وزارة التعليم، أو وزارة التربية الوطنية..، لا تهم التسمية التي تعطى لها بقدر ما يهم دورها ومضمونها ورسالتها، ليس فقط من خلال المنهاج والمقررات التي تقررها لأبناء الوطن، بل كذلك من خلال مسؤولي هذا القطاع الخطير والاستراتيجي وكذا مدرسيه ومؤطريه وخبرائه ... التعليم ليس قطاعا عاديا، وليس قطاعا محايدا، وليس قطاعا ثانويا، التعليم هو الوطن والشعب، هو التاريخ والحاضر والمستقبل، هو الأمن والاستقرار، هو الهوية والوطنية، هو التقدم والتنمية، هو القوة والحماية... هو الدولة بكل هياكلها ومؤسساتها ومواطنيها، بالتعليم؛ الدولة والوطن هما كل شيء، وبدونه هما لا شيء.. هو قطاع في منتهى الحساسية والخطورة، تفرِّغ فيه الدولة كل ايديولوجيتها وسياستها ونظامها بطريقة مكثفة ومركزة وعميقة، وبذلك تضمن تشكيل عقلية وبناء شخصية وفق نموذج معين يوافق متطلبات الدولة وأهدافها، حفاظا على وجودها ونموذجها، وخدمة لسياستها ومشاريعها .. لذلك تعمل الدول التي تحترم نفسها وتريد الخير لوطنها ومواطنيها على اختيار شخصيات لهذا القطاع ممن عرفوا بالعلم والفكر والثقافة، من الشخصيات العلمية والأكاديمية التي لها حد أدنى من الإسهامات في المجال، تأليفًا أو تأطيرًا أو محاضرات أو تدريسا... عندنا الدولة لن تجازف بإسناد هذه الوزارة إلا لشخص يحرص كل الحرص على تنزيل مشروع الدولة في هذه الوزارة، في قوانينها وقراراتها وبرامجها ومناهجها وأطرها، في تكامل تام مع قطاعي الإعلام والثقافة .. ولنا في سعيد أمزازي تجربة سابقة وشهادة ناطقة.. المغرب ما بعد انتخابات 8 شتنبر يكون قد دخل مرحلة سياسية جديدة بعد إغلاق قوس حزب العدالة والتنمية (حسب تعبير وزير سابق في الحكومة السابقة ...)، لذلك المرحلة المقبلة بالنسبة للدولة هي مرحلة حاسمة أمنيًا وسياسيا واجتماعيا، تستدعي إحداث تغييرات جوهرية على مستوى العديد من القوانين والقرارات، واستخدام بعض الشخصيات في قطاعات حساسة، مثل التعليم، أو بتعبير أدق، على رأس هذه القطاعات، قطاع التعليم... لذلك ليس عبثا أن يتم اختيار السيد شكيب بنموسى تحديدا لهذا القطاع. فكما يظهر من خلال مساره المهني والسياسي أن تمة مجموعة الملاحظات يمكن تسجيلها، للخروج برأي حول مدى أهلية الرجل لشغل منصب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة!! 1️⃣ شواهد كبيرة؛ وماذا بعد؟ لا ينكر أحد أن الرجل حاصل على شواهد كثيرة وثقيلة أهلته لشغل مناصب مهمة للغاية، إدارية وتقنية وتجارية، سواء على مستوى الدولة أو بعض الشركات المغربية الكبرى، شركة صوناصيد، شركة أونا، وشركة براسري المغرب... ومناصب شبيهة أخرى. الملاحظ أن هذه المسؤوليات والمناصب تختص بمجال المال والأعمال خاصة بالنسبة لآخر منصب شغله في هذا المجال في شركة براسري المغرب، وأخرى لها جوانب إدارية وتقنية محضة بالنسبة للمهام التي شغلها في وزارة التجهيز أو المنطقة الحرة بطنجة.. وهذه مسؤوليات ومهام أبعد ما تكون عن مجال التربية والتعليم بجميع أبعاده ومشتقاته وتفرعاته... ولا أدري هل حقق في مهامه السابقة ما يكفي من نجاحات أم إن نتائجه كانت دون ذلك. 2️⃣ هل يصلح العقل الأمني لتدبير قطاع التربية والتعليم: لقد شغل السيد بنموسى مناصب شبه سياسية وسياسية مهمة، على رأسها وزارة الداخلية في حكومة ادريس جطو بين 2006 و2010، هذه الفترة عرف فيها المغرب العديد من الاعتقالات والمحاكمات بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب، أهمها ما سمي آنذاك بخلية بلعيرج، والعديد من الانتهاكات الحقوقية، وظهور المعتقل السري سيء الذكر بتمارة، وكذا الحركات الاحتجاجية والتوترات الاجتماعية، خاصة بمدينة