في مكان ما غير بعيد منا، كان أب يغامر من أجل كسب لقمة الحياة، وكان يجيد ركوب الخيل ويعشق ابنته حتى النخاع وهو يراها تكبر يوما بعد يوم، وفي كل رحلة مغامرة يقوم بها يحمل لها دمية من نوع مختلف ..وأكثر رمزية وبهاء من سابقاتها ..كان حبا يتسم بالجنون المحفوف بالمخاوف ..لكنه كان حنونا ومجنونا بها فسماها ريم ..نكاية بريم الصحراء الواسعة العينين السباقة في فهم معنى الحياة وتجيد منه قراءة العيون ..كان الرجل رجلا يعشق زوجته بقلب حنون ..يرعاها طبعا وتطبعا..يحاكيها عن مهامه ويزرع في قلبها آمالا كبيرة في حجم الأرض بما حملت وبروح البحر بما عشقت .. ريم الصغيرة كانت تعشق كل شيء جميل يحمله والدها إليها بجنون الدفء الأبوي المجنون بحفظ رعايتها ..كانت تعشقه أكثر من أمها ..لأنه كان يفهم كل معانيها ..فخور بها متعلق بها حتى درجات الثمالة بل وأكثر .. شاءت الأقدار أن تنبت في بيته زهرة صغيرة ..سماها ندى ..نكاية بندى صبيحات الفجر حين تعانق الورد قبل تفتق الشمس وخروجها من سباتها لكن قبل موعد رعايتها رحل رحلته الأخيرة دون عودة ..وكانت في رحلته دمعات ساخنة ريمية التي لطالما انتظرت دماها الجديدة ..وقطرة الندى لم تعش جنون أب يقدس الاحترام ويخدم السلام ويعش على حب الأوطان ..وبين عشية وضحاها تغير كل شيء فأصبحت الأم التي حزنت كثيرا على هذا الفراق المفاجئ، لتلعب الدورين معا ..أما وأبا ..كي تحمي زهرتي عمرها وثمرة زواج ..كان القدر فيه حكما وقد حكم عليها بولوج الحياة والاستمرار في أداء مهامها ..في إطار من التعقل والرصانة ..وفي تشبت تام بكل مشاعر الفضيلة .. راكمت ثقافتها على ثقافة زوجها الراحل إلى هنالك في سماءنا البعيدة ..راعية ابنتيها ..مثل لبوءة تحارب الزمن وهي مازالت في مقتبل الحياة غير آبهة بكل مشروع زواج تقدم إليها .. فالأرملة تحرسها عيون الرجال ..كما أعين النساء المنتظرات وقوعها في الخطأ..حتى يلوكن بألسنتهن ..تحرير الخبر ..وتحويره إلى فضيحة .. أم ريم لم تمنح لواحد أو واحدة هذا المعطى الداكن اللاصق بكل امرأة أرملة كانت أو مطلقة ..بل اهتدت الى طرق وطرائق الصواب ..ودلوف أبواب العمل ..متطوعة في رعاية الأيتام والمتخلى عنهم ..كما الاهتمام بمحو الأمية والصرامة والجزم بارزين على محياها ..منشغلة بتنشئة وردتي عمرها؛ تنشئة سليمة بتألق تربوي وتعليمي كبير وهي التي تحيطهن بكل عناية خاصة .. دفاتر الزمن تسير في اتجاه تخطي المنسي الحاضر بينهم دوما رغم رحيله المفاجئ ..معتمدة على رصيدها العلمي والتربوي المنسجم مع تقاليد الوطن رغم العيش في عنق الزجاجة وتعرضها لمختلف أشكال التحرش في مجتمع ذكوري يعيش على مذهب الفريسة وكل أشكال البهتان والكذب ..ورغم كل الأزمات والمحن ..مؤمنة بأن ريم الصحراء والجبل ستكون ذات قيمة كبرى تفيد هذا الوطن كما ندى عمرها التي استهوت أمها وحضن أمها ..كما تهوى الأشجار قطرات المطر. كان لريم جد عظيم وقد احتوى الأسرة ..كان جنديا متقاعدا تعلم معنى الحياة وخبر كل قضاياها فأكمل الرسالة ..رسالة الأب الراحل ..وكان منضبطا في التوقيت ساهرا على كل صغيرة وكبيرة مؤمنا بكل التفاصيل الدقيقة ..وقد خبر معنى الحياة ..فأنسى الجميع رحيل الأب الصغير ليحل محل رجل التربية والتعاون بشكل سحري على الاحتواء وكان رمز الود والدفء والحنان لهذه الأسرة التي احتمت بشموخ جد متسم بنبل العطاء ورونقة الحياة. جد من طينة شموخ الرجال ثقافة ووعيا ..فرونكفونيا ..عربيا ..أصيلا ..تهاب منه تخوم الصحراء والبيداء ..قادر ومقتدر على صناعة معنى الحياة بطقوس أصيلة ..وروح الانتماء للتدين المتسامح ..وأكثر ارتقاء في الحفاظ على بدلته العسكرية ..النظيفة التي تعتبر بدلة الدفاع عن حوزة وقيم هذا الوطن ..ربى أجيالا ..وكانت مختلف كلماته الحفاظ على الأصالة والقيم مهما تتغير الظروف ومهما يعش المرء متاهات الحياة ..مخلصا للمبدأ والقيم ..وكان هو والقسم الوطني والمصحف والثقافة بموسوعاتها العالية مثل التوأم .