المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البنيوية والتحليل النفسي: أية علاقة؟
نشر في طنجة الأدبية يوم 12 - 08 - 2014

سؤال أساسي بعد هذا قد يحظى بكثير من الترقب في ذهن البعض فور ملاحظة هذا الربط الكمي بين منهجين مختلفين بهذه الطريقة البسيطة وهو : ما جدوى الإقرار بأن هناك حقل اشتغالي بين المنهجين ؟
إن ذلك ينطلق من فراضية اعتبار المنهجين وعاءين علميين بحجمين مختلفين يزنان أي محتوى وأي موضوع ،بقدر متشابه ومتكافيء من المبادئ والشروط الموضوعية التي تحتكم إلى المقولات المنطقية، مع أنها غير موصوفة على هذا القبل إجرائيا ، إن المحور الإشتغالي لهذين المنهجين ، ليس نابعا من إفتقار الدارس بهما لأدوات فعالة من أجل تحليل ظاهرة معينة للوصول إلى المبتغى في بناء تصور جيد لها من حيث غنى المعنى والتوضيح والتشخيص،حيث تلزمه طبيعة الموضوع بأن يخلق الإنسجام بين النسقين المعتمدين في علاقة اتفاق بغرض تقويم الهدف المشترك ، كما هو الشأن بالنسبة للإركيولوجي عندما تسعفه أبحاث الجيولوجي في معرفة طبقات البقعة التي ستجري فيها حفريات معينة ،أو بالنسبة للمؤرخ عندما يعتمد على أبحاث اللسني في معرفة الإشتقاقات، لأن هذا المبدأ يصب في محيط ضيق و مشروط بالعبور فوق جسر اصطناعي جرى فبركته خصيصا لذلك و ليس ثمة مجال طبيعي يجمع ضفتين تتقاربان جغرافيا بطبيعتهما كما هو الأمر بالنسبة للتحليل النفسي والبنيوية ، ويكون الهدف من ورائه محصور في إطار وظيفي يشبه (العلاقة الديبلوماسية) التي تعطي لهذا الشكل من التأقلم بين النسقين صورة التموضع في الحركة وليس الشبه التركيبي في الفصيلة العلمية والهوية التي تجمع بين كيانين نظريين من العلوم الإنسانية .
وإن كان يحق لصورة التفاعل الوظيفي للعلاقة بأن تدخل سليمة إلى الأنساق العلمية الأخرى ، وتقحم نفسها بشكل فضولي في تصنيفات بعض الدارسين الذين يأبون إلا أن يخلقوا التمايز بين المنهج البنيوي والتحليل النفسي من خلال طريقة الإستعمال واعتبار الأول مجرد تيار فلسفي وليس منهجا قائما بذاته، فإنها لن تجد لها مكانا مريحا تستقر فيه بين تصوراتنا ، في العمل بها على نفس النحو ، لأن نتائج الفحصالذي أجري للمنهجين تنفر التعاطي معهما بازدواجية مطلقة ، بمثابة قواعد تسوية لطبقة لا تنطلق من طينة أساس مشترك مؤسس لهما إبستوملوجيا وغاية عميقة يصب في حجرها مجراهما الإنتاجي :إلى الأبعاد السحيقة بالنسبة للتحليل النفسي ،والمجرى الإنتاجي إلى الصميم بالنسبة للبنيوية .