سيدي إيفني صيف سنتي 2007 و2008، كما عرفت مرحلته ظهور حزب الأصالة والمعاصرة بقيادة فؤاد عالي الهمة مقرونا بظاهرة ما اصطلح عليه آنذاك بالتحكم.. وانتهت مرحلته بانطلاق حركة 20 فيراير.. وخطاب 9 مارس وما تلى ذلك من إصلاحات دستورية وانتخابات سابقة لأوانها، ودخول المغرب في مرحلة سياسية جديدة، مستفيدا من تداعيات ومخلفات رياح الربيع العربي قبل أن تظهره مرة أخرى الثورة المضادة والردة السياسية والحقوقية التي اجتاحت معظم دول الربيع العربي... لقد كان تدبير وزارة الداخلية للأوضاع الاجتماعية والحقوقية خلال تلك الفترة في منتهى السوء، تدبير كان أحد أهم أسباب خروج عشرات الحركات الاحتجاجية في ربوع الوطن، حركات احتجاجية محلية وقطاعية وحقوقية وسياسية.. من أجل مواجهة العقل الأمني للدولة ممثلا في وزارة الداخلية، واحتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واحتجاجا على الانتهاكات الحقوقية الكبيرة التي وسمت مرحلة وزير الداخلية شكيب بنموسى.. كان تدبيرا سيئا وفاشلا بجميع المقاييس، فهل سيدبر السيد شكيب بنموسى وزارة التعليم بالعقلية نفسها والأسلوب ذاته الذي دبر بهما وزارة الداخلية؟ 3️⃣ فرنسي وزيرا لقطاع التربية والتعليم: لا يجب أن ننسى أن السيد شكيب بنموسى عمر طويلا بالديار الفرنسية، طالبا وسفيرا ..، وهناك كلام لم يتم نفيه إلى الآن، مفاده أنه حاصل على الجنسية الفرنسية، وفي انتظار تأكيد أو نفي ذلك، فلا يخفى على أحد أن من شروط الحصول على جنسية أي بلد أجنبي، خاصة فرنسا، أن تقسم على الدفاع عن مصالحها والولاء لها وغير ذلك من الشروط.. وهنا مكمن الداء وموطن البلاء؛ هل ستمنح فرنسا الجنسية الفرنسية لشخص من عيار شكيب بنموسى مجانا وبدون مقابل سياسي؟ وهل يحتاج شخص من عيار شكيب بنموسى إلى الجنسية الفرنسية من الأساس؟ وهل سيلتزم السيد الوزير بقسمه الذي أدلى به مقابل هذه الجنسية ويترجمه إلى واقع في علاقته بتدبير الشؤون الوطنية؟ فرنسا ليست دولة محايدة أو عادية بالنسبة للمغرب، تربطها بنا علاقة استعمارية سابقة هي من أخبث أشكال الاستعمار، استعمار بمضمون صليبي، وبعد ثقافي،واستغلال واستنزاف اقتصادي، وإلحاق سياسي وقانوني، انتهت باستقلال عسكري واستعمار لا عسكري؛ علاقة تبعية اقتصادية وإدارية وسياسية وثقافية لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر... وبالتالي عملية تبادل السفارات بين البلدين لا يخضع للأعراف الدبلوماسية العادية والمتعارف عليها دوليا، بل يكون محكوما بعقلية استعمارية محضة، ومرتهن لاتفاقيات سرية سابقة كانت مقابل خروج فرنسا العسكري من المغرب، وتبادل السفارات والعلاقات الدبلوماسية والسياسية هي بالضرورة بخلفية الاستعمار القديم بشكله العسكري، وتحت مظلته بشكله اللاعسكري.. لكل ذلك، وأمام هذه المعطيات، من الصعب التصديق بأن السيد شكيت بنموسى سيدبر وزارة التربية والتعليم بعيدا عن أنظار ومراقبة وتوجيهات وتعليمات فرنسا، بل من المتوقع أن تعمل هذه الأخيرة على وضع معبر ثقافي وتعليمي يمر علنا إلى المناهج والمقررات المغربية تحت مسمى التعاون والتبادل، وقناة سرية تمر من تحت الأرض المغربية تستهدف العقل التدبيري لملف التعليم المتعلق برجال ونساء التعليم، ومن تم إلى عقل التلميذ، لتحقيق المزيد من التبعية والولاء إلى فرنسا لأطول مدة ممكنة، والحفاظ على مصالحها الاقتصادية والثقافية الفرنكفونية... 