علمت جريدة "العمق" أن مصالح الأمن أوقفت نائبا لرئيس جماعة تطوان "أ.ي"، صباح اليوم الثلاثاء بمطار الرباطسلا، عقب صدور مذكرة بحث في حقه في ملف "نصب واحتيال" ب30 مليون سنتيم مقابل وعد بتوظيف زوجة مسؤول منتخب سابق. وأفادت مصادر جريدة "العمق" بأن المعني بالأمر لم يكن يستجيب لاستدعاءات الشرطة القضائية بمدينة تطوان، من أجل الاستماع إليه في ملف شكاية بالنصب والاحتيال، رفعها ضده رئيس جماعة سابق بإقليم شفشاون. وبعد تفجر الملف إعلاميا، غادر المسؤول المنتخب بجماعة تطوان، ومستشار وزير العدل السابق، محمد بنعبد القادر، التراب الوطني نحو إسبانيا، وهو ما دفع مصالح الأمن إلى إصدار مذكرة بحث في حقه. وكان وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتطوان، قد أحال شكاية تتعلق بالنصب والاحتيال ضد المعني بالأمر، على الشرطة القضائية التي استمعت إلى المشتكي، واستدعت المشتكى به مرارا دون أن يحضر. 30 مليون وتفجر الملف بعدما وضع رئيس جماعة سابق بإقليم شفشاون "م.أ"، في 18 مارس المنصرم، شكاية ضد "أ.ي"، الأستاذ الجامعي بتطوان ونائب رئيس المجلس الجماعي للمدينة عن حزب الاتحاد الاشتراكي، يتهمه فيها بتعريضه لعملية "نصب واحتيال". تشير الشكاية التي تتوفر "العمق" على نسخة منها، إلى أن المسؤول المنتخب "عمد إلى إيهامه بأنه يتوفر على نفوذ وتدخلات بوزارة العدل، من أجل تمكين زوجة المشتكي من النجاح بمباراة المنتدبين القضائيين موسم 2023، أو بإحدى المناصب المهمة بالوزارة". وبحسب الشكاية، فإن المشتكى به "أوقع المنوب عنه في التغليط والتدليس من خلال تقديمه لوعود كاذبة، كونه سيمكن زوجة المنوب عنه من النجاح في المباراة، وهو الأمر الدي لم يحدث بالرغم من تسلمه مبلغ 300 ألف درهم (30 مليون سنتيم)". وتضيف الشكاية أن المشتكى به "وبحكم اشتغاله كمدير للديوان بوزارة العدل سابقا، مع الوزير محمد بنعبد القادر، استغل نفوذه وتواجده الدائم مع الوزير الذي منح له فرصة أخذ عدد من الصور بجوار الوزير، من أجل إيهام وإسقاط ضحاياه واستغلالهم والنصب عليهم". ويقول المشتكي إن هناك حوارات ولقاءات متعددة بينه وبين المشتكى به، تم توثيقها من خلال محادثات صوتية وسمعية أرفقها بمحضر المفوض القضائي، ملتمسا من النيابة العامة إجراء بحث تمهيدي ومواجهة المشتكى به بمحادثاته الصوتية والكتابية مع المشتكي، الواردة والصادرة عبر وتساب. واعتبر المشتكي أن "الأفعال التي قام بها المشتكى به، على درجة من الخطورة وتشكل جنحة نصب واحتيال مكتملة الأركان، وفق ما ينص عليه الفصل 540 من قانون الجنائي". وبحسب ما توصلت إليه جريدة "العمق" من معطيات، فإن المشتكي الذي يشغل حاليا عضوية المجلس الإقليمي لشفشاون، وافق على منح المشتكى به مهلة أسبوع من أجل استعادة أمواله، بعد وساطات قادها قياديون في حزب "الوردة" بتطوان، على رأسهم نقيب سابق للمحامين بتطوان. غير أن "عدم وفاء المشتكى به بإعادة الأموال في ظرف أسبوع"، دفع المشتكي إلى استكمال إجراءات مقاضاته، حيث توجه إلى الشرطة القضائية لاستكمال الاستماع، فيما كشفت مصادر "العمق" أن النيابة العامة فتحت بحثا في الموضوع. "تغول الفساد" وفي ردود الفعل، قال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، إن النيابة العامة مطالبة بالبحث مع الطرفين معا، المشتكي والمشتكى به، وكل الأطراف المتدخلة في الموضوع، ومتابعة من سمى نفسه ضحية نصب، وأيضا المشتكى به الذي تبث عليه تسلم المبلغ المالي (300 ألف درهم). واعتبر