الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    تحرير محيط مدرسة للا سلمى من الاستغلال العشوائي بحي المطار    الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    حقوقيون مغاربيون يحملون الجزائر مسؤولية الانتهاكات في مخيمات تندوف        لفتيت يستعرض التدابير الاستباقية لمواجهة الآثار السلبية لموجات البرد    الاتحاد الأوروبي يمنح المغرب 190 مليون أورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي    السكوري يلتقي الفرق البرلمانية بخصوص تعديلات مشروع قانون الإضراب    تعزيز وتقوية التعاون الأمني يجمع الحموشي بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية    الوالي التازي يترأس لجنة تتبع إنجاز مشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"    الإنترنت.. معدل انتشار قياسي بلغ 112,7 في المائة عند متم شتنبر    المدعو ولد الشنوية يعجز عن إيجاد محامي يترافع عنه.. تفاصيل مثيرة عن أولى جلسات المحاكمة    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    تكريم منظمة مغربية في مؤتمر دولي    المغرب يفقد 12 مركزاً في مؤشر السياحة.. هل يحتاج إلى خارطة طريق جديدة؟    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    غرق مركب سياحي في مصر يحمل 45 شخصاً مع استمرار البحث عن المفقودين    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسيا وأوكرانيا...حرب لن تحسم بالنصر
نشر في العمق المغربي يوم 09 - 07 - 2023

شكل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 تحديا كبيرا للولايات المتحدة وحلفائها؛ إذ أصبحت أمامهم مهمة عاجلة، تتمثل في مساعدة أوكرانيا ومعاقبة موسكو. وعلى الرغم من أن الرد الغربي كان واضحًا منذ البداية، إلا أن الهدف كان غامضًا.
كان هذا الغموض متعمدا في سياسة الولايات المتحدة؛ وفي هذا الصدد، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في يونيو 2022، "لقد امتنعنا في الواقع عن وضع ما نعتبره نهاية اللعبة. . .. لقد ركزنا على ما يمكننا فعله اليوم وغدًا لتقوية الأوكرانيين إلى أقصى حد ممكن؛ أولاً في ساحة المعركة، ثم في النهاية على طاولة المفاوضات ". كان هذا الأسلوب منطقيًا في الأشهر الأولى من الصراع. وكان مسار الحرب بعيدًا عن الوضوح في تلك المرحلة. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يزال يتحدث عن استعداده للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في وقت لم يزود الغرب كييف بعد بأنظمة صاروخية أرضية متطورة، ناهيك عن الدبابات والصواريخ بعيدة المدى كما هو الحال اليوم. بالإضافة إلى ذلك، سيكون من الصعب دائمًا على الولايات المتحدة التحدث عن وجهة نظرها بشأن هدف الحرب التي لا تخوضها قواتها. فالأوكرانيون هم من يموتون من أجل بلدهم، لذلك عليهم في النهاية أن يقرروا متى يتوقفون بغض النظر عما قد تريده واشنطن.
ولكن حان الوقت الآن لأن تضع الولايات المتحدة رؤية لكيفية انهاء الحرب. لقد أوضحت خمسة عشر شهرًا من القتال أن أيًا من الطرفين لا يملك القدرة – حتى بمساعدة خارجية – على تحقيق نصر عسكري حاسم على الآخر. وبغض النظر عن المساحة التي يمكن للقوات الأوكرانية تحريرها، فروسيا ستحتفظ بالقدرة على تشكيل تهديد دائم لأوكرانيا. وبالمقابل سيكون باستطاعة الجيش الأوكراني أيضًا تعريض أي منطقة محتلة من قبل القوات الروسية للخطر.
