ليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يمد فيها المغرب يده إلى الجزائر لطي صفحة الماضي وفتح الحدود وللعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار كما ورد في خطاب ملك المغرب بمناسبة العيد الثاني والعشرين لجلوسه على العرش، وإذا كان المغرب ومنذ وصول محمد السادس إلى الحكم لم يفتر إلى الدعوة إلى اتخاذ منطق جديد في العلاقة بين الدولتين الجارتين، متخذا عدة خطوات لإيجاد حل لمشكل أقاليمه الجنوبية حيث تنازل واقترح حكما ذاتيا للصحراء المغربية في إطار سيادته، فإن الجزائر لا زالت تتمترس خلف شعارات جوفاء مفادها الدفاع عن حرية "شعب" لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا الأواصر الدينية والروابط اللغوية والثقافية تسمح له بالمطالبة حتى بالحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب فكيف بالاستقلال. وحتى لو افترضنا هذا جدلا، فإن الأمن القومي لكل بلد في الدنيا لن يسمح بتشكيل دويلة ليس لها من مقومات الدولة ما يلزم، بل يجعلها صنيعة غيرها وتحت إمرته إن لم تكن تحت رحمة دواعش الصحراء الكبرى الذين سيستغلون ذلك لخلق إمارة داعشية ستكون الجزائر أولى ضحاياها نظرا لشساعة التراب الجزائري الموروث عن فرنسا الاستعمارية والتي لا يمكن التحكم فيه، بل إن الجزائر عانت من الإرهاب في شمالها المعمور والمليء بالسكان ولم تستطع التخلص منه إلا بشق الأنفس بعد عشرات الآلاف من الضحايا ، فمن باب أولى أنها لن تستطيع ضبط ما يجري في صحراء قاحلة واسعة، والكل يعلم ما يجري في منطقة الحدود الثلاثة والتي جعلت فرنسا تتدخل في دول جنوب الحدود الجزائرية، اللهم إذا كان القصد هو السيطرة والبلوغ إلى المحيط الأطلسي وهو حلم بعض عساكر الجزائر. لنعد إلى خطاب الملك المغربي فقد خصص تقريبا نصف خطابه للحديث عن العلاقة بين البلدين التوأمين حسب تعبيره، مستعملا فيها ألفاظا جد رقيقة تجاه الشعب ثم الرئيس الجزائري، مذكرا إياه بكل الروابط التي تجمع بين الدولتين الشقيقتين، متمنيا عليه تغليب منطق الحكمة وتقديم المصالح العليا لتجاوز مخلفات أزمة موروثة من الماضي ، لا الملك ولا الرئيس مسؤولان عنها وعما حدث ، لكنهما يتحملان مسؤولية استمرارها، مضيفا بأن كل هذا يتنافى مع روابط الأخوة والمحبة بين الشعبين. يذكر أن الحدود البرية بين المغرب والجزائر مغلقة منذ سنة 1994 بعد وقوع حادث إرهابي في المغرب، اتهم المغرب آنذاك بطريقة غير رسمية المخابرات الجزائرية بالضلوع فيه ومحاولة توريط المغرب في الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر أثناء العشرية السوداء، ومنذ ذلك الوقت ترفض الحكومة الجزائرية فتح الحدود مع إعطاء تبريرات واهية، إذ أنه من الناحية الأمنية ونظرا لوجود عناصر البوليساريو على أرض الجزائر قد يخطر ببال القارئ أن المغرب هو الذي قد يخاطر بفتح الحدود ولهذا يرفض فتحها ، لكن العكس هو الصحيح، أكثر من ذلك فملك المغرب يؤكد بكل وضوح أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره ، وهذا قد يعتبر ردا مطمئنا على الأزمة الديبلوماسية التي خلقها رد فعل ممثل المغرب في الأممالمتحدة على استفزاز وزير الخارجية الجزائري في مؤتمر عدم الانحياز، وهنا رسالة واضحة من المغرب إلى الجزائر أن ما قيل حول استقلال منطقة القبايل إنما هي ردة فعل ليس إلا، وهي تلويح بأن المغرب يمكن له أن يتبع نفس منطق جارته في التفرقة والتجزئة لكنه رسميا لا يريد ذلك، لأنه يريد وحدة المغرب العربي ووحدة شعوبه، التي ستمكن هذه المنطقة من التعاون أمنيا وسياسيا واقتصاديا في مواجهة كل ما يحدق بدول شمال إفريقيا من أخطار وتهديدات كثيرة في العديد من الميادين. رسالة ملك المغرب كانت أكثر من واضحة هذه المرة، صيغت بأسلوب أخوي لئلا نقول عاطفي، مما يذكر بروابط الدم والقرابة التي تجمع شعب البلدين، ولا أقول شعبي البلدين، فإنما هو شعب واحد فرقه الاستعمار، وتجمعه اللغة والدين والجغرافيا والتاريخ المشترك. أختم، هذا المقال وعلى غير المعهود بالحديث عن تجربة شخصية ، وفي هذا الصدد أذكر قصة رجل من المجاهدين الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي وكان من مرافقي الرئيس بن بلة، إنه السيد سعد العبسي ، كان كلما ذُكرت قضية الصحراء إلا ورافع عن مغربيتها دون مواربة وبكل حماس وقوة، ومنذ أكثر من ثلاثة عقود من مقامي في فرنسا خالطت وأخالط لعديد من ا الجزائريين وأغلبهم يحبون أهلهم في المغرب ويبادلونهم مشاعر الأخوة الصادقة العميقة، يدافعون عن وحدة ترابه ولا يتفهمون موقف بلادهم المؤسف والمعادي ، خاصة وهم يعيشون في دول قامت بإنشاء الاتحاد الأوربي رغم الاختلافات اللغوية والدينية والثقافية والتاريخية ، وبالرغم من الحروب الطويلة والمريرة التي خلفت الملايين من القتلى بين مواطنيها، تجاوزت كل هذا من أجل مصلحة شعوبها، لديها كل أسباب الاختلاف والافتراق فاجتمعت وتجمعت ولدينا كل دوافع الوحدة والتوحد فنختلف ونفترق.