في ما يتعلق بعلاقة الثقافي بالسياسي غالباً ما يتم توصيف هذه العلاقة من خلال تفاعلات الفاعلين المعنيين بها، أي علاقة الفاعل السياسي بالفاعل الثقافي. هل هي علاقة تبعية وانسجام أم علاقة تكامل واستقطاب أم علاقة متشنجة صدامية أم علاقة تنافر وتباعد كأنهما يعيشان في عوالم موازية أم جميع هذه الصيغ مجتمعة؟ من هذه الزاوية يمكن توصيف العلاقة بين السياسي والثقافي من خلال تمفصلات آليات التدبير والتسيير المخولة للسياسي في مقابل آليات النقد والتصويب المنوطة بالمثقف. فهذه التمفصلات تعدو أن تكون رهينة جدلية الدولة والهيمنة في ضبط تراتبية السياسي والثقافي كتجل لطبقتين أو فئتين مجتمعيتين مختلفتين. هل الاختلاف في الرؤى والتمثلات سيؤدي إلى الاصطدام والندية أم إلى التهام طبقة لطبقة أخرى وهو ما يتجلى من خلال الوضعية التي تعيشها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على اعتبار أن المثقف ينمحي أمام السياسي بل أصبح تابعاً له ومثمناً لتصوراته وبرامجه وسياساته. هل نحن أمام دولة المثقف أم دولة السياسي أم هما معاً؟ فالصراع بين الفئتين صار مبهماً ومتأرجحاً بين فعل السيطرة والقهر والاحتواء والاستقطاب ونقيضه التكامل المصلحي والتوافق والانسجام والتواطؤ. لهذا يظل فعل تبعية الثقافي للسياسي أو معايشة المثقف لرجل السياسة فعلا متلونا حسب السياقات المجتمعية داخل دول المنطقة. يمكن للتبعية أن تكون سالبة ومحتدة في الأنظمة الشمولية والسلطوية أو مخففة وغير مجحفة في الديمقراطيات المعيبة والأنظمة الهجينة. لهذا من المستحب مقاربة تبعية الثقافي للسياسي من زاوية منظومة القيم المنشودة من طرف المثقف في مقابل نزوعات الهيمنة المجسدة من طرف السياسي. ففي خضم هذه الجدلية ما هي الملامح الفضلى لهوية المثقف في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ هل هي ملامح المثقف العضوي بحسب غرامشي أو تلك التي تميز المثقف المتخصص بحسب فوكو أو تلك التي تصنع مثقفا كونيا بالمفهوم الماركسي؟. لذا ومن داخل الصيرورة والدينامية الاحتجاجية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي ما تزال تداعياتها ترخي بثقلها على شعوب المنطقة بدأت بوادر تلاشي مظاهر تبعية المثقف للسياسي في التجذر وأضحى المثقف هو ذاك المتتبع لجميع مناحي الحياة العامة لمجتمعه الواقعي منها والافتراضي، وهو في الأخير ذاك المثقف الذي لا ينعم في برجه العاجي ويتعالى على مجتمعه بل هو ذاك المثقف الذي يتواجد داخل مجتمعه الذي يسكن جوارحه.