وبالمحصلة، يمكن أن تؤدي هذه العوامل إلى صراع مدمر يمتد لسنوات دون حسم نهائي. وستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها خيارًا بشأن استراتيجيتهم المستقبلية؛ لذلك يمكنهم البدء في محاولة توجيه الحرب نحو نهاية تفاوضية في الأشهر المقبلة. أو يمكنهم القيام بذلك بعد سنوات من الآن. أما إذا قرروا التأجيل، فمن المرجح أن تكون أساسيات الصراع هي نفسها، لكن تكاليف الحرب – البشرية والمالية، وغيرها – سوف تتضاعف. وبالتالي، فإن الإستراتيجية الفعالة لما أصبح ينعت بأكثر الأزمات الدولية تبعية، هي تحويل تركيزهم (الولايات المتحدة وحلفائها) والبدء في تسهيل نهاية اللعبة.
النصر المأمول
اعتبارًا من نهاية الشهر الماضي (ماي)، كان الجيش الأوكراني على وشك شن هجوم مضاد كبير بعد نجاح كييف في عمليتين سابقتين في خريف عام 2022. وبالنظر إلى الطبيعة غير المتوقعة بشكل عام لهذا الصراع، فمن المؤكد أن يؤدي الهجوم المضاد إلى مكاسب ذات مغزى. وينصب اهتمام صانعي السياسة الغربية في المقام الأول، على تقديم المعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية والتدريب اللازم لتحقيق ذلك، مع وجود الكثير من المستجدات على ما يبدو في ساحة المعركة . وقد يجادل البعض بأن الوقت الحالي، ليس هو الوقت المناسب للغرب لبدء المفاوضات حول نهاية اللعبة. وعلى كل، فإن مسألة منح الأوكرانيين فرصة لشن حملة هجومية ناجحة ستستنزف حتما موارد الحكومات الغربية. وحتى إذا تمت الأمور على ما يرام، فلن يؤدي الهجوم المضاد إلى نتيجة عسكرية حاسمة.
وعموما، لا تنتهي الحروب بين الدول ً عندما يتم دفع قوات أحد الأطراف إلى ما وراء نقطة معينة على الخريطة. بعبارة أخرى، غزو الأراضي – أو الاستيلاء عليها – ليس في حد ذاته شكلاً من أشكال إنهاء الحرب. ونعتقد أن هذا ينطبق على الحالة، موضوع الورقة، فحتى لو نجحت كييف فيما يتجاوز كل التوقعات، وأجبرت القوات الروسية على التراجع عن الحدود الدولية، فلن تتوقف موسكو بالضرورة عن القتال. لكن عدد قليل من المسؤولين والمهتمين الغربيين يتوقعون هذه النتيجة في الوقت الحالي، أو على المدى القريب. وبدلاً من ذلك، فإن البعض يعتقد أنه خلال الأشهر المقبلة، سيحقق الأوكرانيون بعض المكاسب في الجنوب، وربما يستعيدون أجزاء من منطقتي زابوريزهزه وخيرسون، أو صد الهجوم الروسي في الشرق. وهذه المكاسب المحتملة ستكون مهمة، وهي بالتأكيد مرغوبة لدى أكرانيا وحلفائها. وقد تستعيد كييف السيطرة على المنشآت الاقتصادية الرئيسية، مثل محطة الطاقة النووية زابوريزهزهيا، الأكبر في أوروبا.
ويبقى الأمل لدى العواصم الغربية، هو أن مكاسب كييف في ساحة المعركة ستجبر بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومن الممكن أن تؤدي انتكاسة تكتيكية أخرى إلى إضعاف تفاؤل موسكو بشأن استمرار القتال. ولكن بما أن فقدان السيطرة على الأرض لا يعني خسارة الحرب، فإنه لا يؤدي بالضرورة إلى تنازلات سياسية. ويمكن أن يعلن بوتين جولة أخرى من التعبئة، أو تكثيف حملة القصف على المدن الأوكرانية، أو الإبقاء والاحتفاظ بالمكتسبات التي حققت، مقتنعًا بأن الوقت سوف يعمل لصالحه وضد أوكرانيا. وقد يستمر في القتال حتى لو كان يعتقد أنه سيخسر.
