من خلال تتبعي للحلقات الأولى من المسلسلين المغربيين "البيوت أسرار" و"الصلا والسلام"، التي عرضت على قناة "الأولى" والمتاحة للمشاهدة حاليا على منصة "يوتوب"، خرجت بالإنطباعات الأولية التالية: 1، هناك مجهود مبذول من طرف الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون من أجل ضمان استمرارية إنتاج أعمال درامية مشرفة على مستويات عدة (تقنيا وتشخيصا بشكل خاص)، رغم الانتقدات الموجهة لبعض شركات تنفيذ الإنتاج المهيمنة أكثر من غيرها على الإستفادة من كعكة الدعم العمومي. 2، قطع الممثلون والممثلات، بحكم اشتغالهم المستمر في الإنتاجات الدرامية المغربية وغيرها، أشواطا كبيرة في التمكن من أدوات التعبير أمام الكاميرا وأصبحوا مقنعين في تشخيصهم لأدوارهم بدرجات جد مقبولة ومتفاوتة أحيانا من ممثل (ة) لآخر أو لأخرى. 3، لا زالت سيناريوهات هذه المسلسلات في حاجة إلى تماسك درامي مقنع، فبعضها ("الصلا والسلام" نموذجا) يعتمد في مشاهد كثيرة منه على الصدفة في الربط بين الأحداث والوقائع بشكل غير منطقي أحيانا. وهذا يعني أنها كتبت في غالب الأحيان بسرعة وفي زمن قياسي. 4، الممثلة فدوى طالب برهنت في بطولتها لمسلسل "الصلا والسلام" عن علو كعبها وقدرتها على الإقناع في هذا الدور الجديد، وهذا ليس غريبا على ممثلة شابة سبق لها أن تألقت في أدوار سينمائية وتلفزيونية عديدة رغم أن مضامين بعضها كانت تافهة ومبتذلة. المراهنة إذن على فدوى من طرف الممثلة والمخرجة زكية الطاهري، في دور "نكافة" من نوع جديد، كانت مراهنة ناجحة إلى حد كبير.
5، الكاستينغ في مسلسل "البيوت أسرار" جد موفق ومتنوع، يجمع بين ممثلين مخضرمين (حميد نيدر وفاطمة هراندي…) وممثلين في أوج عطائهم (سعيدة باعدي ومحمد خيي وسعيد باي وعادل أبا تراب…) وممثلين شباب (فاتي جمالي…) أو جدد وغيرهم، فجل المشاركين في هذا العمل الدرامي، إن لم نقل كلهم، كان اختيارهم مناسبا. ولا حاجة للتذكير بتألق العديد منهم في الأعمال السينمائية والتلفزيونية المنتجة في السنوات الأخيرة بالمغرب. 6، بعد تجاربهن في تشخيص أدوار مختلفة يستمر انفتاح بعض الممثلات على الكتابة الدرامية للتلفزيون، فبعد سامية أقريو ونورا الصقلي وأخريات وقعت الأختان سعيدة وحفيظة باعدي على سيناريو وحوار مسلسل "البيوت أسرار" للمخرج علاء أكعبون. ويبدو واضحا مجهود الأختين باعدي في هذا العمل الجديد، الشيء الذي جعل بناءه الدرامي أكثر تماسكا بالمقارنة مع سيناريو مسلسل "الصلا والسلام"، من تأليف زكية الطاهري ومحمد الميسي، الذي يشكو من بعض التفكك. 7، المسلسلان متشابهان من حيث طابعهما الإجتماعي، فإذا كان مسلسل "البيوت أسرار" يتمحور حول الزوجان سعيد وعائشة وما يرتبط بهما من شخصيات لكل منها مشاكله وأسراره، فإن مسلسل "الصلا والسلام" يتمحور حول شخصية "النكافة" العصرية كريمة، التي ورثت حرفة والدتها الراحلة وحاولت تطويرها بمساعدة فريق يتكون من نساء ورجال، لكل واحد منهم مشاكله العائلية. فكل مسلسل يحاول بطريقته الخاصة تسليط بعض الأضواء على عينة من مشاكل الأسرة المغربية وعلى رأسها التوترات الحاصلة بين الأزواج. 8، أصبح المنتوج الدرامي المغربي قادرا على شد انتباه المشاهد المحلي، بفضل التطور الذي شهده شكلا ومضمونا، وهذا التطور يعزى في جانب منه إلى قدوم أجيال شابة تلقت تكوينات متنوعة في معاهد المسرح والسينما والسمعي البصري وغيرها وضخت دماء جديدة في شرايين الإنتاجات السمعية البصرية. ومن شأن دعم هذه الإنتاجات وتوفير الإمكانيات الضرورية لها مع وضع سياسة شمولية للرفع من مستواها الفني والفكري والعمل على تسويقها خارجيا (في بعض الدول العربية على الأقل أوالإفريقية بعد دبلجة بعضها إلى لغات أخرى) أن يعجل بخلق صناعة تلفزيونية يمكنها أن تنافس الصناعات القائمة في المنطقة العربية أولا.