المستشارة البرلمانية خديجة الزومي رئيسة منظمة المرأة الاستقلالية وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب خديجة الزومي تكتب: انهار الإنسان… ما أضعفه! ونحن نعيش على إيقاع أخبار متسارعة من هنا وهناك، كلها تصب في أرقام تتزايد وتنبئ بخطر محدق بالبشرية جمعاء.. وباء يداهمنا جميعا، رغم تحسن مناعتنا وارتفاع أمل العيش، ورغم وضع أنظمة للحماية الاجتماعية تحصنت بها الدول المتقدمة، كأمريكا وأوروبا والصين وكندا وروسيا وغيرها، وتلكأ أو تأخر في وضعها أو تعميمها عدد كبير من دول العالم الثالت. فجاء هذا الوباء ليقطع أنفاسا ويرسلها آهات وحسرات، ليجعل الكل في سلة واحدة. كل الدول تعاني، وتُصارع المجهول، ولم تعد أي منها تدري أين هي، وكيف ستصبح غدا؟! وضع يغري بتتبع الوباء.. ويدعو للبحث والاهتمام. كيف لا والأوبئة كم عصفت بالبشرية فيما مضى، وجدت نفسي مطوقة بأسئلة كثيرة ربما لم أُعِرها أي انتباه من ذي قبل، بل ومحاصرةً بضرورة معرفة ما يدور حولي، إذ أكاد أُجزم في الكثير من الأوقات أني لا أقدر على استيعاب ما يحدث، وما يدور حولي، فقط يتردد في داخلي: موتى موتى.. ضاع العدد موتى موتى لم يبق غد.. وهو مقطع من قصيدة الكوليرا لنازك الملائكة. هذا المقطع يرجعني بقوة إلى القسم. ويذكرني بوباء الكوليرا، كيف يحدث هذا والإنسان قد ظن أنه قضى على المجاعات والأوبئة والأمراض والطواعين. كيف وان الإنسان آمن انه قوي، ومهيمنٌ، وقادرٌ أن يكيف أسباب العيش كما يريد؟ وهنا يحضرني ما كتبه بول هاراراي حين تحدث عن الإنسان المتالّه او نصف الاله، بعدما حطم كل العوائق حتى الجفاف منها، وتغلب عن نقط الضعف التي قضّتْ مضجعه، و عانى منها كثيرا، إذ تحدث طويلا عن الإنسان الجديد الذي اسماه “الهوموديوس”. كما حضرني كتاب آخر لستيفن بنكير Steven pinker .اسمه “التنوير الآن”، صدر في سنة 2018. وينتصر فيه صاحبه للعقل والعلم والإنسانية والتقدم. فالإنسان في نظره استطاع أن يتغلب عن الأمراض والأوبئة ووصل إلى الرخاء والرقي والازدهار.. أين نحن من كل هذا ؟؟ إذ لا أكاد أسمع الا النِّسب التي تؤكدكثرة الوفيات ومن بقاع العالم ربما تتكثف في اروبا وأمريكا نسب الاصابات وتنتشر نسبة الوفيات بقوة في اروباوتحديدا في ايطاليا ولا تبتعد. عنها كثيرا فرنسا وإسبانيا. ونسمع باسماء وضعت في الحجر الصحي وما أظنها كانت تحتاج للنظافة أو موادها، لم يترك هذا الوباء طبقة اجتماعية الا واختار عينات منها، ولم يترك دولة الا وزارها. كل البلدان تعيش الهلع وتترقب المجهول.. في هذا الوضع رجعت ابحث عن الجوائح التي ضربت البشرية فوجدت أن أول وباء كان سنة 165 ميلادية والذي ضرب الإمبراطورية الرومانية ومركزها ايطاليا آنذاك. وسمي بالطاعون الانطوني والذي أضعف الإمبراطورية وشتتها. وبما أن الأوبئة تخبو ولا تزول قطعا، فإننا نفاجأ في سنة 541 ميلادية بطاعون آخر أطلقوا عليه اسم “طاعون جيستنانplague of justinian”، والذي يقال إنه انتقل عبر آسيا آنذاك وضرب مصر بشكل لافت.. ولقد سمعت بقانون جستينان، ولم اسمع بالطاعون الذي نسب إليه . وفي سنة 630 ميلادية جاء طاعون عمواس نسبة إلى بلدة بفلسطين. وأكبر جائحة ضربت البشرية في سنة 1348 ميلادية، وهو ما أطلق عليه اسم الطاعون الأسود أو “الموت الأسود ” the dark death وفيه تقرأ عند المؤرخين لهذه الفترة أخبار الموت المرعبة. الموت التي لا يعرف معنى “التقسيط” أن صح التعبير .