المهمة المستحيلة؟
بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب، بدأ التركيز على الاتجاه المحتمل لها. ويعد موقع خط المواجهة جزءًا من لغزها (الحرب)، لكنه لا يشكل الجزء الأكثر أهمية. وبدلاً من ذلك، فإن الجوانب الرئيسية لهذا الصراع ذات وجهين: الأول، التهديد المستمر الذي سيشكله كلا الجانبين لبعضهما البعض؛ والثاني النزاع غير المحسوم حول مناطق أوكرانيا التي ادعت روسيا ضمها. ومن المرجح أن يظل الوضع ثابتا لعدة سنوات قادمة.
لقد أسست أوكرانيا قوة قتالية مثيرة للإعجاب، بمساعدات تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى حصولها على تدريب مكثف ودعم استخباراتي من الغرب. وبذلك ستكون القوات المسلحة الأوكرانية قادرة على تعريض كل المناطق التي وقعت تحت الاحتلال الروسي للخطر. علاوة على ذلك، ستحتفظ كييف بالقدرة على ضرب روسيا نفسها، وهو ما أقدمت عليه باستمرار خلال العام الماضي. وبالموازاة، سيكون للجيش الروسي أيضًا القدرة على تهديد الأمن الأوكراني.؛ والذي قد يصل إلى إحداث موت ودمار كبيرين للقوات العسكرية الأوكرانية، وكذا المدنيين على حد سواء. ورغم أن حملة تدمير شبكة الكهرباء الأوكرانية قد باءت بالفشل، لكن موسكو ستحتفظ بالقدرة على ضرب المدن الأوكرانية في أي وقت باستخدام القوة الجوية والبرية والأسلحة التي تطلق من البحر.
بعبارة أخرى، وبغض النظر عن مكان خط المواجهة، ستتمتع كل من روسيا وأوكرانيا بالقدرة على تشكيل تهديد دائم لبعضهما البعض؛ لكن أحداث العام الماضي تشير إلى أن أياً منهما لا يملك، أو لن تكون لديه القدرة على تحقيق نصر حاسم. ومن المؤكد أن روسيا قد لا تلجأ إلى توظيف أسلحة الدمار الشامل (وحتى مع احتمال هذا التوظيف، فإنه قد لا يضمن النصر).
في أوائل عام 2022، كانت القوات الروسية في حالة أفضل بكثير مما عليه اليوم، ومع ذلك لم تستطع السيطرة على كييف أو الإطاحة بالحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطياً. وفي هذه المرحلة، يبدو أن الجيش الروسي غير قادر على الاستيلاء على جميع مناطق أوكرانيا التي تدعي موسكو أنها تابعة لها. في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أجبر الأوكرانيون الروس على التراجع إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبر في منطقة خيرسون. أما اليوم، فإن الجيش الروسي غير قادر على الرد انطلاقا من النهر بغية الاستيلاء على بقية مناطق خيرسون وزابوريزهزيا. وتجدر الإشارة إلى أن محاولته في كانون الثاني (يناير) الرامية إلى التقدم شمالًا نحو سهول منطقة دونيتسك بالقرب من فوهليدار انتهت بحمام دم لقواته.
وفي غضون ذلك، تجاوزت انجازات الجيش الأوكراني كل التوقعات، لكن هناك عوائق كبيرة أمام تحقيق مزيد من التقدم على أرض الواقع. فالقوات الروسية تتخندق في المحور الجنوبي. وتُظهر صور الأقمار الصناعية المفتوحة المصدر أنها قامت بإنشاء دفاعات مادية متعددة الطبقات، وإحداث خنادق جديدة، وحواجز مضادة للمركبات، وأقامت متارس للمعدات والعتاد عبر خط المواجهة الذي سيثبت أنه من الصعب اختراقه.
خففت التعبئة التي أعلن عنها بوتين في الخريف الماضي من مشاكل القوى العاملة التي سمحت في وقت سابق لأوكرانيا بالتقدم في منطقة خاركيف، حيث كانت الخطوط الروسية الضعيفة عرضة لهجوم مفاجئ. فتكبدت نتيجة لذلك خسائر كبيرة خلال الحرب، كان آخرها في معركة باخموت، وهي مدينة صغيرة في منطقة دونيتسك.
