في سبيل هذا الموضوع، سنشير إلى نماذج إبداعية للجنسين، نماذج نسوية تعبر عن أسئلة وعن صرخات نسوية دونت في كتابات روائية محاولة البحث عن ذاتها والتصرف فيها، وأيضا الاستناد إلى نماذج ذكورية منهم من طالب باحترام المرأة ومنهم من صرخ فيها داعيا إياها للنهوض والتعبير عن طموحاتها و أهدافها وأحلامها وطرح أسئلة عصرها لتكون متساوية مع الرجل من تم تحقيق إنسانية الأدب، وهو ما أشار إليه «أحمد فضل شبلول» في كتاب «المرأة ساردة»، يقول: «هل المطلوب مني أن أحدد موقفي من هذه المصطلحات السابقة التي ينكرها البعض في قولهم إن الأدب يجب أن يكون إنسانيا، سواء كتبه رجل أو كتبته امرأة، أو حتى طفل موهوب، ومن هنا لا يوجد ما يسمى أدبا نسائيا وآخر رجاليا أو رجوليا، أو أدبا طفوليا، وإنما هناك أدب إنساني عام»1. في سياق التطور الفكري والأدبي للكتابة النسوية الذي صاحبه أيضا تطور على مستوى المناهج النقدية التي أثرت على العمل الإبداعي النسوي «النظريات ما بعد البنيوية عند «لاكان» و«جاك دريدا»، ربما لأنهما يرفضان في الحقيقة أن يثبتا وجود سلطة ذكورية على الحقيقة، ونظريات التحليل النفسي عن النزعات الغريزية تحديدا، كانت ذا فائدة للناقدات النسويات اللواتي حاولن أن يكشفن عن المقاومة التدميرية، التي لا شكل لها عند بعض الكاتبات والناقدات، من النسوة للقيم الأدبية، التي يهيمن عليها الرجال»2. في نفس الطرح ذهبت «جوليا كريستيفا» حيث ترفض مفهوم الهوية نفسه، بما في ذلك القول بهوية نسوية وأخرى رجالية (…) وهي ترفض أية نظرية لعلاقات القوى تعتمد على مفاهيم الهوية المطلقة3، معتبرة «أن مصطلح الأنثوية، هو مفهوم خلفته بنية الفكر الأبوي في تشفيرها لعلاقات القوى القوى الاجتماعية، وهو مفهوم يضع المرأة في مكان هامشي ضمن منظومة علاقات القوى الرمزية في المجتمع الأبوي»4. فيما أكد «سعيد يقطين» على النظر إلى المنتوج الأدبي النسوي من زاويتين زاوية الإبداعات النسوية، وزاوية أخرى استهلاكية يستمد منها الرجل المبدع إنتاجه الفني5، الشيء الذي دعا النقد الأدبي إلى أن يعيد النظر في المنتوج النسائي من زاويتين أساسيتين: – زاوية أولى: يكون فيها الخلق والإبداع نسويا، تبدو من خلاله المرأة ذاتاً فاعلة ومنتجة، وهو ما اعتبرته «زهور كرام» بوحا ذاتيا يحمل معه ثقلا تاريخيا، تقول: «كثيرا، ما اعتُبرت كتابة المرأة، بوحا ذاتيا، وتم إلحاقها بالسيرة الذاتية، كما تم النظر إلى نصوصها الروائية بمثابة صرخة لذات، ظلت تحمل معها ثقل السؤال التاريخي، ولهذا، فكتابتها منشغلة بترميم الذات المُجزَأة، والمُشتتة، والمُلحقة بذوات أخرى…»6. وهو نلمسه مع روائيات مثل (فاطنة البيه، أحلام مستغانمي، فدوى طوقان، خولة حمدي، …). – زاوية ثانية: وهي التي تحضر فيها المرأة كمادة للاستهلاك أو موضوع الكتابة الأدبية «يستمد منها الرجل/المبدع إنتاجه الفني»7. من قبيل رواية «ذات» لصنع الله إبراهيم، و«الحي اللاتيني» لسهيل إدريس» وغيرهما. وقد أشارت الباحثة زهور كرام في مقالها «المرأة قارئة لذاتها» على أن المرأة لا زالت تبحث عن ذاتها الغير مكتملة، على عكس الرجل الذي يمتلك هوية مستقلة وذات