في صحتها لأحد «الأخصائيين الاجتماعيين» والتي تقول بأن 55% من الأساتذة لم يكتبوا ولو سطرا واحدا، وأن 70% من الأساتذة الباحثين غير راضين عن دورهم المهني!! وصب جام غضبه وحقده على الأستاذ الباحث بدل القيام بتحليل علمي لتشريح دقيق لهذه الإدعاءات. في البداية لم نرد الجواب والرد على هؤلاء وقلنا مقالات سطحية لاتعتمد الرزانة والتحليل السليم في الكتابة، لكن صدور مقال ثالث متحامل أيضا فرض علينا واجب الرد وتوضيح كثير من الأفكار التي أتت في كل هاته المقالات الصحفية، حيث أن العامل المشترك بين هذه المقالات هو استغلالها للمثل العامي «طاحت الصمعة علقو الحجام»، وآخرها هي الجريمة التي وقعت في كلية العلوم بأكادير والتي ذهبت ضحيتها إحدى الطالبات في الماستر. ومن هذا المنبر نترحم على هذه الطالبة راجين لكل أفراد عائلتها الصبر والسلوان. إنها جريمة يمكن أن تقع في كل القطاعات، في الإدارة، في المستشفيات، في الجامعة، في الشارع... ولكن أن نستغلها لنقوم بجلد الجسم الجامعي وجرد كل المساويء وإلصاقها بالأساتذة الجامعيين فهذا ما نرفضه. ولنترك القضاء ليقول كلمته. ففيما يخص المقال باللغة بالفرنسية والذي يحمل مستوى تدني اللغات عند الطلبة فلقد كان الأجدر بالنسبة للصحافية كاتبة المقال أن تكون جريئة وتقول الحقيقة وهي أن هذا المستوى المتدني للتلاميذ والطلبة بشكل عام مرده أساسا إلى السياسة المتبعة للدولة في قطاع التعليم. وهنا أذكر بالدور الذي أنيط آنذاك بوزير التعليم في الثمانينيات بتعريب المواد العلمية بشكل ارتجالي ورديء كانت نتيجتها تدني مستوى التعليم بالمغرب. فكيف يمكن لتلميذ درس كل العلوم باللغة العربية وإذا به في السنة الجامعية الأولى يصطدم بكون هذه المواد تدرس باللغة الفرنسية صعبت عليه فهم دروسه. أما المقال الذي اعتمد دراسة تقول أن 55% من الأساتذة لم يكتبوا ولو سطرا واحدا وهي دراسة لانعرف نحن الأساتذة كيف تمت وعلى أية معايير علمية اعتمدت وكذا توقيتها، فكان الأجدر بهذا الصحفي أن يتحرى الحقيقة بنفسه وأن يقوم بتحليل علمي حقيقي لتدني مستوى الإنتاج العلمي في الجامعة المغربية. إن عدد الأساتذة الباحثين في المغرب لايتجاوز 10000 أستاذا مقارنة بدول أخرى كتونس مثلا والتي فيها ضعف هذا العدد مع العلم أن عدد سكان تونس هو أقل من نصف عدد سكان المغرب. إنها فعلا إهانة لنا كأساتذة وطلبة ومجتمع بصفة عامة. ثانيا، إن الاعتمادات التي تخصصها الدولة للبحث العلمي لاتتعدى حاليا 0.64% من الناتج الداخلي الخام حيث أن 89% منها تخصص للرواتب وأن 11% منها فقط تخصص للتسيير والتجهيز.. وهذا كذلك من قيمة الجامعة لم تعتبر البحث العلمي كإحدى الاستراتيجيات الأساسية للبلاد خاصة وأنه يعتبر قاطرة التقدم العلمي والتكنولوجي للدول. وهنا أرجو من الإخوة الصحفيين أن يقوموا بجولة ميدانية للمعاهد والكليات للاطلاع على أوضاع مختبرات التدريس والبحث معا بما يمكن وصفها بالمهينة والمشينة التي يعمل فيها الأساتذة الباحثون والجهد الكبير الذي يقومون به لتأطير الطلبة. وهنا أؤكد بأن إنتاجات البحث العلمي منذ الاستقلال إلى الآن ليس للدولة دخل كبير فيها وإنما هي دائما اجتهادات خاصة من الأساتذة حبا في هذا البلد وتضحية منهم، لأن المختبرات التي كانت تتوصل بين 5000 و 10000 درهم في السبعينيات والثمانينيات وأكثر منها بقليل في التسعينيات لدعم البحث العلمي كيف لها النهوض