لم يكتب للازمة المغربية الإسبانية أن تصمد باردة نتيجة تمادي إسبانيا في عدم وضوح سياستها اتجاه المغرب بمبرر « البحث عن توازن حقيقي إسباني مغاربي يعتمد بالأساس تساوي البعد بين المغرب و الجزائر » . و هي سياسة فضلا عن كونها عرضت العلاقات بين البلدين غير ما مرة إلى نزاعات دورية فقد كان هامش اللعب على حبالها بالنسبة لإسبانيا جد ضيق أدى بها مؤخرا إلى الخروج عن حيادها بالتخندق مع خصوم قضية المغرب المصيرية فيما اصطلح على تسميته بقضية « بن بطوش » . فإذا كانت المناسبة شرط فإن إسبانيا خلقت المناسبة التي مكنت المغرب من ألإعلان صراحة عما ينتظره منها كجارة في قضاياه المصيرية و التي لا يمكن اختزالها في استقبال مجرم متابع بفصول القانون الجنائي أو في مشكل الهجرة على حدود غير معترف بها مغربيا و لا يوجد نص قانوني يلزم المغرب بأن يلعب دور الدركي فيها. لقد آن الأوان لكي يعكف المغرب على بلورة سياسة جديدة تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع تكون متسمة بالحزم و الاحترام الذي يفرضه القانون و حسن الجوار و أن يكف على التمييز بين الأحزاب المتعاقبة بعد أن تأكد له أن إسبانيا مصرة على نهجها اتجاه المغرب الذي لا يعكس المكانة المتميزة التي تبوأتها في علاقتها بالمغرب . إن المتتبع للعلاقات الثنائية التاريخية بين المغرب و إسبانيا سيلاحظ لا محالة أنهما في أزمة مستمرة , تارة تكون باردة و أخرى معلنة حافزها الصحراء المغربية و الثغور المحتلة في الشمال , فقد كان أفق الخلاف بين البلدين محدودا بعد وفاة الجنرال فرانكو و لم يكن يتصور أن تستمر الأزمة سواء بالنسبة لسبتة و مليلية بعد أن تم وضع أرضية تضمنها الكتاب الأبيض من أجل الإصلاح الديمقراطي الذي هيأته لجنة بتكليف من مؤسس الحزب الشعبي مانويل فراغا سنة 1976 يقضي بإيجاد وضعية قانونية خاصة لسبتة و مليلية بسيادة اسمية مغربية و وضعية خاصة لسكانها وضمانات دولية لهذه الوضعية بمجرد استرجاع جبل طارق من لدن بريطانيا إلا أن هذا الاقتراح خلق جدلا وهزات عنيفة سياسية في المدينتين أجبر ( فراغا ) على التخلي على الاقتراح المذكور رغم أن مانويل فراغا اشتهر بالتكيف مع متطلبات المراحل التاريخية الإسبانية حيث ساهم في وضع دستور إسبانيا لسنة 1978 بعد رحيل فرانكو وتحول إسبانيا إلى مملكة دستورية، وأسس الحزب الشعبي الليبرالي و تقلد منصب وزير السياحة و الإعلام في عهد فرانكو 1962 1969 ووزير الداخلية لفترة قصيرة بعد تربع خوان كارلوس على العرش 1975 1976 , من جهة و من جهة أخرى فقد كانت قضية الصحراء المغربية من بين القضايا التي أصبحت إسبانيا رهينة لها , انقسمت بشأنها الحكومات المتعاقبة بين من سلكت مسالك برغماتية تعتمد حسن الجوار المغربي وبين ضغط الرأي العام المشجع من قبل اليسار وبتشجيع أيضا من أحقاد مجانية ومعاكسة لكل ما هو مغربي وهو إحساس مرده حروب القرن العشرين . فاليسار الأسباني أول الأمر وعلى رأسه الحزب الاشتراكي انحاز ضد المغرب معتقدا أنه يدافع عن الحريات داخل إسبانيا و قد تم تبني هذا التوجه من قبل المجتمع المدني عن طريق جمعيات صديقة « للشعب الصحراوي » والمتواجدة في الجماعات المحلية الإسبانية و هو توجه لا يرتكز على أي أساس كما عبر عن ذلك المفكر كويتسولو نهاية سنة 1976 في كتاباته بمجلة Triunfo إلا أن هذا الموقف وأمثاله لم تجد آذانا صاغية لدى اليسار الأسباني والمعبر عنها من قبل ايميليومينينديز ديل فايي في نفس المجلة المذكورة .