أمريكا لا تعرف المجازفة ولا المجاملة لانجاز ما تراه خادماً مصالحها ، فلا إسرائيل ولا غيرها قادرة على لوي ذراعيها ، إن لم تكن منفذه لإرادتها ، فهي وتد من أوتاد خيمة أقامتها ، لغاية محددَّة لعصرٍ بعينه لمواجهة منطقة شرق أوسطية تمشِّياً مع الحفاظ على مورد لا بأس به مِن مواردها ، إذن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي أساس المشاكل جميعها ، وفي نفس الوقت الحلول كلها موضوعة بين يديها . دول عربية بتباين أنظمة حكمها ، توصَّلت لعمق الثوابت المُتجذِّرة في السياسة الخارجية الأمريكية وما تهدف من ورائها ، فلتزمت التبعية المطلقة للعريض من خيوطها ، اتقاء متاعب مصدرها الضعف الفكري الناتج عن حب التملُّك الأفقي كالعمودي البعيد كل البعد عن عدالة تدبير شؤونها ، ابتغاء احتكار مناصب القمة ولو ضايقت في ذلك شعوبها ، لتترتَّب تلك المخاوف التي لا يهتم على هواجسها ، أي متسلِّط على كل قواعد الحكم إلا في تحصين نفسه ولو على حساب البلاد واستقلالية اختياراتها ، ومَن خرج عن هذه الوتيرة تعرَّض لما تعرَّضت له نظم الحكم في العراق وليبيا والسودان المستمر داخليا نزاعها . الشبكة الأمريكية السرية الموقع غير المجهولة لمن يهمهم الأمر في مراكز قوى الدولة المتخصصة في تطوير والإبقاء على السيطرة الكونية دون معارض لتصرُّفاتها ، اصطادت منذ عقود مناطق متعددة منها ما للعرب منافع شتى بالتأكيد تخصُّها ، موظِّفة دهاءها بما يليق خلق المتاعب داخل تلك المناطق لتحصد بابتداعها وسائل التدخل لتوقيف ما يحصل من تصدعات مميتة الأرباح الهائلة لتستقرّ في صناديقها ، أكان بالمشاركة العلنية أو بيع الأسلحة أو ضمان توفير القوت اليومي وكل شيء بثمن يوازي شروطها ، لو أحصى المتتبع النزيه كل الأزمات والصراعات والحروب التي عرفتها بعض المناطق العرب لهم فيها وجود عثروا يقيناً أن أمركا سبباً رئيسياً في اندلاع ويلاتها . طبعا إسرائيل ليس الوتد الوحيد الضامن بقاء تلك الخيمة لأمريكية المربعة الأضلع والزوايا بل هناك ثلاثة آخرين تمثِّل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ومملكة الأردن كل من تلك الدول انطلاقا من جغرافية موقعها ، مكلّفة بمهمة لا يمكن في أي حال من الأحوال التنصُّل من تبعياتها ، الملخصة في عدم الاعتراض لما تنفذه إسرائيل داخل مربع تعتبره الولاياتالمتحدةالأمريكية تابعاً بما فيه وما عليه إليها ، إلى هنا مَن يفهم فقد فهم جملة وتفصيلا في الجوهر قصدنا دون تقصير في تفسير القضية الأساس بجل جزيئاتها ، أما إن ناقشنا ما يقع على السطح نجد عدم دخول الطَّرف الضعيف حلبة التسابق على فرض ما يكبر حجم ما يمثل من أجل إرضاء إسرائيل لأقصى درجات غرورها ، كما فعل وزير خارجية الأردن مبعوث الملك عبد الله الثاني إلى طهران المُستَقبَل والمُوَدَّع بطريقة مِن الشعور بحرج الخجل نترفع عن إعادة تفاصيلها ، وهذا يعطى انطباعا أن ملك الأردن رغم اعتباره وتدا من أوتاد الخيمة الأمريكية كما سق الذكر عنها ، انتهى دوره الافتراضي كراعي مصالح الصهاينة ضارباً عرض الحائط بموقف الشعب الأردني حفظه الله ورعاه الرافض كل انبطاح للصهاينة والاستمرار على تقبل مهانة ومذلة هذا الكيان المغتصب الموجهة لشعب المجد والعزة والسؤدد كالشعب الأردني الأصيل المُستَحق حرية إبداء الرأي المسؤول وفضائلها ، بالتأكيد فَطن الملك عبد الله الثاني بالورطة التي أوقع نفسه داخلها ، حينما هرول منفِّذاً التعليمات الأمريكية لمقابلة المسؤولين الإيرانيين دون التحقق من مواقف دبلوماسييها ، بل والتوسل إليهم بعدم توجيه أي ضربة انتقاماً لشرفها ، صوب إسرائيل وكأنَّ الراحل إسماعيل هنية مُمَثِّل الكرامةِ والشهامةِ العربية المتحركة عبر الأمصار في جهاد إنساني متحضِّر قريبها كبعيدها ، كانَّ كابوساً أرَّق بعض رؤساء دول عربية متخاذلة مجهول بعد اليوم مستقبلها ، لقي مصيره وليس على إيران توسيع نطاق التوتر من أجله ليطال المنطقة برمتها ، تدحرج ذاك الملك من عربي الهمة لينزل لمستوى العِبري "نتنياهو" فاقد القيمة حتى التحية لا يستحقها ، وإن اتصل به الرئيس الأمريكي جو بايدن ليشكره عما بذله من مجهود سبيل المحافظة على سلامة إسرائيل وأمنها ، فقد أراد أن يُشهِّر به كأحد القادة العرب الأكثر قُرباً من دولة الصهاينة القتلة المجرمين العديمة الإنسانية لا ضمير لها .