أثناء وصولي إلى هناك، وجدتها تؤثث الفضاء جيئة وذهابا،وفيض من الحبور يعلو ملامح وجهها الدقيقة، وجدائلها تتدحرج فوق ظهرها،وغير بعيد من هناك، كان شاب يتربع على كرسي من الإسمنت دافنا أذنيه وسط ياقة معطفه، واضعا خديه بين يديه، عيناه تتلصصان بتوجس غريب، يتابع أدق تفاصيل حركاتها وانفعالاتها ،وهي غير عابئة به وبما يدور حولها..مر الوقت بطيئا متثاقلا، ولهفة اللقاء تزداد توقدا،..رغم السنين الطويلة التي لم يلتقيا فيها ظل دائما حاضرا يناوش روحها، ودفء أصابعه يغمر أطراف جسدها النحيل، طال الانتظار والترقب ولم يظهر له أثر بعد..زاد الانتظار والترقب من انفعالاتها، مسحت بطرف يدها عرقا تصبب من وجهها..أرسلت نظراتها إلى أبعد ما تتيحه الرؤية، لاشيء يلوح في الأفق، ارتعشت أطرافها، تسرب الشك إلى أعماقها يلتهم ما تبقى من آمال لديها..عم فؤادها المنير الظلام، أطبقت أجفانها فوق جسدها المتعب من شقاوة الرواح والمجيء وطول انتظار..هاجرت في بحة صوتها المنكسرة، همست : قد ذابت آمالي كالجليد وتبخرت..وتلاشت أحلام عمري وانتهت، رددتها مرات عديدة، وصدرها يعج بأجمل الذكريات التي احتفظت بها، وقتها كان الشاب قد هب من مجلسه ودنا منها يسترق السمع لقلبها وهو يوشك أن يضرب عن الخفقان، مزق شرنقتها بمناداتها باسمها، مالت برأسها نحوه، من أنت؟ قالت بعفوية. أنا قصاصتك التي تحفظ مشاعرك، أنا الذي تعاودك ذكراه كل ليلة. مسحت وجهه بنظراتها في ذهول ودهشة كبيرين، فاغرة فاها، لم تصدق عينيها، وأن الماثل أمامها حبيبها المنتظر، تناولت طرف ثوبها مسحت به دمعتان انهمرتا على خدها خارج السيطرة، انفرجت أساريرها، لم تتمالك نفسها، صاحت بأعلى صوتها :"حبيبي" ملأ صداها أرجاء المكان، ارتمت بين يديه والتصقت به كالعلقة، تعانقا في لهفة وشوق كبيرين، انصهر الجسدان تفتقت عنهما شقيقة النعمان تحت تصفيقات الجمهور الذي ملأ قاعة المسرح، أسدل الستار وهما ما يزالان متعانقين، ليتني تابعت العرض من أوله.