الغلوسي أن "مثل هذه الشكايات ترفع الستار عن واقع قائم يتباهى فيه الناس بالفساد دون خجل أو شعور بالذنب أو خوف من اللوم"، مضيفا أن "الفساد أصبح ثقافة في المجتمع (...) والبعض يعتبره حقا وليس شبهة وجريمة". وتابع الغلوسي في تدوينة على فيسبوك، قائلا: "لو تمكنت الزوجة من الظفر بالوظيفة لما تقدمت بأية شكاية أو تبليغ في الموضوع، وسيكون حصولها على المنصب بدون استحقاق وبمقابل مادي كبير ظلما وتعديا على حقوق من يستحق هذا المنصب من المتبارين". وشدد الغلوسي على ضرورة تدخل النيابة العامة "بشكل عاجل وحازم وأن تتصدى لهكذا ممارسات مشينة لتحصين المباريات من كل تلاعب محتمل، لأن ذلك يشيع الظلم واللامساواة في المجتمع"، معتبرا أن "الفساد يعبر عن نفسه في واضحة النهار، وهذا أمر مخيف". وأردف بالقول: "لاحظوا كيف أن منصبا عاديا في الوظيفة العمومية يكلف مبلغا ضخما، عندما يصبح الإتجار في الوظيفة فاعلم أن الفساد أصبح معمما ومهيكلا دون الإكثرات لأية قوانين أو مرجعية دينية أو أخلاقية، لذلك نردد دوما بأن الفساد تغول وأصبح يهدد الدولة والمجتمع، وعلى الجميع، مؤسسات ومجتمع، أن يتعبأ لمواجهته بصرامة والضرب بقوة على أيدي الفاسدين والمتلاعبين بالمصالح والمسؤوليات العمومية دون تردد قبل فوات الآوان". محكمة الرباط في نفس السياق، كشف الغلوسي أن الوكيل العام للملك لدى محكمة الإستئناف بالرباط، يبقى المختص قانونا للبحث في هذه القضية وليس وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بتطوان، لكون مبلغ الرشوة المزعوم يفوق 100 ألف درهم (300 ألف درهم). وأوضح أنه يمكن تكييف الوقائع الواردة بالشكاية، حسب الأحوال والظروف، بجناية الإرتشاء وليس مجرد جنحة، إذا ثبت صحة ما ذكر بالشكاية، معتبرا أن الأمر لا يتعلق بجنحة النصب وإنما بجناية الرشوة المعاقب عليها بمقتضى الفصل 248 من القانون الجنائي، لكون المشتكى به يعد موظفا عموميا بمفهوم الفصل 224 من ذات القانون. ويرى الحقوقي أن المشتكى به بصفته كموظف وعلاقته بوزير العدل الأسبق، هي التي سهلت له القيام بعمله، ولو كان هذا العمل خارج اختصاصاته، وهو التدخل لفائدة المشتكية للحصول على وظيفة، في حالة كانت الوقائع فعلا صحيحة وليست مجرد اتهامات لا يوجد مايسندها قانونا. ومضى قائلا: "تصبح العقوبة، طبقا للفصل المذكور في فقرته الأخيرة، مادام أن مبلغ الرشوة يفوق 100 ألف درهم، ما بين خمس سنوات وعشر سنوات سجنا وغرامة مائة الف درهم إلى مليون درهم، دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة". وشدد على أن محكمة الإستئناف بالرباط تصبح هي المختصة قانونا، ضمن قسم جرائم الأموال، طبقا للمرسوم الصادر بتاريخ 4 نونبر 2011، علما أن هناك 4 محاكم للإستئناف فقط تضم أقسام جرائم الأموال، وهي محاكم الرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش، والتي اسند إليها النظر في الجنايات المنصوص عليها في الفصول 241 إلى غاية 256 من القانون الجنائي. وفي هذا السياق، يرى الغلوسي على أن وكيل الملك لدى المحكمة الإبتدائية بتطوان، مطالب قانونا برفع يده عن القضية وإحالة الشكاية على الوكيل العام للملك بالرباط، للإختصاص، من أجل إصدار تعليماته إلى الشرطة القضائية المختصة لفتح بحث قضائي معمق حول الإدعاءات والمزاعم الواردة في الشكاية، والإستماع إلى كافة الأطراف المعنية دون إستثناء، ومتابعة كل من تورط في هذه الأفعال المخالفة للقانون والمعاقب عليها جنائيا. * الصورة من الأرشيف