مكتملة، باعتبار أن المرأة هي الموضوع الإشكالي وتحتاج لذات (الرجل) أو ذوات (زوج، أب، أخ،…) أخرى تكملها، تقول زهور كرام: «اعتبارها (المرأة) ذاتا إشكالية، تتصف بالدونية، وتحتاج لذات أخرى من أجل اكتمالها المجتمعي (…)، لأنها ذات مكتملة، وغير مُلحقة، فإن المرأة – الكاتبة لا تنشغل بتدوين ذاتها الإشكالية، وتوثيق تاريخ الذات المُلحقة لأنها لا ترغب في ترسيخ هوية تابعة، (…) إن ما يحدث في كتابة المرأة، من حضور قوي للذات، لا يدخل في إطار دعم هذا الحضور، وتوثيقه، وتدوينه، بقدر ما يتعلق الأمر بقراءة المرأة-الكاتبة لذاتها. إن شعورها بفقدان ذاتها تاريخيا، يؤسس لديها شرط التعامل مع هذا الفقدان، من منطلق كونها لم تُشكل عنصرا صانعا لتاريخ الذات (…)، فهي لا تملك هوية مستقلة، تجعلها تُدون هذا الامتلاك، وتنتصر له…»8. إن الرواية بشكل عام تطرح عدة تصورات للمرأة، والصراع الذي تعيشه والذي ينجم عن الواقع المعاش باعتبارها تفتقد كل عناصر امتلاك الذات والتصرف فيها والتعامل مع إمكانياتها وقدراتها في التفكير والإختيار9. وللمرأة دور فعال في عملية سير الحكي داخل الرواية العربية، وقد أنصف (نسبيا) الأدب بشكل عام والرواية بشكل خاص المرأة في المجتمعات العربية، فمنهم من عكس وجودها داخل المتن الحكائي بأحلى حللها، باعتبارها فعالة ومنتجة ولها مكانتها ودورها متساوية مع الرجل. ومنهم من دافع عنها وصورها في أضعف الحالات مقهورة ومنفية ومغتربة غريبة عن المجتمع الذكوري الأحادي مما تستجلب العطف عليها داعيا إلى إنصافها وتقديرها. من هذا المنطلق يتضح أن المرأة «كثيرا، ما اعتُبرت كتابة المرأة، بوحا ذاتيا، وتم إلحاقها بالسيرة الذاتية، كما تم النظر إلى نصوصها الروائية بمثابة صرخة لذات، ظلت تحمل معها ثقل السؤال التاريخي، ولهذا، فكتابتها منشغلة بترميم الذات المُجزَأة، والمُشتتة، والمُلحقة بذوات أخرى…» وقد عرف السرد العربي نماذج روائية كثير عكست وبصدق كبير نماذج كثيرة للمرأة والدور الذي يجب أن تلعبه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حرصت الرواية كذلك على تصوير نماذج أنثوية تبرز مدى الإقصاء والتهميش الذي تعيشه المرأة العربية والمعاناة التي تعيشها في صراعها مع الاخر (الرجل)، وفي صراعها مع المرأة نفسها حيث نجدها مقصية ومغتربة عن بنات جنسها أو عن الرجل، من هنا يتضح لنا أن المرأة في الرواية العربية تتقمص شخصيات متعددة ومختلفة فهي أحياناً امرأة متمردة، وأحيانا نجدها خاضعة وأحيانا سلطوية وأحيانا مقصية وأحيانا عاشقة ومحبة وأحيانا كارهة… وقد جسدت الكثير من الروايات قضايا المرأة وهمومها تطلعاتها وهواجسها، ففي رواية «ذات» لصنع الله إبراهيم يحكي لنا عن الكاتب عن المرأة المصرية التي تتجسد في شخصية ذات ونادرا ما يكون بطل الرواية عنصرا نسويا. في الرواية فتاة اسمها «ذات» شابة مصرية بسيطة رسم عبرها الكاتب لوحة تعبر عن المرأة المصرية (البطل الإشكالي لعنصر المرأة) وعلاقتها بالآخر ودورها في المجتمع وضغوطات التي تحاصرها او تحاصر المرأة بشكل عام. في البداية يبرز لنا صنع الله إبراهيم «ذات» بأحلامها وطموحاتها وهواجسها