بعد أن ظهر أحدهما على حساب ما حققه الآخر من تراكم يستدعي النوع والتخصيص، ونقصد أنه إذا كانت البنيوية قد ظهرت على أنقاظ تفشي فلسفة الكوجيطو السارترية في أوروبا ، والأحداث الطلابية التي برزت في باريز بفرنسا خلال عقد الستينات وعصفت بالثوابت البنيوية المعيارية للمستوى النظري للعلم الحديث كحالة ضخمة كرست النزعة التأويلية ، وأسالت الكثير من المداد والمزيد من الأسئلة حول حدود المعرفة والحقيقة ،مما جعل منها إحدى العوامل الكبرى التي وجهت الرغبة الكثيفة لفلاسفة عمالقة من أمثال لفي شتراوس إلى الإقرار بالحاجة الراهنة إلى وضع منهج عتيد وسديد يدرس المواضيع بشمولية من الصميم إعتمادا على الأحكام التقريرية والإستنباط،كضرورة لا محيد عنها والسعي نحو ذلك حثيثا بكل طموح، فإنها بادرة تاريخية يضرب لها المثل من زاوية نظرنا ، بظروف الثورة المعرفية التي حققتها إنجازات فرويد العظيمة في التحليل النفسي ، إبان نهاية القرن التاسع عشر ، والتي لم تكن لأحد من سابقيه سوى هو ، بعد أن سار على خطى أسلافه من أتباع الفلسفة اللاشعورية ،وعلم الجنس sixologie اللذان كانا في ذلك الوقت هما النسقان الأقرب إلى فهم اللاشعور والنفس البشرية منذ أواسط القرن التاسع عشر ،وهذه المضربة للمثل لن تقع إلا على محك مناسبة المقارنة بين شتى الجوانب المتماثلة بين التحليل النفسي والمنهج البنيوي ، ونتمنى ألا يغتاظ أحد من هذا قبل أن يستكنه ما سنقوله بكل وضوح ونحن نشاطر الرأي مع "جون ستروك" فيما يقوله حول البنيويين الخمس البارزين ألا وهم: لفي شتراوس ودريدا ومشيل فوكو ورلان بارت وجاك لاكان"ولقد يفتقر هؤلاء إلى برنامج مشترك فيما بينهم ،ولكنهم لا يفتقرون إلى الأصل المشترك ،ذلك أن شجرة العائلة التي تنتمي لها أفكارهم هي التي تبين صلة القربى بينهم" إن منظور ستروك لا يستسيغ أن نتوسله بمرونة لنرى ما هو صالح لإستعماله كدليل لتدعيم الرأي فحسب،بل يستشرف الأفق الأوسع الذي نرجوه نحن في الآتي على مستوى إدخال التحليل النفسي مع البنيوية في علاقة تبادل في خارطة المقاربة المقارنة التي يسير جون ستروك في صراطها بكبد جدلي ناهم باحثا عن بؤرة عريضة لجمع شمل أبرزالنقاط والنظريات والتمايزات ونوعية الإهتمامات المطروحة في أعمال البنيويين الخمس زمانيا ومكانيا ، بالكثير من اللف والدوران ،حول جوانبها المتناغمة مع بعضها البعض من حيث المقومات النظرية التي تستحضرها بشكل وجيه ، ومن خلال النتائج التي توصل إليها في ذلك ،نغتنم الفرصة الثمينة لنحرص بداية على جرد قيمة أعمال جان لاكان من خلال منظور عصارة القراءة التي قام بها جون ستروك لأعمال البنيويين، بغية الزيادة من أهمية إثبات علاقة التبادل القائمة بين منهج التحليل النفسي والبنيوية، قبل أن نعود إلى فرويد.
إن قيمة الإثبات تلك التي أشرنا لها، لا تعد ضربا من المستحيل والمشكوك فيه،بل من الممكن بمكان أن تساهم في إفرزها من العمق إلى الواجهة، مسألة جنوح لاكان إلى ما تضطلع به البنيوية من أعمال في أمور اشتغالها مع أنه "محلل نفساني يهتم بالنظرية لا بالتجارب المحددة التي يواجهها في عيادته أو علاج المرضى الأفراد"(البنيوية وما بعدها) إذن ما يلفت الإنتباه من خلال الطرح الذي يصبو إليه جون ستروك ، أو ما يمكن استخلاصه بالأحرى منها هو، أن أعمال لاكان تعطي لنا بأن صاحبها يعد ب- بالمفهوم الجنيالوجي- من سلالة المحللين النفسيين بطبيعة فطرته العلمية التي فطرت عليه إنجازاته الفكرية،وفي نفس الوقت هو من نسل أنصار المنهج البنيوي الذي يتبعه لفي شتراوس ويعتبر من القيمين على تطويره،من حيث نطفة البنية الشمولية والإلمام الكلي ،ضمن خطاب البحث النظري عند جان لاكان.