به والارتقاء به إلى مستويات عالية. وهكذا كان ولازال أغلب الباحثين يقومون بزيارة المختبرات الأوروبية والأمريكية والكندية للقيام بتجاربهم وغالبا على نفقتهم الخاصة. المقال الثالث يعتبر أن الأغلبية الساحقة للأساتذة الجامعيين فاسدون ففيهم المعقد جنسيا ومن يستغل دراسة الماستر للاغتناء وفيهم من يبيع مطبوعاته ويفرضها على الطلبة وهناك القليل القليل حسب المقال من الأساتذة الشرفاء. في الحقيقة هذا تحليل سطحي ولا يعتمد على دراسة ميدانية وبإحصاءات ذات مصداقية وإنما يعتمد على تعميم الجزء على الكل، ففي كل قطاع هناك الغث والسمين والغث هو الأقلية القليلة جدا. وأعتقد أننا إذا اعتمدنا على المنطق العلمي فإن أغلب خريجي هذه الجامعات فاسدون ومنحرفون لأنهم تخرجوا على يد هؤلاء الأساتذة. وهنا أوضح أن العدد القليل من الأساتذة من يقوم ببيع مطبوعاته للطلبة والمسؤولية هنا تقع على الكلية والجامعة التي ينتمي إليها، لأنها هي المسؤولة على طبع هذه المطبوعات وإعطائها للطلبة بالمجان أو بثمن رمزي كما هو معمول به في كثير من الكليات والمعاهد. أما كون بعض الأساتذة يستغلون موقعهم لاستغلال بعض الطالبات، إن كان، فعددهم يمثل حالة استثنائية في الجامعة وأن هذا النوع من الاستغلال موجود في جميع القطاعات في البلاد وليس منحصرا على الجامعة فقط. أما فيما يخص الماستر الأساسي والمتخصص فلنوضح لغير المتتبعين والذين يكتبون فقط ما يسمعون، أن الماستر هو شهادة جامعية تدخل في إطار ( LMD) الإجازة الماستر، الدكتوراه وهو نظام كان متبعا في الدول الأنكلوفونية وتبعتهم أخيرا فرنسا. وبما أننا ننقل عن فرنسا كل شيء فكان طبيعيا أن نحدو حدوها. وزيادة في التوضيح فهناك نوعان من الماستر ماستر تليه الدكتوراه يدخل في إطار نظام ( LMD) الإجازة الماستر، الدكتوراه والماستر المهني. وهذا الأخير هو شهادة جامعية تخص الجامعة المنتمي إليها يقتضي المعادلة مع الشواهد الوطنية المماثلة. وهنا نوضح أن عملية اختيار الطلبة لإتمام دراستهم في الماستر تعتمد أساسا على النقط والميزات المحصل عليها خلال سنوات إجازة الطالب، وتكون لجنة من الأساتذة تقوم باختيار الطلبة على هذا الأساس. أما فيها يخص الماستر المهني فأقول أن هذا الماستر هو مخطط جهنمي خرج من أجل ضرب التعليم المجاني وكذلك لإبعاد الأساتذة عن البحث العلمي والذي هو دورهم الثاني بعد التدريس. فهناك بعض الإخوان الأساتذة القلائل جدا والذين انجرفوا في هذا المخطط وأن هذا الماستر يجب أن يدرس في مدارس المهندسين وكذلك المعاهد التقنية. أوضح أخيرا وليس آخرا أن حصص الماستر لاتحت في الاستعمال للأساتذة الجامعيين فهي حصص إضافية يتحملها الأساتذة زيادة على كل الحصص القانونية الخاصة بالإجازة، وإذا كان البعض يقوم بتشويه سمعة الأستاذ وأنه يحصل على 1200 درهم عن كل ساعة زيادة على راتبه فإن هذا هراء وغير صحيح. أما أن الأستاذ الجامعي يدرس ساعتين ويتقاضى راتبا كبيرا فأقول أن عدد الساعات المخصصة للأستاذ معروفة للجميع وأحيلكم على الجريدة الرسمية كما أزيد أن ساعة من الدروس في المدرج تكلف تهييئا لأيام وأن الأستاذ الباحث هو الوحيد الذي يشتغل نهارا وليلا. وهنا أذكر بأن راتب الأستاذ الجامعي في السبعينيات وبداية الثمانينيات كان السادس على الصعيد الوطني أما الآن فأصبح يزيد على الرتبة الأربعين وهناك من هو أقل شهادة منه يحصل على الملايين شهريا