في آب العام (2000) اقيمت على هامش مهرجان جرش السنوي التقليدي العديد من الفعاليات والانشطة الثقافية، منها الحلقة النقدية والندوة التكريمية للشاعرة الفلسطينية المبدعة فدوى طوقان ، تحت عنوان "فدوى طوقان بين قيد المراة وفضاء النص" . وشارك فيها د. احمد درويش من مصر، ود. خليل الشيخ و. ابراهيم السعافين من الاردن ، والكاتب والمثقف السوري صبحي حديدي. في حين شارك في الجلسة الثانية عن تجربة فدوى طوقان الشعرية علي الشرع من الاردن ، وماجد السامرائي من العراق ود. يوسف بكار من الاردن . وفي اليوم الاخير من هذه الندوة التكريمية عرض فيلم وثائقي عن حياة الشاعرة طوقان من اخراج الكاتبة الفلسطينية ليانة بدر ، وذلك بع ان استمع الحضور الى شهادات ومداخلات حول تجربة فدوى طوقان الشعرية، قدمها الشاعر الفلسطيني المتوكل طه ، والكاتبة حياة الحويك عطية من الاردن ، والمهندس جعفر طوقان ابن أخ الشاعرة طوقان. وقد لبت فدوى طوقان دعوة المشرفين والقائمين على مهرجان جرش ، متحملة مشاق وعناء السفر ، وحضرت من مدينتها الأحب الى قلبها ، الشامخة على جبل جرزيم وعيبال نابلس ، وقد قهرت المرض وعجز الشيخوخة ، لتشارك في هذه الندوات والحلقات ، ورحب بها مدير المهرجان الاستاذ اكرم مصاروة قائلاً : " لم اشعر بالمهابة والخوف مثلما اشعر الآن " . وتساءل : كيف يجرؤ واحد مثلي على ان يتحدث في جمع مثلكم عن شاعرة عظيمة كفدوى طوقان ، التي ان دل ميلادها عشب الارض، ورماها في صباها احد المعجبين بوردة حمراء فحرمها الدراسة لكنها غرست الارض بستاناً احمر من اجمل الورود وبسبب تلك الوردة ، وكم تمنيت ان اكون احد سامعيها وهي تعزف على العود. والقت شاعرتنا الرائدة فدوى طوقان كلمة معبرة ردت فيها على اقوال مدير عام المهرجان قائلة : "ان التأثير يكون اكبر عندما تضيق العبارة " ثم تحدثت عن تجربة المرأة الشعرية، ومما قالته بهذا الصدد: " لقد جئت في زمان كان شعر المرأة فيه بدعة ، ونحن لو رجعنا الى موروثنا من الشعر النسائي لوجدناه يقتصر على شعر الرثاء فحسب، فباستثناء الجواري ورابعة العدوية ، فالمراة العربية القديمة لم تتعد دورها المرسوم لها وهو دور الرثاء وابراز مناقب الفقيد من اقربائها المقربين . وظل هذا الباب هو الوحيد المفتوح اما المرأة الشاعرة والمسموح لها بالخروج منه الى فضاء الشعر وامام الاغراض الشعرية الاخرى فكانت "تابو" محرمات لا تجرؤ على الاقتراب منها . اما شاعرات الاندلس فكانت لهن شأن آخر حيث مارست المرأة العربية هناك حرية لم تعرفها المرأة في المشرق والحرية هي مصدر الابداع لانها تتيح لطاقات الانسان ان تنفجر وتبدع". وانهت فدوى طوقان كلمتها قائلة :"تبارك الشعر مشروع التجارب الانسانية ، وتبارك الشعر الذي ظل وسيظل حاجة انسانية حضارية لا غنى عنها للانسان . لان الانسان خلق عاطفياً وما دام كذلك فسيظل الشعر ". بعد ذلك القت الشاعرة بصوت متهدج ضعيف قصيدتها "هذا الكوكب الارضي "لتي كتبتها قبل اسبوع من قدومها الى مهرجان جرش ، ولم تتمكن من مواصلة قراءتها بسبب ضعف نظرها ، فساعدها مدير المهرجان الشاعر جريس السماوي . ومما جاء في مستهل هذه القصيدة : لو بيدي لو اني اقدر ان اقلبه هذا الكوكب ان افرغه من كل شرور الارض ان اقتلع جذور البعض لو اني اقدر لو بيدي ان اقصي قابيل الثعلب اقصيه الى ابعد كوكب ان اغسل بالماء الصافي اخوة يوسف واطهر اعماق الاخوة من دنس الشر وبهذا انتهت هذه الندوة النقدية التكريمية للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان ، التي طالما انشدت للحب المستحيل ودوى صوتها في سماء فلسطين والوطن العربي الكبير ، متحدية القيود الاجتماعية ضارعة الى العلا: اعطنا حباً فبالحب كنوز الخير فينا تتفجر واغانينا ستخضر على الحب وتزهر وستنهل عطاء وثراء اعطنا حباً نبني العالم المنهار فينا من جديد ونعيد فرحة الخصب لدنيانا الجديبة وتشاء الاقدار والايام ان تكون هذه الندوة التكريمية الاخيرة التي تشارك فيها شاعرة الوطن والطبيعة والرومانسية فدوى طوقان ، لتودع الحياة وترحل الى مرقدها الابدي بهدوء وصمت وبدون استئذان في العام 2003.