فالموت الجماعي وبالاعداد الهائلة حتى تعذر الدفن لكثرة التكاليف، وخوفا من العدوى. وبلغت ضحاياه مليون نسمة. اي قتل الثلت آنذاك من البشر. وفي القرن الرابع عشر عرف المسلمون عصرا ذهبيا وتطورا كبيرا في مختلف مناحي الحياة وكانت آنذاك الأندلس هي النقطة المضيئة بأوروبا ولم يعرفوا هذه الجائحة .وبعد هاذه المرحلة انطلق عصر النهضة في اروبا واطيح بنظام الإقطاع الذي تأثر كثيرا وبنظام الكنيسة التي وقفت كذلك عاجزة أمام الجائحة وهناك ظهر مبدأ العقلانية. إلى أن نصل إلى 1918 حيث وجدت البشرية أمام وباء جديد أطلقوا عليه اسم الأنفلونزا وهو بدوره ترك أعدادا كبيرة من الضحايا. في السنوات الأخيرة كنا أمام الكوليرا والحمى النمشية typhus لا سيما بأفريقيا، والبقرة الحمقاء، وكرونا سارس sars، وكرونا فريس مارس mers ، وزيكا، وايتش وان اتش وان ، h1h1 . كل مرة يداهمنا وباء باسم من الأسماء لكن هذه المرة وقف العالم يتنفس بتقطع حاد وكبير. كل مسؤول يمسك بقلبه في يده .لا أحد يملك معلومة عن الغد في وقت العولمة والثورة التكنولوجيةالتي أتاحت السيرورة للمعلومة بمنسوب منقطع النظير. كل ما نعرف هو انه يجب أن نتبع نفس المعلومات في كل الدول .ويطبق نفس الاحتراز في كل الدول، وأعناقنا جميعا معلقة على سبورات النتائج التي لا تراها الا متصاعدة وكأننا في بورصة. صحيح ولكنها بورصة بها أرواح البشر. والكل يهلل بالحمد والشكر لله وبكل اللغات اذا توقفت قليلا ….حتى طمَعُنا بات ضعيفا ،ونكتفي بالحد الأدنى. ونراه كثيرا في زمن بات كل خطر محتمل وارد. توحّد العالم، وتساوت فيه الشعوب، فرق واحد ولكنه مصيري وحاسم هو أن منها ما ينتظر اللقاح يخرج من مختبراته ويبيعه ،وآخر ينتظر اللقاح ليشتريه. مفارقة صارخة. وبدا الإنسان ضعيفا وصغيرا جدا جدا. وفهم الجميع ان الأوبئة لا تموت ولكن ربما تخبو ليس الا ،وانه لم يتغلب عن الأمراض والأوبئة ولم يستطع شيئا. وسقطت مقولة بوفال ومفهومه عن الإنسان الجديد والذي سماه كما قلنا سابقا “الهوموديوس”وانهارت نظرية ستيفان بينكر صاحب” التنوير الآن”. وكل شيء توقف في نظري ليعلن عن مرحلة جديدة بعد كرونا فيروس أو كوفيد19. و بات مشروعا في نظري أن نتساءل. هل ستبقى الدول مهووسة بالتسلح؟؟؟هل سيبقى الاتحاد الأوروبي؟؟؟ ولماذا سارعت بريطانيا بالخروج منه؟؟؟وهل سيعود ترتيب القوى الاقتصادية الكبرى؟؟؟ وما مرتبة الصين في الترتيب الجديد؟؟ وما مصير الدول الصاعدة ودول العالم الثالث؟؟ ما مصير البلدان التي تعيش حروبا ضارية وتعاني من الكورونا في نفس الوقت. ؟؟؟ ما موقع إيران والسعودية بل ودول الخليج بعد الكورونا؟؟؟ هل الاسثمار سيبقى مركزا بشكل محموم في الأسلحة ام سيتحول للبحث العلمي والمعرفة ؟؟؟ أسئلة كثيرة وربما متناسلة. ولكن نبقى في ترقب لصورة عالم جديد يتشكل . صراعٌ خفيٌ وقويٌ تدور رحاه في نظري بين الإنسانية والمادية. صراع يحلينا على الدرس الفلسفي الأول من ينتصر في الصراع القائم على الشر والخير ؟؟