وتفاصيل حياتها الشخصية، لكن سرعان ما تستسلم «ذات» وتخضع لرغبات أسرتها والمجتمع حين تتنازل عن رغبتها بالزواج من الرجل الذي طالما أحبته «الفتى الثوري»10، فتتزوج «ذات» من «عبد المجيد» لأن كل صديقاتها تزوجن وتضحي11، وتعلن بشكل غير مباشر تنازلها عن أحلامها وطموحاتها. لتعيش ذات أسيرة في سجن الزوجية وتكون رهينة لرغبات زوجها المتسلط حبيسة نفسها من دون أن تدرك قيمة الاختلاف وحق الاختيار، يتضح لنا جليا الإختلاف الواضح لمعنى الزواج عند الرجل والمرأة، الرجل المتسلط الذي يعتبر المرأة مجرد لعبة يعبث بها متى يشاء ويتركها متى يشاء، والمرأة الاستهلاكية الخاضعة لرغبات زوجها الشيء الذي يجعلها تقصي رغباتها وتمتثل للخضوع والركوع لزوجها بل للمجتمع المصري الذكوري. «إذ يحضر الزواج تحت مفهوم سترة المرأة، وغطاؤها، وهو تحديد ينسجم والتصورالسائد حول المرأةعلى اعتبار أنها مجرد جسد مرتبط بالعري والفتنة والإغراء مما يستدعي حضور الرجل الزوج كغطاء12. ولكن الكاتب في النهاية يشير عن طريق الراوي بأنه يحلم بامرأة صلبة ومقاتلة لا تكتفي فقط بالبكاء والإستسلام، وكأنه يخاطب المرأة المصرية والعربية ويقول لها لن يبق الأمر على هذا الحال. أما «سهيل إدريس» في رواية «الحي اللاتيني» التي تسرد على المستوى المكاني حكاية الرحيل ذي بنية دائرية باعتبار أن الرحيل هو نقطة الانطلاق والعودة13، حيث تكون نقطة الانطلاق والرحيل من المشرق المتجسد في بيروت إلى الغرب المتمثل في باريس والرجوع إلى الأصل بيروت في النهاية. لكن إن أردنا تتبع الرواية وسبر أغوارها والتعمق في مستوياتها، فإننا نجد الكاتب يقارن بين المجتمع العربي والاخر الغربي، يقارن بين المرأة المشرقية والمرأة الغربية من جهة، ونظرة الرجل العربي للمرأتين من جهة أخرى، المرأة المشرقية تعكسها (الأم، ناهدة، …)، الخوف من الاخر بجميع تجلياته نلمسه مع «الأم» التي تفرض على الابن الزواج من ناهدة الفتاة المشرقية تقول الأم: «أعود فأحذرك يا بني من نساء باريس»14، فهي تجهض رغبات ولدها من أجل تحقيق رغباتها من جهة، ولكن ما يهم هو ما قلناه سابقا (نظرة المرأة للمرأة)، فالأم تعتبر أن «ناهدة» تصلح لابنها دون مراعاة رغباتها طموحات «ناهدة» أو ابنها، فهي تفرض «ناهدة» على ابنها و تفرض ابنها على «ناهدة» و في نفس الوقت فهي لم تعط لابنها أو لناهدة (المرأة) الحرية في الاختيار. ومن جهة أخرى نظرة المرأة المشرقية للمرأة الغربية لا زالت نظرة تحريم وليس نظرة احترام للآخر بثقافاته وتقاليده وأعرافه وديانته، وهو ما ولد خوف الأم على ابنها من بنات باريس، لتظل نظرة المرأة المشرقية للمرأة الغربية نظرة رفض نهائي. أيضا حين نفتح باب المقارنة بين المرأتين المشرقية والغربية وهذا الفرق الشاسع بينهما، المشرقية «ناهدة» التي حصلت على الباكالوريا لكنها لم تتمم دراستها لأن أهلها منعوها من إتمام دراستها، ورغبة «ناهدة» أيضا في الزواج الحلال (الزواج من البطل).