لكن غصة الحلقوم الموجودة في رؤية معارضة لدى مختص لهذا التصور، قد تنص بأن قيمة إثبات علاقة التبادل ،مدعومة بسندات منطقية غير قابلة لإتمام تبريرات على اتصال الظواهر،عبر توضيح الجانب التفاعلي بين المنهجين هنا ،إذا كانت اهتمامات لاكان تتربع على عرش النظرية كمحطة أولى وأخيرة في توجهاتها دون أن تبالي شيئا ما بالخبرة العيادية إلى مستوى مشرف من العناية التي لا تثير استغراب السؤال :كيف تفسر مسألة أن يكون لاكان بطبيعته العلمية محللا نفسانيا ،ولا يتسنى لإمكانياته المتاحة من خلال العمل اليومي الإحتكاكي بالمرضى أن تجعله فرس ميدانه ويستخرج العبرالمجردة من التجربة العيادية،عندما يركب غمار التيار النظري ؟
وهو ما يبدي طرح التناقض مع إحدى المرتكزات المنهجية للتحليل النفسي التي ظل فرويد طيلة مشواره العلمي في البحث ، يقلع منها نحو تدارك الحقيقة النفسية كإتجاه ثاني بعد تجاه النبش في العمليات اللاشعورية ألا وهو اتجاه البرهنة بالعلاج ؟
إن المؤشرات الجديرة بتكوين الإجابة عن السؤال أو لا ، معطات لتصور "علاقة التبادل" من خلال أعتبار أنه قد لا يبدو ا في الغالب الأعم أن لاكان من خلال ما حققه من أعمال نظرية ،استغنى كليا عن فائدة التجربة بمكان عما يمنحه القوة أكثر،إلا إذا تأملنا أعماله من منظرور ضيق في مستوى اختصار مجهوداته الفكرية من الزاوية العامة .أما من الزاوية الخاصة فالقراء الإستكشافية هي التي ستحسم في الأمر على ما نعتقد،ومهما يكن من أمر هذا الإشكال فبما أنه كان مسكونا بهم معرفة النفس الإنسانية على طريقته الخاصة، صمن السيرورة التاريخية،من خلال دراسة المجموعات البشرية،فمن الأسلم أن نقول بأن جاذبية تصنيف إمكانيات أي عمل فكري أو علمي على حدة ، يقويها في الإلتصاق إلى الجانب الخاص بها الطابع الذي تحمله ،تلك الإمكانيات ، وهكذا حدث مع "لاكان" هنا بالضبط ،ولذا ينبغي أن نعي بأن هذه هي مفارقة الإعتراض السابق، كما يحلو لنا منطقيا أن نثبت قدرات التمهيد للإجابة عن السؤال ،بواسطتها مرورا من تأكيد الحجة المحتملة على مفارقة ضمنية أخرى في الإعتراض ، ومنبثقة كجزء من مضمونه العام ،إن الحجة هي الثالوث المذهل الذي يصل بين قوائم منهج التحليل النفسي والمنهج البنيوي بعد أن رأينا الولادة العسيرة لهذا الأخير تعززت بفضل الأول ولو بشكل غير مباشر ،والثالوث هو :
منهج التحليل النفسي: بحث في العمليات اللاشعورية.
المنهج البنيوي : بحث في العمليات الذهنية.
التحليل النفسي والبنيوية : بحث في العمليات الذهنية واللاشعورية.
إن هذا الجمع المفاهيمي بين ثلاثة أنواع من التجليات المنتظمة ينظر إليها من جانب السياق الإسقرائي باستماتة محورية ، وإلى خصوصيات التناظر لدى الفاعلين الفكريين ، سواء تعلق الأمر بالبنيويين أو التحليل نفسانيين ،بإيجاد نسبة التجاوب القصوى الدالة على طبيعة الميل التصنيفي التي ستكتسيها نتائج المقارنة في تلك النقاط المحددة في ثلاث ملاحظات رئيسية ، ويقع إحداث تركيبة موازية لها على عاتق تجزئة عدة عناصر في فحوصات التناظر عند هؤلاء المفكرين حسب مجالاتهم واهتماماتهم، وعلى مقاس نسبة التقابل بين مرتكزاتهم المفاهيمية،التي تبدو ضعيفة على مستوى إحداث عرقلة كبيرة لإمكانيات جعل المنهجين في مستوى إدراكي لنفس المدى العميق ،لما يتعين فهمه بشمولية تفتح باب الحقيقة الجازمة لتلج الشمس التي تجعل العين رائية والأشياء مرئية (ذا شئنا استعمال تعبير هيذغر) على مصراعين وليس على مصراع فحسب،لكن تلك المرتكزات لا تقل مع ذلك أهمية من حيث مستوى اختلاف المفاهيم النظرية من اعتبارها فعالة في قطع صلة وريد علاقة التبادل بالهدف الذي نحن بصدد بلوغه من خلال النقاش والتحليل.