مجمل القول، تشير هذه القيود المفروضة بقوة على كلا الجانبين، إلى أنه لن يحقق أي منهما أهدافه الإقليمية المعلنة بالوسائل العسكرية في الأشهر أو حتى السنوات المقبلة. فبالنسبة لأوكرانيا، فالهدف واضح للغاية: فكييف تريد السيطرة على جميع أراضيها المعترف بها دوليًا، والتي تشمل شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس التي احتلتها روسيا منذ عام 2014. وموقف روسيا غير محسوم تمامًا، لأن موسكو حافظت على الغموض بخصوص الموقف من حدود منطقتين من الأقاليم الأوكرانية الخمس التي تدعي أنها ضمتها: زابوريزهزهيا وخيرسون. وبغض النظر عن هذا الغموض، فإن المحصلة النهائية هي أنه لا أوكرانيا ولا روسيا قادرتين على فرض سيطرتهما على ما تعتبرانه أراضيهما. (مع الأخذ بعين الاعتبار عدم شرعية المطلب الروسي). وبعبارة أخرى، ستنتهي الحرب دون حل للنزاع الإقليمي. وعلى كل، فإن روسيا وأوكرانيا سيتعين عليهما الاعتراف بالوضع الجغرافي الحالي.
احتمال الحرب الطويلة المدى
قد تؤدي هذه العوامل الثابتة إلى حرب ساخنة طويلة الأمد بين روسيا وأوكرانيا. وواقعيا، يثبت التاريخ أن هذه هي النتيجة الأكثر ترجيحًا. ووفقا لنتائج دراسة قام بها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، باستخدامه لمعطيات وبيانات (من 1946 إلى 2021) جمعتها جامعة أوبسالا، أن 26 بالمائة من الحروب بين الدول تنتهي في أقل من شهر، و25 بالمائة أخرى في غضون عام. لكن الدراسة وجدت أيضًا أنه "عندما تستمر الحروب بين الدول لفترة أطول من عام، فإنها تمتد إلى أكثر من عقد في المتوسط". وفي هذا السياق، فقد استمرت الحرب العراقية الإيرانية، على سبيل المثال، لما يقرب من ثماني سنوات (من 1980 إلى 1988)، وأسفرت عن مقتل ما يقرب من نصف مليون نسمة، وجرح ما يقرب من نفس العدد.
ستشكل الحرب الطويلة بين روسيا وأوكرانيا أيضًا معضلة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها، فحسب دراسة حديثة لمؤسسة RAND أشرفت عليها وأنجزتها الخبيرة في العلوم السياسية الدكتوراه ميراندا بريبي. أثبتت من خلالها أن الصراع الذي طال أمده من شأنه أن يبقي خطر التصعيد المحتمل الحالي – إما بالاستخدام النووي الروسي أو الانتقال إلى حرب بين روسيا والناتو – عند مستواه المرتفع. وبما أن أوكرانيا ستستمر في تلقي الدعم الاقتصادي والعسكري الشبه الكامل من الغرب فإن الأمر سيؤدي في النهاية إلى خلق تحديات كبرى لميزانيات الدول الغربية، وقد يؤثر حتما على استعدادات جيوشها. وسوف تستمر التداعيات الاقتصادية العالمية للحرب، بما في ذلك تقلب أسعار الحبوب والطاقة. ولن تكون الولايات المتحدة قادرة على تركيز مواردها على أولويات أخرى، وسيتعمق اعتماد روسيا على الصين.
وعلى أي حال، فبينما يجب على الحكومات الغربية أن تستمر في بذل كل ما في وسعها لمساعدة أوكرانيا في الاستعداد للهجوم المضاد، فإنها تحتاج أيضًا إلى تبني استراتيجية لإنهاء الحرب؛ وهي رؤية لنهاية اللعبة يمكن تصديقها في ظل هذه الظروف البعيدة عن المثالية. ونظرًا لاستمرار الخلافات الجوهرية بين موسكو وكييف بشأن القضايا الأساسية مثل الحدود، فضلاً عن الخسائر الجسيمة بعد وقوع العديد من الضحايا والوفيات بين المدنيين، فإن معاهدة سلام أو تسوية سياسية شاملة تطبع العلاقات بين روسيا وأوكرانيا تبدو مستحيلة. وسيكون البلدان أعداء لفترة طويلة بعد انتهاء هذه الحرب المدمرة.