والمرأة الغربية التي تمثلها (جانيين مانترو) التي تتميز بسمو أخلاقها وذوق فني رفيع، ونظرة متميزة للمسقبل، فضلا عن مستواها التعليمي. يتضح لنا أن المرأة المشرقية «ناهدة» هي نفسها تحصر من حريتها وتقيد أفكارها وتجهض أحلامها، والمرأة الغربية التي أحبت البطل وأحبها لكن الحمل كان سببا في فراقهما. وشتانا بين المرأتين وللأسف الشديد. أما إن أردنا الحديث عن نظرة الرجل للمرأتين، إننا سنجد ان «البطل» يرى دائما أن المرأة الغربية متميزة عن المرأة المشرقية لأسباب كثيرة، فهو يرى بأن أمه تمثل سلطة التقاليد وقيود الأعراف، أما «ناهدة» فهي امرأة تقليدية لا تتمنى من المستقل غير عريس الحلال (البطل). في «الحي اللاتيني» سنجد بأن «البطل» فر من بيروت من أجل التحرر من القيم المشرقية والبحث عن تجارب جديدة مع المرأة وخصوصا المرأة الغربية، يقول مخاطبا نفسه: «تبحث عنها... عن المرأة... تلك هي الحقيقة التي تنساها، بل تتجاهلها. لقد أتيت إلى باريس من أجلها»15. لكن نظرته ستتغير (نسبيا) مع الوقت حين يتعرف على «جانيين مونترو» المرأة الحالمة الطامحة ويقعان في علاقة حب وتأثير ذلك على نظرته للمرأة يقول الراوي متحدثا عن البطل: «هذا الحب الذي لم يعرف إلا أحد شطريه: فإما النشوة الروحية وحدها، إما اللذة الجسدية وحدها (...)، ولم يكن يتصور أن بوسع إنسان أن يدرك إلى جانب أنثى اللذتين كلتيهما كما أدركهما هو إلى جانب جانين»16. لكن سرعان ما يتغير كل شيء حين تخبره «جانيين» عن حملها منه، ليرجع إلى مشرقيته من جديد ويأمرها بالإجهاض بداعي أن الحمل ناتج عن علاقة محرمة. أما مع المبدعة والمناضلة المغربية «فاطنة البيه» في رواية «حديث العتمة»، التي تحكي عن حياة نساء مغربيات عاشوا حياة السجن السياسي ظلما، وذاقوا أقسى أنواع العذاب، وهو ما دفع الكاتبة إلى البوح والكشف عن المستور خلف السجون المخزنية المغربية التي تقيد الإبداع والكلمة. لكن مع فاطنة البيه شكل السجن حافزا ودافعا نحو الكتابة والإبداع، وهو ما أكدته في حوارها «السجين يعيش في الخيال ولا يعيش الواقع، لأن الفضاء محدود، ويعتبر الخيال عنصرا أساسيا للنجاح في الامتحان. الخيال ينتج الحب والعيش والتعايش. الخيال المنتج الأول للكتابة، والسجن يؤهل للخيال الذي من بعده تكون الكتابة، لأن الانسان مهما يكتب الأحداث التي مرت إلا وهو يعيش الخيال بصورة مجسدة في ذاكرته»17. وحين سئلت «فاطنة البيه» عن روايتها «حديث العتمة»، قالت: «هو كتاب أعتبره أداة معرفية لإماطة اللثام عن ظاهرة الإعتقال السياسي بالمؤنث ثم مواجهة النساء في الاعتقال السياسي بشجاعة وقوة وقدرة وتميز المعاناة التي عرفتها النساء، وهو الشيء الذي كان باختيار منهن. بمعنى آخر، نحن الجيل الذي اختار أن يكون امرأة مناضلة، بالتالي هناك احتمال الاعتقال السياسي موجود دائماً نصب عيني»18. في السيرة الذاتية لفدوى طوقان «رحلة صعبة» نلمس أثر المعاناة والوحدة والإنفصال عن المجتمع لدى الكاتبة، حيث حاولت جاهدة التفاعل مع المجتمع والسعي في التعايش معه، لكن قلبها الطيب جعلها تنصت لرغبة والدها والبقاء بين الجدران الأثرية كما أشارت. وحدة كانت دائما تدفعتها إلى المطالعة والكتابة ساعية للهروب من زمنها البائس والرغبة في تكسير قساوة الوحدة والإنعزال، تقول: «فما ملكت يوما القلب القاسي الذي لا يبالي