نشر أنيس منصور في عموده اليومي في (الأهرام) _عدد 29 يونيو الماضي- رداً غير مباشر على المقال الذي نشرته في (العلم) يوم الجمعة 22 مايو الماضي، تحت عنوان (على خطى حسنين هيكل: افتراءات أنيس منصور على جلالة الملك الحسن الثاني). وجاء الاعتذار بصيغة واضحة تثبت بطلان الافتراءات على جلالة الملك الحسن الثاني التي وردت في كتاب صدراً أخيراً في القاهرة للمؤلف إبراهيم عبد العزيز بعنوان (رسائل أنيس منصور) على لسان أنيس منصور، حيث بدأ مقاله بقوله: »لا بد أنها غلطة الأستاذ إبراهيم عبد العزيز مؤلف كتاب (رسائل أنيس منصور). فقد تحدث هو عن الملك الحسن الثاني وله رأي مختلف«. وكان هذا المؤلف قد نشر في كتابه على لسان أنيس منصور، كلاماً يتهم فيه جلالة الملك الحسن الثاني بتلقي رشوة مقدارها مليار دولار من الملك خالد بن عبد العزيز، مقابل اتخاذ موقف مناهض للرئيس المصري محمد أنور السادات في أعقاب التوقيع على اتفاقية كامب دافيد. وأستأذن القارئ في نشر النص الكامل لمقال أنيس منصور، لأن فيه معلومات وتصحيحاً لخطأ فادح في حق المغرب وتوضيحاً للموقف، وشهادة نعتز بها في حق جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله. »لا بد أنها غلطة الأستاذ إبراهيم عبد العزيز مؤلف كتاب (رسائل أنيس منصور). فقد تحدث هو عن الملك الحسن الثاني وله رأي مختلف. أما أنا فأكن للملك الحسن الثاني عظيم الاحترام. فقد كان سياسياً بارعاً ومتفقهاً في الدين ليس له مثيل. وكانت لغته العربية لا تقل روعة عن لغته الفرنسية. وقد استمعت إلى مواعظ الملك الحسن لشعبه في رمضان. فكان يؤكد قي كل يوم أنه فقيه في الإسلام. وأذكر أيضاً للملك الحسن أنه كان فناناً من الطراز الأول ... محباً للفن وكان يعزف على العود. وكان يحتضن عبد الحليم حافظ ويردد أغانيه وأحياناً يصاحبه على العود ... ثم إن الملك الحسن هو الذي احتضن كل مفاوضات السلام مع إسرائيل عندما ذهب إليه حسن التهامي مبعوثا ً من الرئيس السادات ليلتقي بموسى ديان.. إلى آخر المفاوضات التي مهدت إلى كامب دافيد .. وله مزايا وصفات أخرى تستحق الإعجاب وعظيم الامتنان .. ولا أنسى يوم أوفدني الرئيس السادات لمقابلة الملك الحسن سراً. وكانت الرسالة في ورقة قرأتها عليه .. فأجابني بسرعة .. وأشار إلى التليفون ولم أعرف ماذا أفعل، رفعت السماعة فكان الرئيس السادات. ونقلت إليه ما قال الملك الحسن الثاني. وقد أسعده ذلك!. وأذكر أني سئلت في التليفزيون المغربي وقلت لم أر الملك الحسن الثاني حتى الآن، وإن كان يسعدني أن أراه وأن أتحدث إليه. فالذي سمعته من عبد الحليم حافظ ومن الرئيس السادات قد أدهشني. واليوم لقيت الملك فتأكدت من صحة كل ما عرفته عنه..» إن الغلطة التي ينسبها أنيس منصور للمؤلف إبراهيم عبد العزيز، الذي أجري معه حوارات مطولة -ونحن نصدقه في قوله هذا_ هي غلطة من الحجم الكبير. ويبدو أن المؤلف من تلامذة حسنين هيكل الذي لا يكف عن اتهام الملك الحسن الثاني بما ليس من شيمه وصفاته ومزاياه وسجاياه. ومما يؤكد هذا أن المؤلف كذب في كتابه وارتكب التزوير حين نسب إلى الكاتب الصحافي الكبير كلاماً خطيراً يعاقب عليه القانون لو وجد من يتابعه قضائياً. يقول الأستاذ أنيس منصور: «إنني أكن للملك الحسن الثاني عظيم الاحترام، فقد كان سياسياً بارعاً ومتفقهاً في الدين ليس له مثيل». وهذه شهادة من كاتب كبير وصحافي قدير عاش قريباً من الرئيس محمد أنور السادات وكان موضع ثقته يكلفه بالمهام السرية في خدمة المصالح العليا للدولة. فهو ليس مطلق صحافي، ولكنه كاتب ومفكر وشخصية سياسية كان لها دور في حياة الرئيس السادات. مع الفارق أن دوره مع السادات يختلف عن دور هيكل مع عبد الناصر، من وجوه