في ريف قريته الجميل، الملتحف بالخضرة، وأرضه الخيرة التي تنهال بالعطاء، نشأ طلحة يتيم الأب، هو لا يعرف ماذا يعني اليتيم؟ كان يظن أنه خرج من بطن أمه دون أن يكون له أب، زاد تيقنه بذلك عندما ذهب ذات صباح إلى حلقة الفقيه وقرأ لهم سورة “مريم” وشرح الفقيه على مسامعهم بأن مريم أنجبت عيسى عليه السلام دون أن يمسسها بشر، أما أخته شيماء التي تكبره بأربعة أعوام كانت تعلم بالحقيقة بأن أبيها مات قتلاً، لكن أمها وصّتها أن تكتم الخبر عن أخيها طلحة. تمر الأيام والأم تكابد بعناء في توفير قوت أبنيها من قطعة الأرض التي تبقت من أرض زوجها المسلوبة، والتي يشاطرها في خيرها الشيخ “ جدعان “، كانت جواهر تخرج من دارها مصطحبة ابنها طلحة إلى الفقيه الذي يقوم بتحفيظ القرآن، بعدها تذهب للعمل في قطعة الأرض، لا تعود إلى دارها إلا بعد أن تلتهم الشمس ظل جسدها، وهي عائدة تحمل فوق رأسها حزمة من الحشائش لبقرتها؛ التي يشاركها الشيخ “جدعان” في سمنها ولبنها. أما شيماء فقد لعنها القدر عندما خرجت من بطن أمها أنثى، لتعيش في مجتمع يحقر وجودها، في مجتمع يحصر حياتها تحت سقف “ديمتها” وبصحبة بقرتها. يكبر طلحة ومعه تكبر هموم أمه، التي أخذت تفكر بأنه سيعرف بالحقيقة التي تخفيها عنه، سيعلم أن مريم وحدها من أنجبت طفلاً دون أن يمسسها بشراً، حينها سيسأل عن أبيه. يعود طلحة ذات يوم من حلقة الفقيه، مسود الوجه، يدخل على أمه التي تسمرت في مكانها خوفاً من أن يكون علم بالأمر، لكنه يعيد في روحها الحياة عندما قال لها: لماذا يشاركنا الشيخ )جدعان( وابنه الحقير ما نجنيه بشقاء عرقنا. لكنها تهدئه وتسأله عما حدث. يجيب متحمساً: عندما كنت عائداً بصحبة صديقي “عثمان” وعندما اقتربنا من دارهم سمعنا صوت أمه الحزين يشق صدرينا وهي تشكو إلى الله متوجعة بما ألحق ابن الشيخ ببقرتها من أذى، بسبب امتناعها عن إعطاء أحد عمال الشيخ اللبن، لا سيما أنه لم يعد يكفي لأسرتها المكونة من اثنتا عشر نفساً، فقلت له: لماذا يأخذ منكم بأي حق؟ رد علي لماذا تتغافل وأنتم أول ضحاياه في الأرض والبقرة؟! تنهدت جواهر بنهدة كادت تشق صدرها. لتتابع قائلة: يا أبني، الشيخ )جدعان( يأخذ من سكان القرية جميعهم، لسنا الوحيدين. وهل أمرنا الله بذلك؟ يا أبني الله لا يحب أن يظلم الإنسان نفسه، فما بالك بظلم الإنسان لغيرة، هذا شيخ جائر، ومتنفذ في الدولة، لا يجرؤ احد أن يشتكي به. لم يهدأ طلحة ليلته، لقد ظل ساهراً يفكر لماذا لا تكون له معجزة يفتك بها الشيخ وابنه، فهو الوحيد بعد عيسى عليه السلام الذي خرج من بطن أمه دون أن تتزوج أمه برجل، وفي الصباح يسمع أصوات مزعجة من دار صديقه “عثمان”، هرع لينظر ما حدث، وقبل وصوله كان عثمان يقف باكياً، سأله طلحة عما حدث؟ أجابه بأن رجال الشيخ أتوا حاملين شبحاً على أكتافهم يقولون بأنه والدي مات في سجن الشيخ، وبعد ما تفحصته أمي صرخت في وجوههم قائلة:) لو كان في قلوبكم رحمة لما مات جوعاً، ونحن نسوق إليكم كل صباح جرة من اللبن ونفراً من الحبوب( حينها أدركت أنه والدي، وإن ملامحه تغيرت بسبب الجوع الذي كابده في سجن الشيخ “جدعان”. أبوك محظوظ يا طلحة بأنه قتل وهو يدافع عن أرضه!! ماذا تقول: يا عثمان؟ أبي قتل. هل أمتلك أباً ؟ لا تهذي يا صديقي أنا طلحة ابن جواهر ليس لي أب، مثل عيسى ابن مريم عليهما السلام. لا عليك صديقي، الآن ساعدني في مواراة جثة أبي، لن يأتي أحد ليساعدنا ما دام القاتل الشيخ “جدعان”. وبعدها سأشرح لك الأمر. ذهبا ليدفنا “قتيل الجوع”، وفي اليوم الثالث من موت أبو عثمان، وصل طلحة وصديقة عثمان إلى جانب مساحة أرض مترامية الأطراف مزروعة وقفا أمامها ، أشار عثمان إلى تلك المزرعة قائلاً: هذه مزرعة والدك يا طلحة، وتحت هذه الشجرة قتل أبوك بينما كان يدافع بشراسة عن أرضه، كنت حينها قابعاً في بطن أمك عندما أتت لتحمل جثته، متوعده الشيخ “جدعان” بأن موته سيكون بيد من تحمله في أحشاءها، حينها قهقه الشيخ الحقير بضحكة أرعبت أختك شيماء التي لحقت بأمك إلى هذا المكان. كان طلحة واقفاً كتمثال بقلب نابض، بينما عثمان يطمئنه بأنهما سيأخذان بحقهما ، حتى لو ماتا في سبيل ذلك. اتجه طلحة نحو داره وكأن صديقه عثمان لم يكن بجانبه، لكن عثمان لحق به، وقبل أن يصلا رأيا نسوه أمام دار طلحة وصوت جواهر يرتفع ليعانق السحب لعلها تبكي لما قد حدث، يصل طلحة يمشي دون إحساس بين النسوة، ليشاهد شيماء ملقية في هجرة دارهم ملابسها ممزقة ملطخة بالدم، جثم فوق جسدها، كان قلبها قد صمت، عيناها تكتسي بدموع الآهات والألم. أما عثمان كان قد أدرك أن الشيخ وابنه قد كتبا قدرهما المحتوم وهو “الموت”، لا سيما بعد أن اقدم ابنه على اغتصاب شيماء، خرج طلحة متجهاً صوب صديقه عثمان، وقبل أن يخبره بأنه سيذهب للانتقام من ابن الشيخ السافل، إذا بصوت سيارة الشرطة تأتي لتخبر طلحة بأن ابن الشيخ محجوز لديهم وأنه سيأخذ جزاء ما أقدم عليه، لم يرد عليهم بكلمة قط، لكنه تابع السير نحو قسم الشرطة برفقة عثمان، وعند وصوله، وجد الشيخ يطالب بتطبيق القانون، بينما رجاله بالسلاح يحاصرون قسم الشرطة، حينها أدرك طلحة بأن العدالة قد ماتت بمقتل أبوه، وإن الشيخ فوق القانون، فأنتهز الفرصة ليخطف من خصر الضابط المسدس ويصوبه نحو الشيخ “جدعان” ليرديه قتيلاً، أما عثمان فقد سنحت له الفرصة بعد أن تجمع الجنود فوق جثة الشيخ، ليتسلل إلى داخل السجن ليقتل ابن الشيخ، وبعدها أخذ العساكر طلحة وصديقه عثمان إلى داخل السجن وقد انتصرا للحق والعدالة التي طلب الشيخ بتطبيقها.