بآلام الآخرين في سبيل نزعاته ومطامحه الكبيرة. لم يكن أمامي إلا الإنعزال الكامل في قلب العلاقات البشرية المتشابكة من حولي والهروب من زمني البائس إلى الزمن الروائي حينا وأحلام اليقظة والشعر حينا»19. وتبرز «فدوى طوقان» على أنها لم تكن تستلم لقيود والدها بالبقاء في البيت، بارتباطها بعالم الكتابة والتأليف، فالوحدة والاغتراب رغم قساوته جعلها تحس بذاتها وفرديتها من جهة، ومن جهة أخرى البحث عن سبل مد الجسور مع العالم الخارجي بالكتابة في الصحف والمجلات «كلما ازدادت تعاستي من القهر والكبت أزداد شعورا بفرديتي وذاتي (…)، وصرت لا أملك إلا التحديق في مرآة هذه الذات، هذه الأنا حبيسة القمقم اللعين، ولقد كان الشعر الذي نشرته في الصحف هو العمل الإجتماعي الوحيد الذي استطعت أن أجعل منه جسرا يصلني بالآخرين وأنا قابعة بين الجدران الأثرية. وهكذا كان شعوري بالاغتراب يتكثف وبدأ إحساسي باستلاب أحلامي وأماني وتطلعاتي الطموحة يتخذ صفة مرضية»20. لكن إبداعاتها كانت متجهة نحو البحث عن «الذات»، ذات «فدوى طوقان» الطامحة للوصول لمرتبة تتساوى فيها مع الرجل. وفي رواية «غربة الياسمين» للتونسية «خولة حمدي»، فإنها تكشف وتعري عن المستور وتهاجم النظام التونسي الذي يعادي المرأة التونسية المتحجبة و حريتها في اللباس، تقول: «حين وقفت ياسمين لتصافح المرأة وتغادر المكتب، كانت تحس بمرارة مألوفة، مرارة عرفتها كثيرا في تونس طيلة السنتين الماضيتين، منذ اتخذت قرارها بارتداء الحجاب، التضييق على المحجبات كان وما يزال رياضة وطنية يمارسها رجال الشرطة (…)، كل شيء بدأ في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، حين صدر المنشور 108 سيء الذكر سنة 1981، والذي وصف فيه الحجاب «باللباس الطائفي» غير المتناسب مع عادات البلاد وتراثها. توالت منذ ذلك الحين حملات التنكيل بالمحجبات»21، إن كان الحجاب غير متناسب مع العادات التونسية فحتى «الجينز» وغيره من الملابس الدخيلة الغربية والعربية أيضا ليست متناسبة مع العادات التونسية، فلماذا لم تحاصر مثلما حوصر «الحجاب»؟، لهذا فهي تلبس الحجاب باعتباره حرية شخصية، تتكلم «ياسمين» عن الصعوبات التي تواجهها من طرف الشركات والمصانع، ورفضهم تشغيلها بسبب لباسها (الحجاب)، هي تعودت على ذلك لكنها لم تستسلم «تعودت أن تواجه بالرفض (…)، لأن الشروط التي تتعدى على حريتها الشخصية هي إهانة في حد ذاتها. تعودت على الرفض. لكناه قطعا لم تتقبله»22. الحديث عن «المرأة والكتابة» موضوع شائك، لكن إن أردنا حصره (ولو نسبيا) سنذهب في نفس الطرح الذي ذهبت إليه زهور كرام حين سئلت عن التمييز بين الكتابة الذكورية والكتابات النسوية، ولماذا نسمي إبداع الرجل «أدب» وإبداع المرأة «كتابة نسوية»، تقول زهور كرام: «فإن تحديد أدبية الأدب، لا يتم من خارج الأدب، إنما من داخله. كل شكل أدبي يحتكم إلى منطقه البنيوي الداخلي الذي يُؤصل لوجوده الشرعي أدبيا»23. الأدب إما أن يكون أدبا، أو ألا يكون كذلك، بمعنى، لا تستطيع عناصر خارج أدبية أن تكون محددا لأدبيته. هذه مسألة لابد من التذكير بها، بالرجوع إلى نظرية الأدب. يؤدي بنا هذا