بالنسبة للحكومات الغربية وكييف، قد يبدو إنهاء الحرب دون أي مفاوضات أفضل من التحدث إلى ممثلي الحكومة التي ارتكبت عملاً عدوانيًا غير مبرر، وجرائم حرب مروعة. لكن الحروب بين الدول التي وصلت إلى هذا المستوى من الشدة لا تميل ببساطة إلى التلاشي دون مفاوضات. وإذا استمرت الحرب، فسيكون من الصعب للغاية تحويلها مرة أخرى إلى صراع محلي منخفض الكثافة، مثل النزاع الذي حدث في دونباس من 2014 إلى 2022؛ والذي كان تأثيره ضئيلا نسبيًا على المستوى الدولي. أما اليوم فمنطقة الصراع في أوكرانيا، تتميز بطول خط المواجهة (أكثر من 600 ميل)، كما أن الضربات على المدن والأهداف الأخرى تتجاوز هذا الخط بكثير؛ دون إغفال حجم التعبئة الجارية في كلا البلدين (جزئيًا في روسيا، وإجماليا في أوكرانيا)، والتي ستستمر وربما تدوم. فعلى سبيل المثال، من الصعب تخيل كيف يمكن للاقتصاد الأوكراني أن يتعافى إذا ظل مجاله الجوي مغلقًا، وظلت موانئه محاصرة إلى حد كبير، ومدنه تحت القصف، ورجاله في النشيطون يقاتلون في الجبهة، وملايين اللاجئين غير راغبين في العودة إلى البلاد. لقد تجاوزنا النقطة التي يمكن أن يقتصر فيها تأثير هذه الحرب على منطقة جغرافية معينة.
وبما أن المفاوضات ستكون ضرورية فإن التسوية النهائية غير واردة، والبديل المنطقي لن يتجاوز عقد اتفاقية هدنة، مع بقاء الصراع بين الدولتين قائما وواسعا. ولعل الحالة النموذجية لذلك، هي الهدنة الكورية لعام 1953، التي أقرت آليات الحفاظ على وقف إطلاق النار، وتركت جميع القضايا السياسية خارج الطاولة؛ فعلى الرغم من أن كوريا الشمالية والجنوبية لا تزالان في حالة حرب من الناحية الفنية، وكلاهما يدعي أن شبه الجزيرة بأكملها هي أراضيها السيادية، إلا أن الهدنة صمدت إلى حد كبير. وبالتالي فإن هذه النتيجة غير المرضية، هي الطريقة الأكثر ترجيحًا لإنهاء هذه الحرب.
وعلى عكس الحالة الكورية، فإن الولايات المتحدة وحلفاؤها لم يشاركوا في القتال بأوكرانيا. ولذلك فاتخاذ القرارات الخاصة بهذه الحرب سيكون في كييف وموسكو في نهاية المطاف، لا في برلين أو بروكسل أو واشنطن. وحتى لو أرادوا فعل ذلك، فالحكومات الغربية لا تستطيع إملاء أي شروط على أوكرانيا – أو على روسيا. رغم أنه يمكن للولايات المتحدة وحلفائها، بالتشاور الوثيق مع أوكرانيا، البدء في مناقشة وتقديم رؤيتهم لنهاية اللعبة. وهو ما قاموا به منذ شهور مضت، فقد أوضح مقال أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، تم نشره بتاريخ مايو 2022 في صحيفة نيويورك تايمز أن إدارته ترى أن هذه الحرب لن تنتهي إلا على طاولة المفاوضات. وكرر كبار مسؤوليه هذا الرأي بانتظام منذ ذلك الحين.