إذن فإذا نظرنا إلى تداعيات كل ملاحظة من الملاحظات التي تعكس وجه التناسق العام، القائم في التناظر،سنجد بأن نسيجها المتبادل بشكل مبطن ،مبرم حول طبيعة أعمال لاكان النظرية ،بواسطة الأفق الذي تنشده أبحاثه من زاوية الوازع الصلب لديه الذي هو البحث في العمليات الذهنية ،وليس هذا الأفق سوى إدعاءه اكتشاف"القوانين التي تعمل بها النفس الإنسانية" (البنيوية ص 15) على غرار لفي شتراوس الذي استطاع أن "يكتشف خلف خليط الوقائع التجريبية بنية ذهنية كلية" آمن بها بوحدة النفس البشرية ( ص-نفسه)
إذا كان في الأمر من ريبة بفعل النقص في المطابقة،فإن الوازع الصلب في اهتمامته لفي شتراوس هو اكتشاف بنية كلية الذي تشكل إنجازا محوريا يماثل قوانين النفس البشرية عند لاكان،وأخذنا في الإعتبار هذا التلاقي وهذا التصنيف لبنيوي قح ومحلل-نفسي قح أحدهما إلى جانب الآخر على محمل الجد ،يفترض علينا أن نضعه بكل ثقله على ميزان القياس المنطقي في كفة واحدة كمية ،ونضع في الكفة المقابلة الكيفية استنتاج "جون ستروك" بأن هناك أصل عام مشترك يجمع بين البنيويين الخمس ويعد لاكان واحدا منهم ، فنلاحظ تسوية للمجرى الطبيعي الذي يحدد نتاج فكري مبدئ لغائية أفقية في مجال طبيعي دائم ومعيد لها فيه ، بلا ترجيح ما يشمل مغالبة وزن إحدى الكفتين عن الأخرى ،إلا بإضافة خط يبدو انقسامي ظاهريا ،لكنه في الحقيقة وسطي حر يميز اختلاف أشكال المفاهيم والمبادئ كما هي مصاغة حرفيا على المستوى الإبستومولوجي عند البنيويين والنفسانيين،وليس الجوهر الداخلي للمعالجة الفكرية لهما للمواضيع ،التي تتجاوز المعطيات المباشرة .
ولربما تطلب الأمر لبلوغ الحد الأقصى من التوازن المتعادل للترجيح المحدث باختلاف أشكال المبادئ والمفاهيم، إدخال لسانيات دوسيير ، والماركسية إلى الخط ،فهما تكتسيا صبغة فريدة من نوعها، في العودة إلى الأصول بدون منازع ، لكن بما أن هناك بعض المسائل لم تنحل بعد في النقاش ،فإن مشيئة سياق الموضوع لا زالت تسير بنا إلى إحداث المزيد من التوافقات النظرية ،لنكون على بينة من أمر كل نقطة تطرح على حدة من جانب ما تستدعيه المقارنة بين المنهجين من ضوابط نسقية ، فإلى الآن لم نوشك على أن نجيب على سؤال اتجاه البرهنة بالعلاج ،بفعل تناول معطيات أخرى لها صلة قرب بالإجابة ،بدون مزايدة خارجية ، إلى هنا نرجع إلى فرويد من أجل إحداث المطابقة بينه وبين البنائيين ،بوصفه مجازا ذلك العنكبوت الضاري الذي نسج خيوط شرك التحليل النفسي بحبكة بالغة تنعكس فيها بالإيقاع،تلك الأجسام اللاشعورية واللامرئية والمطمورة في تراب الفراغ الزماني .