عديدة. ولقد كنت قبل أن أكتب مقالي المشار إليه، في حيرة من أمري، هل أنشر ما جاء في هذا الكتاب، أم أغض الطرف عن هذه الافتراءات؟. لأن عقلي لم يصدق أن يسف (من الإسفاف) كاتب من الطراز الرفيع إلى هذا الدرك، فيروي الأكاذيب وكأنها حقائق ومعلومات مؤكدة. وصدق ما توقعته، وتأكد أن المؤلف إبراهيم عبد العزيز _الذي لا اعرفه- هو الذي سقط في هذا المستنقع، وخان الأمانة حين نسب إلى الكاتب الكبير ما لم يقله. وتلك سقطة أخلاقية وانتهاك للميثاق الشرفي الذي يلتزم به الصحافيون. وفيما علمت فإن المؤلف ينتسب إلى أسرة الصحافة المصرية. بل أقول إن تلك جريمة بالتوصيف القانوني، يعاقب عليها قانون العقوبات في مصر والقانون الجنائي في المغرب. وما قاله أنيس منصور في المؤلف يجعل هذا الكتاب مطعوناً في مصداقيته. فقد ألحق مؤلفه ضرراً أدبياً بالغاً بالكاتب والصحافي الشهير من حيث أراد أن يخدمه. فقد كذب أنيس منصور المؤلف وفضحه وتبرأ مما نسبه إليه بخصوص الرواية المزعومة التي أوردها عن الملك الحسن الثاني يرحمه الله. وبذلك يكون المؤلف هو صاحب تلك الرواية الزائفة، لا الذي نسبها إليه. لقد كان لجلالة الملك الحسن الثاني دور بالغ الأهمية شديد الحساسية واسع النفوذ، في تحريك القضية الفلسطينية، وفي دعم الرئيس المصري محمد أنور السادات في طريقه نحو تحرير الأراضي المصرية المحتلة من خلال المفاوضات مع إسرائيل التي انتهت إلى استرجاع سيناء بالكامل. ولسوف يكشف التاريخ كيف أن ملك المغرب يرحمه الله، كان يسبق عصره بعقود بمواقفه وسياساته، وبرؤيته إلى المستقبل، وبتفهمه للمتغيرات الدولية. وأنيس منصور على علم دقيق بالمواقف المشرفة والشجاعة التي اتخذها جلالة الملك الحسن الثاني في أصعب الفترات. وإذا كان حسن التهامي الرجل الأكثر اطلاعاً والأوسع معرفة بهذه المواقف، يعيش اليوم في منزله بضواحي القاهرة، في منعزل عن الحياة العامة، فليس هناك اليوم سوى أنيس منصور من رجال الفكر والقلم، الذي يعرف ما لا يعرفه غيره عن الدور المغربي في تعزيز جهود السلام في إطار القانون الدولي بالتعاون والتنسيق مع الرئيس محمد أنور السادات. ولذلك فإن اختلاق الأكاذيب وتزييف حقائق التاريخ والنيل من القادة العرب الكبار الذين كان لهم دور ما في السياسة الإقليمية والدولية، هو أسلوب الحاقدين الذين أفسدوا الحياة السياسية العربية، وأفسدوا الفكر السياسي العربي، ولا يزالون يفسدونه من مواقع متعددة. وقد تأكد أن مؤلف كتاب (رسائل أنيس منصور) من هذه الفئة. والمعنى من وراء مقال أنيس منصور أن الرواية الباطلة من الأساس التي ساقها إبراهيم عبد العزيز عن تلقي جلالة الملك الحسن الثاني الرشوة من أخيه جلالة العاهل السعودي الملك خالد بن عبد العزيز، هي من نسج خياله وليست معلومة صرح بها أنيس منصور. وهنا نقول لقد كان يحسن بالكاتب الصحافي الكبير أن يزيد في توضيح الموقف، فيؤكد من خلال معلوماته، وهو المطلع على حقائق الأمور، أن هذه الافتراءات والأكاذيب التي ساقها المؤلف باطلة من الأساس ولا الصحة لها إطلاقاً، حتى يكون منصفاً للقائد العربي الكبير الذي قال عنه إنه يكن له عظيم الاحترام. ولكنه لم يفعل ذلك لاعتبارات راعها، أو للأسباب خاصة به. ولذلك فإنني أدعو إلى إثارة القضية على مستويات أعلى، لمتابعة المؤلف الذي افترى على ملك المغرب وباني نهضته وقائد مسيرته التحريرية، ولطخ سمعته بتلك الافتراءات الباطلة التي سماها أنيس منصور (غلطة)، وما هي بغلطة، إنما هي جريمة كاملة الأركان. وعلى كل حال، فقد برأ أنيس منصور نفسه، وكذب المؤلف تكذيبا ً قاطعا ً، وأنصف جلالة الملك الحسن الثاني وشهد له بما هو جدير به ومستحق له. وتلك حسنة تحسب لهذا الكاتب الكبير.