تكاليف الانتظار
لا يجب أن يؤثر اتخاذ مبادرات دبلوماسية على الجهود المبذولة لمساعدة أوكرانيا عسكريًا أو فرض تكاليف على روسيا. تاريخيا، غالبا ما يتزامن القتال والتفاوض في الحروب؛ فخلال الحرب الكورية، اشتد الصراع خلال عامين من محادثات الهدنة، وتكبدت الولايات المتحدة نسبة 45 في المائة من خسائرها. إن البدء في التخطيط للدبلوماسية الحتمية يمكن ويجب أن يحدث بالتوازي مع العناصر الأخرى الموجودة في سياسة الولايات المتحدة، وكذلك مع الحرب ذات الطبيعة المستمرة.
وعلى المدى القصير، فالأمر يستدعي الاستمرار في مساعدة كييف للتهيؤ للهجوم المضاد، وفي نفس الوقت إطلاق مفاوضات مع الحلفاء وأوكرانيا بهدف وضع نهاية للعبة. ومن حيث المبدأ، فإن فتح مسار تفاوض مع روسيا يجب أن يستمر بالتزامن مع مساعدة أوكرانيا في ساحة المعركة. وإذا كانت مكاسب أوكرانيا تجعل الكرملين أكثر استعدادًا لتقديم التنازلات، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك ستكون من خلال قناة دبلوماسية فعالة. ولا ينبغي أن يؤدي إنشاء مثل هذه القناة إلى تخلي أوكرانيا أو شركائها الغربيين عن الضغط على روسيا. وبالفعل، فإن أي تحرك تقوم به الولايات المتحدة وحلفاؤها لفتح المسار الدبلوماسي – حتى بالتزامن مع دعم أوكرانيا – يجب أن يُدار بدقة خشية أن يتم اعتباره انعكاس للسياسة أو كونه تخليا عن الدعم الغربي لكيف.
فعالية الدعم والدبلوماسية، وضرورة توازيهما
من المنطقي بدء الاستعدادات الآن لأن دبلوماسية الصراع لن تسفر عن نتائج بين عشية وضحاها. وفي الواقع، سوف يستغرق الأمر أسابيع أو ربما شهورًا لجعل الحلفاء وأوكرانيا على نفس المستوى بشأن استراتيجية تفاوضية؛ ففي حالة الهدنة الكورية، تطلب الأمر 575 اجتماعًا على مدى عامين لحسم الجدل بخصوص ما يقرب من 40 صفحة من الاتفاقية. وبعبارة أدق، فحتى لو تم إنشاء منصة تفاوض غدًا، فسوف تنقضي أشهر قبل أن تصمت المدافع.
إن وضع تدابير لجعل وقف إطلاق النار فعليا سيكون مهمة شائكة ولكنها حاسمة، ويجب على واشنطن التأكد من أنها مستعدة لمساعدة كييف لتحقيق هذا الهدف. يجب أن يبدأ العمل الجاد الآن حول كيفية تجنب ما وصفه المسؤولون الأوكرانيون، بما في ذلك زيلينسكي، بسخرية اسم "مينسك 3′′، في إشارة إلى اتفاقي وقف إطلاق النار الفاشلين اللذين تم التوصل إليهما بوساطة مع روسيا في العاصمة البيلاروسية خلال عامي 2014 و2015.
وبالرجوع إلى بيانات النزاعات التي حصلت بين عامي 1946 و1997، فقد أظهرت عالمة العلوم السياسية Virginia Page Fortna أن الاتفاقات الملزمة التي أقرت العمل بالمناطق المنزوعة السلاح، أو التي خضعت لضمانات طرف ثالث، أو تمت تحت يافطة حفظ السلام، أو اللجان المشتركة لتسوية المنازعات، والتي اعتمدت لغة محددة وواضحة كانت أكثر ديمومة..