إن استمرارية الأزمة الباردة الساخنة يمكن قراءتها من خلال بسط بعض المواقف التي يمكن تصنيفها عدائية من الجانب الإسباني في بعض الملفات الكبرى كالهجرة و الصيد البحري و ترسيم الحدود البحرية و غيرها .. رغم أن المغرب سجل موقفا إيجابيا من إسبانية جزر الكناري , خلاف موقف الحكومة الجزائرية التي ساندت إبانها ا حركة MPALAC الانفصالية التي كان يتزعمها أنطونيو كوبيو . و هو موقف نابع عن رغبة الجزائر في الضغط على اسبانيا في قضية الصحراء المغربية . بالنسبة للصيد البحري فقد كانت إسبانيا أكبر مستهلك لسمك المغرب لكونها كانت تصطاد في كامل مياه البحر الأبيض المتوسط وفي أكثر من 2000 كلم من الشواطئ المغربية على المحيط الأطلسي حيث كان الأسطول الإسباني الأهم في المنطقة . و بإعلان استقلال المغرب أبرمت اتفاقيات صيد بين مدريد والرباط لم يتم تنفيذها لكون المغرب حديث الاستقلال و لم يكن لديه أسطول صيد يمكنه من مراقبة و مواجهة أحد أعظم أساطيل الصيد العالمية الإسبانية خاصة أسطول الصيد التقليدي المتمركز جنوب إسبانيا وجزر الكناري . و هو واقع يدركه الأوربيون و كانوا يتغافلون عنه . و مع دخول إسبانيا إلى الاتحاد الأوربي اعتقد المغرب أن المشكل انتهى و أن أوروبا ستنصف المغرب , إلا أن إسبانيا استطاعت أن تناور لكي يتم تعيين شخصية إسبانية مفوضا للصيد على الاتحاد الأوربي لكي تستمر في نهب الخيرات البحرية المغربية لحسابها الخاص و بمباركة الاتحاد الأوربي . وقد كان ذلك خطأ فادحا من قبل اللجنة الأوربية وتصرفا عدائيا في مواجهة المغرب . فكيف لبروكسيل أن تتقمص دور الخصم و الحكم سواء على مستوى الكوطا أو على المستوى المالي. و كيف للاتحاد الأوربي أن يفرض على دولة كالمغرب حديثة العهد بالاستقلال . فقيرة بدأت بالكاد في بناء أسطولها ؟ أمر غير مفهوم من أوربا اتجاه المغرب سيما و أن إسبانيا تقاضت الملايير من أوربا لتطوير اقتصادها و بنيتها التحتية عبد اللطيف الفيلالي , المغرب و العالم العربي Le Maroc et le monde Arabe . و بالنسبة لموضوع الهجرة فإن تواجد جالية مغربية مهمة في إسبانيا لا يعزى إلى إيديولوجية إسبانية مقصودة بقدر ما جاء استجابة لمنطق التاريخ و الجغرافيا , ذلك أن المقاربة التي تحكمت في النقاش العمومي و التي طبعت البرامج الحزبية الإسبانية أول الأمر ميزت بين الهجرة القابلة للاندماج و الغير قابلة للاندماج تلميحا للهجرة الآتية من المغرب باعتبارها من بلد إسلامي .و قد عبر عنها – فريد ريكو خيمينس لوسانطو federico jimenes losanto كاتب عمود في جريدة ABC بالقول , " أن الهجرة المغربية يجب أن تكون هجرة مؤقتة وليست دائمة مضيفا بأن اللاثينيين الأمريكيين و مسيحيي أوروبا الشرقية يسهل أندماجهم لكونهم متجدرين جغرافيا ولا يعترض اندماجهم أي مشاكل 5أكتوبر 1999 inmigracion racional. .كما دافع بشدة ميغيل هيريرو Herrero Miguel أحد آباء الدستور الإسباني . نائب رئيس الحزب الشعبي 1989 بنفس التاريخ على الهجرة الابيرو أمريكية والرومانية و السلافية مفضلا إياها عن الهجرة الإفريقية , ليصل به الأمر وبصوت مسموع إلى المطالبة بالتفريق بين التعاون الشامل مع المغرب وبين الترويج لهجرة صعبة الاندماج . وتماشيا مع هذه الأصوات وغيرها اختارت حكومة خوصي ماريا ازنار تطبيق سياسة هجروية انتقائية لم تستطع الحد من هجرة الجوار بين البلدين . لقد كان على إسبانيا و هي تُجيٍشُ أوروبا و الحلف الأطلسي ضد المغرب عن طريق خلط الأوراق أن تستحضر على سبيل المثال لا الحصر الماضي القريب في غشت 2018 حينما تسلمت السلطات المغربية المهاجرين 116 الغير الشرعيين الذين ينتمون إلى إفريقيا جنوب الصحراء من طرف الحرس المدني الإسباني بمعابر سبتهالمحتلة رغم عدم اعتراف المغرب بالمعابر الحدودية للمدينتين المحتلتين سبته و مليلية و في ظرف قياسي) 24 ساعة ( و دون أي مقابل يذكر حسب تصريح وزير الخارجية الإسباني نفسه لأن الاتفاقية المبرمة بين البلدين بتاريخ 13 فبراير 1992 و التي تم اعتمادها في العملية المذكورة كان مجالها جد محدود بسبب رفض المغرب استقبال المهاجرين لصعوبة تطبيق مقتضياتها و المتمثل في صعوبة معرفة ممرات عبور المهاجرين المراد تسليمهم من قبل اسبانيا , هل عبروا فعلا من المغرب أم لا ؟ و هو الشرط المنصوص عليه في الاتفاقية و كذا لصعوبة التعرف على هوية الأشخاص سيما و أن المهاجرين السريين لا يحملون معهم بطائق هوية , و كذلك في معرفة القصر منهم و إيلائهم الوضع القانوني الذي يستحقونه والتأكد ممن يرغب منهم في طلب اللجوء السياسي ناهيك عن المسطرة التي تمت بها أعمال اللجنة المختلطة إن انعقدت أم لا . و الحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن أي مهتم بمجال الهجرة هو أن اسبانيا جعلت من مشكل الهجرة مصدر دخل مهم ذلك انها استطاعت أن تستفيد من المشروع التجاري الأوروبي الكبير للهجرة الذي شيدته على أراضيها والمتعلق بحراسة و مراقبة الحدود و هو انحراف سياسة الهجرة نحو ما هو أمني , خارجي و خوصصة الحدود . و فيما يخص قرار القضاء الإسباني بشأن قضية بن بطوش فلم يكن مفاجئا بالنسبة للمتتبع لقرارات المحكمة الوطنية بمدريد في كافة القضايا المتعلقة بالصحراء المغربية , بالنظر لتوجهها الذي يعتبر أن اسبانيا هي المسؤولة إداريا في الصحراء المغربية إلى حين تصفية الاستعمار بحكم القانون وليس الواقع ما دام أن الاستفتاء لم يقع في الصحراء المغربية . وهو توجه غريب يمس السيادة القضائية الوطنية المغربية ويضرب بعرض الحائط المبادئ الجوهرية للاختصاص المكاني الذي أرسته المنظومة القضائية العالمية و يقلص من سيادة القضاء المغربي بالسماح للقضاء الإسباني بالبت في كل القضايا التي تروج بأقاليمنا المسترجعة على المستوى النظري و الحال أن القانون الاسباني غير مختص استنادا إلى الاتفاقيات الدولية و كافة القوانين الإسبانية و الدستور الإسباني نفسه بل إن اتفاقية جنيف التي تمنع فتح تحقيقات غيابية و البحث عن الفاعلين خارج الحدود الوطنية او المطالبة بهم و الذي تبنته المحكمة العليا الإسبانية في قرار لها أيدت بمقتضاه – قرار المحكمة الوطنية الصادر في يونيو 2015 القاضي بحفظ قضية كان يتابع فيها مسؤولون صينيون كبار – لكون القضية وجهت ضد أشخاص لا يتوفرون على الجنسية الاسبانية , و لا يقيمون بصفة اعتيادية بإسبانيا ولم يتم رفض تسليمهم من قبل سلطاتهم الوطنية . وقد كان بالإمكان طرح الموضوع للنقاش من قبل المغرب و دون المساس باستقلال القضاء في اللقاءات الثنائية التي كانت تنظم إعمالا للاتفاقيات القضائية , عوض مد اسبانيا بمعلومات يهمها فيها تفادي الكارثة و معرفة مصدر المعلومة . إن مقولة مانويل أثانيا – سياسي إسباني شغل منصب رئيس وزراء الجمهورية الإسبانية الثانية (1931-1933) ثم رئيس لها 1936-1939 – – ما زالت قائمة, و هو أن تأثير المغرب في الحياة السياسية الأسبانية أكبر من التأثير الإسباني في المغرب .و أن من لا يدرك هذه الحقيقة فهو أعمى . و من هذا المنطلق فإن عملية عض الأصابع لن يصمد لها الجانب الإسباني سواء باستقوائه بأوروبا التي تتصرف ببرغماتية مدروسة لن تعدم معها مصالحها مع المغرب أو مع الحلف الأطلسي الذي اكتفى فيه الرئيس الإسباني بيدرو سانشيز على أخد صورة مع الرئيس الأمريكي لم تتعدى أطوارها 29 ثانية . إن وجود المغرب على الحدود الإسبانية أزلي و بالتالي فإن الحكمة تقتضي التحاور مباشرة فالعالم يتغير …