انطلاقا من دراسة العمليات اللاشعورية والغرائز والجنسية ، نحو إعادة تحريك مجمل الظواهر العرضية للعصاب والهيستيريا ، ومعرفة مدى استقرارموجاتها على نواحي سببية ذات علاقة بالقوى المحركة الثلاثة ، التي ترتب عنها أساسا المكتشف الفرويدي ،وفق صيغة مبدئية يقيمها "بول لوران أسون" على الشكل التالي"المكتشف الفرويدي ينبثق من نار البحث في الظواه اللاشعورية ،ويختبر في مستوى العلاج ،ويأخذ إسما في مستوى النظرية "من غير توهم بان هناك شطر رابع وتماهيا مع هذه الصيغة يحدث أنه لو أثرنا النظر بإمعان إلى المستوى الثاني ، بصفته نسخة من السؤال السابق الذي يتحكم في عناقه ذلك الإعتراض التناقضي ،فإنه على سبيل تفنيده بشكل مطوق،سنقول بأن فرويد خلال مشروعه العلمي ،كان قد رسم الخطوط العريضة للتحليل النفسي ، ،حينما باشر عمله العلاجي في العيادة ، وكان قد أنشأ أرضية خصبة لمكتشفاته المتميزة التي رشح لها نفسه كمجدد ،وكمكتشف شهم درأت إرادته الحرة في المغامرة كل الصعاب أمام التوغل في دهاليز النفس ومعرفة مطوياتها، وتنبعث من تصريحات نكران الذات، حول مساره الشخصي ،هالة من الإستشعارات الدالة،التي يستنتج من خلالها لوران أسون يقينا بأن فرويد كان يعرض نفسه للإختبار أمام المكتشفات ،"أنا لست رجل علم حقا ، ولا مجربا ،ولا مفكرا،(وهو يقصد أني لست كذلك) أنا لست إلا مغامرا مكتشفا إذا ما كنت تفضل هذا اللفظ ،وذلك مع كل صفات حب الإستطلاع ،والجرأة والصرامة التي هذا النوع من الناس " هنا يبدو أن ذلك نقيض الأطروحة (الإعتراض) محسوم في أمره وليس مطروحا للنقاش في ما سيلي هذا لأننا أغلقنا عليه باب المواجهة بالأدلة الدامغة ، مما لا يدع مجالا أكبر لعدم تقبل ألأطروحة، بقي لنا فقط أن نمضي إلى وجهة تفعيل بعض المقاربات الأصولية لنقط الإلتقاء بين البنائية والتحليل النفسي ،والتي تستدعي عناء المحاولة لمعرفة عناصرها ، تمهيدا من الناحية الرئيسية التي تملي إشارتها بأن هناك طريق للوصول إليها وسط عدد نادر من المشاكل التقنية العويصة التي تدفع ببعض المبادئ الإبستيمولوجية الصورية للتحليل النفسي إلى الإنحياز إلى منتهى ، تشجبه الغائية التي أقيم عنها من وراء اللامرئي،بسبب ادعاء فرويد بأن التحليل النفسي يقوم في انفصل عن ((العلوم الطبيعية))بل إنه يضعه جهرا ،على نموذج مستلهم من الفيزياء ،والكيمياء مما يعترض سبيل البنائية في الإلتئام مع الطابع الذي يحمله التحلل النفسي ، لكن ثمة قابلية كبرى لإعادة النظر في مغزى تصريح فرويد واستشفاف ما يلمح إليه،فالنموذج المادي هنا ليس هو الحد الفاصل للحسم في عدم كفاية شروط انتماء التحليل النفسي أكثر إلى الهوية النظرية ، من العلوم الإمبريقية، التي تقل فيها البنائية مصادقة لها من حيث الأصل،عما عليه من قرابة نظرية لمحيط العلوم الإنسانية ،فالنموذج المادي الإمبريقي الذي يستند إلى وقائع ملحوظة ليس عديم الجدوى في أن يصبح دعامة لأي بناء نسقي،إذا ما كان قابلا لأن يفرغ من محتواه كاملا ،وتكون أنظمته الرئيسية صالحة للإستعمال الإيجابي،في تجاه نحت مفاهيم نظرية مجردة لأنساق أخرى تمتاز بالطابع النظري ، كاستعارة وظيفية لتحقيق غرض التأسيس لا غير