وعلى الرغم من أن الهدنة لإنهاء هذه الحرب ستكون عبارة عن اتفاقية ثنائية، فإن الولايات المتحدة وحلفائها ملزمون بمساعدة أوكرانيا في استراتيجيتها التفاوضية. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي عليهم التفكير في الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها بالتوازي مع توفير حوافز للأطراف بغية الجلوس على طاولة المفاوضات؛ والعمل على تقليل فرص انهيار أي وقف لإطلاق النار. وكما تشير أبحاث Fortna، فإن الالتزامات الأمنية لأوكرانيا يجب أن تكون جزءًا من هذه المعادلة. وفي كثير من الأحيان، يتم اختزال مفاوضات الالتزامات الأمنية في مسألة عضوية الناتو لأوكرانيا. فلو تم لهذه الأخيرة الحصول على العضوية، فإنها ستستفيد من المادة 5 المنضوض عليها بالمعاهدة التأسيسية لحلف الناتو، والتي تلزم الأعضاء اعتبار الهجوم المسلح ضد أحدهم هجومًا ضدهم جميعًا. وتجدر الإشارة إلى أن حصول أوكرانيا على عضوية الناتو، هي أكثر من مجرد المادة 5؛ فمن وجهة نظر موسكو، فإن العضوية في الحلف ستحول أوكرانيا إلى نقطة انطلاق للولايات المتحدة لنشر قواتها وقدراتها. لذا، حتى لو كان هناك إجماع بين الحلفاء على عرض عضوية كييف (ولم يكن هناك إجماع)، فإن منح أوكرانيا ضمانًا أمنيًا من خلال عضوية الناتو قد يجعل السلام غير جذاب لروسيا لدرجة أن بوتين سيقرر مواصلة القتال.
وبالرجوع إلى الماضي، وبالضبط إلى حالة مصر وإسرائيل، فمذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل لعام 1975 كانت أحد الشروط المسبقة الرئيسية لإسرائيل للموافقة على السلام مع مصر. وتنص المذكرة/الوثيقة على أنه وعلى المدى الطويل، ونظرًا لالتزام الولايات المتحدة ببقاء إسرائيل وأمنها، فإن حكومتها ستولي عناية خاصة إلى التهديدات الخطيرة لأمن إسرائيل أو سيادتها من قبل أي قوة عالمية. وتضيف المذكرة، أنه في حالة حدوث أي تهديد، فإن الحكومة الأمريكية ستتشاور مع إسرائيل، فيما يتعلق بالدعم الدبلوماسي أو غير ذلك، أو المساعدة التي يمكن أن تقدمها لإسرائيل وفقًا لممارساتها الدستورية. كما تقر الوثيقة بشكل صريح حق تدخل الولايات المتحدة بهدف الردع إذا انتهكت مصر وقف إطلاق النار؛ وقد اعتبر العداء على إسرائيل بمثابة اعتداء على أمريكا.
ومن شأن إجراء مماثل لأوكرانيا أن يمنح كييف إحساسًا معززًا بالأمن، ويشجع استثمار القطاع الخاص في الاقتصاد الأوكراني، ويساهم في ردع القوات الروسية مستقبلا. وبما أن موسكو متيقنة من أن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكريًا إذا هاجمت أوكرانيا، فإن الكرملين سيفكر مليا قبل أي هجوم؛ لكنه لن يقبل احتمالية إنشاء قواعد أمريكية جديدة على حدود روسيا. وبالطبع، سوف تحتاج واشنطن إلى ضمان ديمومة وقف إطلاق النار حتى تتوفر لها أجواء التفاوض؛ فتجنب الحرب مع روسيا أولوية لديها.
وعندما تنتهي الحرب، فإن أكرانيا ستحتاج إلى حوافز أخرى مثل مساعدات إعادة الإعمار، وإجراءات المساءلة لروسيا، والمساعدة العسكرية المستمرة في وقت السلم لمساعدتها على إنشاء قوة ردع دائمة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يزيدوا من الضغط القسري على روسيا بغية جعل خيار السلام أكثر جاذبية. وعليهم كذلك أن يعملوا على اتخاذ عدة إجراءات من قبيل تخفيف العقوبات المشروط. وعلى الغرب أيضًا أن يكون منفتحًا على الحوار حول القضايا الأمنية الأوروبية الأوسع، لتقليل فرصة اندلاع أزمة مماثلة مع روسيا في المستقبل.