الفهم، إلى الابتعاد عن النظر إلى الأدب باعتباره ذكوريا أو نسائيا، وإلا سينزاح التفكير عن فلسفة نظرية الأدب. لكن، سؤالا يتبادر إلى الذهن، عن علة وجود مصطلح «الكتابة النسائية»، مادامت المصطلحات تُعبر عن وجود ظاهرة، أو حالة. هناك فرق بين البحث في سياق وجود المصطلح، ووظيفيته بالنسبة للأدب في علاقته بالمرأة-الكاتبة، وبين الأدب باعتباره تعبيرا رمزيا إنسانيا. مصطلح الكتابة النسائية يطرح العلاقة بين الكتابة والمرأة»24. فيما الناقد المغربي «سعيد يقطين» يرى بأنه يجب دراسة النصوص الأدبية دون إعطاء أي أهمية للظروف المحيطة أو الأحداث المؤثرة في تشكل هذا النص الأدبي، يقول: «أن البحث في خصائص الكتابة النسائية يستدعي الانطلاق من النص ذاته بعيداً عن الآراء المُشكَّلة حوله»25. الهوامش: 1- أحمد فضل شبلول، المرأة ساردة، دار النشر: «الوكالة العربية ناشرون»، الصفحة 4. 2- فنسنت ليستش، النقد الأدبي الأمريكي، ترجمة محمد يحيى، مراجعة ماهر شفيق، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2000، الصفحة 189. 3- د. صبري حافظ، أفق الخطاب النقدي: دراسات نظرية وقراءات تطبيقية، دار شرقيات الطبعة الأولى سنة 1996، الصفحة 35. 4- المرجع نفسه، الصفحة 36. 5- سعيد يقطين، الكتابة النسائية صوتا وصدى، جريدة العرب. 6- زهور كرام، المرأة قارئة لذاتها، القدس العربي. 7- سعيد يقطين، الكتابة النسائية صوتا وصدى. (مرجع مذكور) 8- زهور كرام، المرأة قارئة لذاتها. (مرجع مذكور) 9- هاجر المحمودي، المرأة والمدينة في «رواية طوق الياسمين» لواسيني الأعرج، الصفحة 45 10- محمد أبو شعبان، قراءة في رواية «ذات» لصنع الله إبراهيم. 11- ليلى الراعي، قراءة جديدة في كتاب قديم «ذات» لصنع الله إبراهيم، مجلة الأهرام عدد 3282. 12- زهور كرام، السرد النسائي العربي مقاربة في المفهوم والخطاب، شركة النشر والتوزيع المدارس، سنة 2004، الصفحة 172. 13- نصر الدين بن غنيسة، جدلية الأنا والاخر في رواية الحي اللاتيني، دراسة نشرت بمجلة «نزوى» بتاريخ 01 يناير 2009. 14- سهيل إدريس «الحي اللاتيني»، دار الآداب، الصفحة 72. 15- سهيل إدريس، الحي اللاتيني، دار الآداب، الصفحة 26. 16- سهيل إدريس، الحي اللاتيني، الصفحة 151. (مرجع مذكور) 17- «فاطنة البيه، الحقوقية والمعتقلة السياسية السابقة». 18- المرجع نفسه. 19- فدوى طوقان، رحلة جبلية-رحلة صعبة (سيرة ذاتية)، دار الشروق للنشر والتوزيع-الأردن، الصفحة 129. 20- المرجع نفسه. 21- خولة حمدي، غربة الياسمن، دار كيان للنشر والتوزيع، الصفحة 40. 22- خولة حمدي، غربة الياسمن، الصفحة 61. (مرجع مذكور) 23- حوار مع الباحثة «زهور كرام»، حاورها الصحفي «عبد العزيز بنعبو»، نشر بالجريدة الإلكترونية «المنعطف»، بعنوان: «الباحثة والكاتبة زهور كرام-بخصوص موضوع المرأة»، تاريخ النشر: 3 مارس 2015. الرابط الإلكتروني: (الباحثة-و-الكاتبة-زهور-كرام-بخصوص-موض http://almounaataf.com/). 24- عبد العزيز بنعبو، حوار مع الباحثة «زهور كرام». (مرجع مذكور) 25- سعيد يقطين، الكتابة النسائية صوتا وصدى. (مرجع مذكور) عبد الهادي لبيتي عبد الهادي لبيتي