من هذا،كما فعلت اللسنيات حينما جاءت بالمورفولوجية من مجال علم النبات ،وأدخلتها ّإلى مجالها لدراسة التركيب الصوتي للغة، فبالرغم من أن علم النبات علم فيزيقي محض ، يعتمد على الإختبار ،فقد منح لعلم اللسنيات نموذج كيفي يختلف عنه في صيغة الإسقاط الذي سيختاره هذا العلم للمواضيع التي يدرسها وفق أشكالها وأنماطها ،وبناء على ذلك يتضح ضمنيا بأن هناك أزمة حقيقية في فهم وتقدير ما يعنيه فرويد بمصطلح الإنفصال ،فهو لا يدل به جملة وتفصيلا على الإنبثاق الذي يمثل جانبا من الطابع للفصيل العلمي أمبريقي كان أم إنساني،-نظري أم تطبيقي-.بل يتوخى به المحايثة ،من حيث خرجت بوادر المادة الخام التي حولت إلى صناعة نظرية بالأساس، علما بأن ما هو تجريبي لا يكون شموليا ،وعلى قدر مهم من الشحنات القوية ،لإيصاله بسبر أمداء شاسعة، إذا كان فعالا في لحظة الحسم الوضوعي على صدق فراضية معينة أو كذبها ،بالملاحظة ،إنطلاقا من إيمانه بأن (النظرية التي تطرح نفسها موضح الإختبار لا تملك أية قيمة معرفية)وهنا ينبغي أن نتساءل من أين للتحليل النفسي بهذا الصدر الرحب الذي استطاع به أن يفك ألغاز فسيفساء من العلاقات المعقدة التي تندرج تحت بنى السحر ،والدين،والعائلة العشائرية الأولى،والطابو بالعودة إلى المرحلة الأزلية لقتل الطوطم ونشوء الطوطمية ؟
إن صح استعمال المفهوم الإيجابي ،وقلنا بأن التحليل النفسي شمولي بطبعه ،متى استقام نضج معارفه على مبدأ العلة الفاعلة،والقوانين ،سنهتدي إلى معرفة السر الكامن وراء الكليانية الموجودة عند جان لاكان ،والجدلية الجينيالوجية بينه وبين تصنيفه في علاقة بالبنائية والتحليل النفسي.بأنهما تمخضتا بناء على وجود سكتين مختلفتين ،دشنتا في طريق واحد، يمرعبر محطات مشتركة ومتقابلة ،تقودا فيه إلى منطقة سحيقة يتراءى فيها لكل منهما وجهتها الصحيحة .مع احتمال أكبر لتبادلهما مقامات المفاهيم أثناءالعودة إلى الأشواط الأولى قصد استطلاع تفاصيل مواضيعهما اللامباشرة.
وكل هذا التبادل المخضرم للعلاقات بالظواهر التي يدرسانها بل وبعض الغايات،يتوقف على عناصر المحاججة السالفة الذكر بجميع ما يحيط بها ، وأخيرا يتوقف على رؤية البنائية والتحليل النفسي للتاريخ .فكليهما يتقاسما موقفا أحاذيا أمامه ،ينتهي بالإستغناء بإدارة الظهر له ونبذه،عملا بمكانتهما المنفردة في جهاز التنظير العقلاني المتماسك (لعناصر تشغل الكل) :أولا تحت عنان النقد الفرويدي اللاذع للفلسفة التي نصبت نفسها في برج عاجي ،تبتهل من خلال التأمل والتمتع بما حولها ،بما يشبه الميثالية ، أوعلى حد وصفه لها ، ((زعما شموليا ينتهي إلى حد ادعاء المعرفة المطلقة )) حيث خلق هذا الأمر لإستعلاء الفلسفة،من لدن فرويد،تصعيدا معنويا فاق الإحتمال ،ودفع بالتحليل النفسي إلى أن يفقد لباقة تواضعه،مع جود الفلسفة عليه ببعض الأشياء النظرية ،حينما غذى بها فرويد طروحاته وبعض نظرياته ،بواسطة أفكار ساقها من نيتشه وأفلاطون وشوبنهور.