4️⃣ من مسؤول على شركة لبيع الكحول إلى وزير للتربية والتعليم: أختم هذا الموضوع بما أعتبره من أخطر وأغرب ما جاء في اختيار السيد شكيت بنموسى لتحمل حقيبة التعليم.. وكما نبهت في مقدمة هذا الموضوع، أن التعليم ليس قطاعا عاديا، بل هو أخطر قطاع على الإطلاق، لأن التعليم هو الوطن في تاريخه وحاضره ومستقبله، في أمنه واستقراره، في قوته وغناه ورفاهيته.. لذلك فيجب – ومن باب أولى – أن يسند لأحسن من جاد به هذا الوطن، علما وكفاءة وإخلاصًا وولاء.. شخصية وطنية عرفت بغزارة علمها (خاصة في مجال علوم التربية والعلوم الإنسانية أو علوم قريبة منها) واتساع ثقافتها ونبوغ فكرها، واستقامة أخلاقها، شخصية لها اسهامات في مجال الفكر والثقافة تصل إلى المستوى الأكاديمي.. وإضافة إلى ذلك يتمتع باستقلال فكري وشخصية قوية لا تخضع للتعليمات ولا تنساق وراء المغريات، لا ولاء لها إلا للوطن، همها الكبير مصلحة التلميذ ومستقبله اجتماعيا وأخلاقيًا وفكريا.. للأسف الشديد لا يمكن للسيد وزير التربية والتعليم الحالي أن يمسح من تاريخه أنه كان على رأس شركة تتاجر في الخمور والمواد الكحولية.. وشئنا أم أبينا، فهذه الشركة وعلى غرار كل الشركات الربحية ستسعى إلى زيادة أرباحها بالزيادة في الإقبال على منتوجها والرفع من مستوى الانتاج والاستهلاك، ولا يمكن أن ننكر أو نخفي أن أكبر مستهلكي هذه المادة هم المغاربة، ولا يمكن أن ننكر أو نخفي أن أكبر مستهلكي هذه المادة من المغاربة هم الشباب.. ولا يمكن أن ننكر أو نخفي حقيقة أنه كلما ازداد استهلاك هذه المادة كلما كان ذلك خرابا ووبالا ومصيبة على الكثير من الأسر، ويكفي أن نعود إلى الإحصاءات الرسمية لتؤكد لنا عدد ضحايا حوادث السير بسبب تعاطي الكحول، وعدد الاعتداءات وعدد حالات الطلاق.. وغير ذلك من المصائب والكوارث الإنسانية والاجتماعية التي كان سببها استهلاك الخمور والكحول.. لقد ارتبط بيع الخمور واستهلاكه في الثقافة المغربية بكل ما هو منبوذ ومكروه ومجرم ومحرم، فالابن الذي يدخل مخمورا على والديه لا يلقى أي ترحيب، بل يعتبر عاقا وعاصيا، الأب الذي يدخل مخمورا على زوجته وأبناءه يعتبر فاسدا ومنحرفا وغير مسؤول، الطبيب لا يدخل العملية الجراحية مخمورا، ربان الطائرة لا يقودها مخمورا.. وإلا شكلوا خطرا على الناس وحياتهم.. هذا هو الخمر في الثقافة المغربية المخيال الشعبي. بيع واستهلاك الخمور حرام في دين الدولة الرسمي، ووصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأم الخبائث، جاء في حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا محمد، إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها"، وهناك أحاديث كثيرة لها المعنى نفسه والتحذير ذاته.. فهل أعلن السيد الوزير ندمه عن هذه الفترة واعترف بخطأه، أم إن ذلك المنصب من المناصب المهمة التي يزين بها سيرته المهنية؟ أستغرب بألم وحزن، هل وصل العقم بهذا الوطن إلى درجة أننا لا نكاد نجد شخصية علمية أكاديمية وازنة يعهد إليها قطاع التربية والتعليم من أجل إنقاذه والخروج به من واقع الأزمة والتخلف، والرقي به إلى مستوى الدول الرائدة والمتطورة في هذا القطاع؟ هل يفتقد هذا الوطن إلى الخبراء والعلماء والاستراتيجيين للعمل في مجال التربية والتعليم؟ هل هو فعلا عقم أم إرادة سياسية؟ الآن، وبشكل رسمي لا يضع مجالا للشك أن التعليم دخل النفق المظلم، في طريقه إلى الانهيار السريع، على مستوى رسالته ومضمونه ودوره.. وسيتجلى ذلك ليس فحسب في تصريح ينم عن جهل مفاده ربط جودة التعليم بعدد التلاميذ، أو بقرار إقصائي ظالم متعلق بربط الدخول إلى هذا القطاع بثلاثين سنة... بل بما ينتظر أبناء هذا الوطن من مقررات ومناهج وبرامج ستسعى إلى تكريس المزيد من التخلف البنيوي في منظومة التعليم، وتخريج جيل معطوب ومعاق علميا، وتائه ثقافيا، جانح أخلاقيا، وهذا هو المستقبل المنتظر لا قدر الله...