بداية المفاوضات
تتمثل الخطوة الأولى لتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة واقعة خلال الأشهر المقبلة، في بذل مزيد من الجهد من قبل حكومة الولايات المتحدة بهدف تطوير المسار الدبلوماسي. وبالموازاة مع ذلك، فعلى الرئيس بايدن أن يعين مبعوثا رئاسيا خاصا يمكنه التعامل مع وزارات الخارجية للدول المعنية، والتي لوحظ أنه تم تهميشها في هذه الأزمة. بعد ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ مفاوضات غير رسمية مع أوكرانيا، الحلفاء في مجموعة السبع، وحلف شمال الأطلسي حول نهاية الحرب/"اللعبة".
وبالموازاة مع ذلك، على الولايات المتحدة النظر في إنشاء قناة تواصل منتظمة بشأن الحرب، تشمل أوكرانيا وحلفاء الولايات المتحدة وروسيا. وهذه القناة لا تهدف في البداية إلى وقف إطلاق النار، بل ستسمح للمشاركين بالتفاعل باستمرار، عوض الاقتصار على اجتماع وحيد ويتيم. ولعل أوضح نموذج تواصلي هو ما قامت به مجموعة الاتصال أثناء حروب البلقان، عندما انعقد تجمع غير رسمي لممثلين من الدول الرئيسية والمؤسسات الدولية بانتظام. وعلى كل، يجب أن تبدأ مثل هذه المفاوضات بعيدًا عن الأعين، وفي سرية تامة، مثلما حصل في الاتصالات الأولية الأمريكية مع إيران بشأن الاتفاق النووي الموقع في عام 2015.
ومع ذلك، فقد تفشل هذه الجهود في التوصل إلى اتفاق. وتبقى احتمالات النجاح ضئيلة، وحتى لو أسفرت المفاوضات عن اتفاق، فلن يرضي أي أحد من الأطراف. وبالرجوع إلى الأزمة الكورية، فمن المؤكد أن الهدنة لم يُنظر إليها على أنها انتصار للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وقت توقيعها: ففي النهاية، اعتاد الرأي العام الأمريكي على الانتصارات المطلقة، وليس على الحروب الدموية دون حل واضح. لكن فيما يقرب من 70 عامًا منذ ذلك الحين، لم يكن هناك اندلاع آخر للحرب في شبه الجزيرة. ففي تلك الفترة، خرجت كوريا الجنوبية من الدمار الذي أصابها في الخمسينيات من القرن الماضي لتصبح قوة اقتصادية، ودولة ديمقراطية مزدهرة. لذلك من غير المستبعد أن تصبح أوكرانيا على نفس الشاكلة.
إن نهاية اللعبة المبنية على هدنة ستجعل أوكرانيا – مؤقتًا على الأقل – بدون كل أراضيها. لكن البلاد ستتاح لها الفرصة للتعافي اقتصاديًا، وسينتهي الموت والدمار. ستظل في صراع مع روسيا حول المناطق التي تحتلها موسكو، لكن هذا الصراع سوف يستمر في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، حيث سيكون لأوكرانيا، بدعم من الغرب، عدة مزايا. إن إعادة توحيد ألمانيا، في عام 1990، وهي دولة أخرى تم تقسيمها حسب شروط السلام، يوضح أن التركيز على العناصر غير العسكرية في النزاع يمكن أن يؤدي إلى نتائج نوعية. وفي الوقت نفسه، لن تنهي الهدنة الروسية الأوكرانية المواجهة بين الغرب وروسيا، لكن مخاطر حدوث صدام عسكري مباشر ستنخفض بشكل كبير.
وختاما، سيستمر العديد من المحللين في الإصرار على أن هذه الحرب يجب أن تُحسم في ساحة المعركة فقط. ويجب أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها قادرين على مساعدة أوكرانيا في وقت واحد في ساحة المعركة وعلى طاولة المفاوضات. والآن هو الوقت المناسب للبدء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.