بدون رد الجميل على اقتراضه منها قروضا حسنة ليضاعف بها من القيمة الإنجازية لمشاريعه،ولو اعترف بالجميل للفلاسفة الثلاثة ،"بوجود تصورات سابقة حول مفهوم الكبت في (( العالم كإرادة وتمثل)) كما يعثر في ((ميتافيزيقيا الحب والموت))على الحدس المزدوج لسلطة إيروس وثناتوس" وأن الفلسفة اهتمت بصورة دورية بمسألة اللاشعور فإنه لا يعدو بأن يكون سوى وصاية بيروقراطية بسعى من خلالها أنطلوجيا إلى إحلال مثل الأعلى لذات التحليل النفسي ،محل "مبدأ الرفعة" الآخر عند الفلسفة ،لأن إكراهات البداية القاهرة ،لفرويد وعدم إبداء تجاوب كبير مع منهجه من لدن من عارضه في اللبيدو وبالأخص نفيه لوجود غريزة اجتماعية بدل الغريزة الجنسية كما هو معلوم،كلها ملاحظات تسعف المرء على معرفة جزء من الأسباب -الغير إيديولوجية-التي دفعت بفرويد إلى ربط التحليل النفسي بالعلوم الطبيعية الإمبريقية،و إبداء قلق حاد من الفسلفة، قل نظيره عند الشترواسيه،رغم أن نفس الجدلية تسم على وجه الخصوص ثانيا ،ذلك التطاحن الفكري المفتعل،الذي اشتدت وطأته بين الوجودية السارترية ، والبنائية الشتراوسية إلى حد ضلوعهما في محاكمات إبستيمولوجية ،تذاكت بفعل تضارب المناظرات المتتالية طيلة عقد كامل تقريبا بين لفي شتراوس وسارتر، فقد توترت العلاقة بين جان بول سارتر ، وخصمه البنائي الذي كان صديقا حميما له تجمعهما وشائج الكتابة في مجلة سارتر،وذلك إثر بزوغ "كتاب (الآفاق الحزينة) للفي شتراوس (...)ففيه يأخذ على الوجودية ((أنها ترتقي إلى نوع من الميتافيزيقيا الخاصة الفلسفية))وفي سنة 1960ظهر كتاب ((نقد العقل الجدلي)) لسارتر وهويشمل نقدا منهجيا للأنتربولوجية البنائية ،أما في سنة 1962 فظهر كتاب ((تفكير الفطرة)) للفي شترواس ففيه يخصص الفصل التاسع للردعلى نقد سارتر ،ودحض الحجج التي تضمنها كتاب النقد" ومن جانب مصداقية فرويد المزعومة هنا ،لقد ركز التحليل النفسي رفضه لأية صلة علائقية له بالفلسفة،على أساس موفق عام شبه معصوم من الوقوع في الخطأ، وبذلك كان إبنا عاقا للفلسفة التي لم يرضيها فرويد بما يكفي من الوقار عوض توبيخها،ومن جهة ثانية نجد البنائية لم تشتط قطعا برمتها كما بغي للتحليل النفسي بأن يكون حق أريد به باطلا،إذ لم تركز نظرتها نحو الفلسفة إلا على موفق خاص يتوجه بالرفض لنسق فلسفي بعينه ،وليس كل الأطياف الفلسفية المختلفة ،والمهم في الأمر أن بين ما هو كائن عليه التحليل النفسي في نظر فرويد بطبعه،وما ينبغي أن يكون عليه استنباطيا ،شتان بينهما حسب اعتقادنا ،وذلك بتبلور تصور مشترك غير لائكي ذاتيا بين البنائية والتحليل النفسي يمنحهما قوة تحديد الصحيح من الخطأ،والقدرة على معرفة النسيج المعقد والعلاقات والقوانين التي تتحكم في نشاط وفكر الإنسان،وبذلك صارا على خلاف التفكيكية التي تنثر الشك حول نفسها باستمرار لنقدها ،بل هما يزكيا أنفسهما مقارنة بنسق الفلسفة الوجودية والفلسفة كمنظومة عامة، بدون أن يلبسا وضعا خجولا أمام ذلك ،عسى أن يتحدثا بلسان الواثق عن الحقيقة بكل ثقة في النفس.
ومن الآن فصاعدا بالنسبة لنا لن نقف على جانب الطريق ،ونضع البنائية في واجهة محددة ،والتحليل النفسي في واجهة ثانية ،ثم نجعل قطيعة بينهما، ونسير ملتفتين ذات اليمين وذات الشمال عموديا بل أمامنا سكتين أفقيتين ينبغي أن نتبع خطاهما عن تماس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.