امتدت أيادي الغدر والإرهاب في العقود الاخيرة إلى أرواح بريئة. سفكت الدماء باسم فهم خاطئ للدين ولعقيدة الولاء والبراء والتي غدت عند جماعات التطرف والغلو مرادفا لثقافة "صناعة الموت" . واليوم تبتعد بعض العقليات عن الوسطية والاعتدال لتقع في فخ التجييش ودغدغة العواطف. انها نفس العقليات التي تتوق، عن حسن أو سوء نية، لتطبيق "شرع اليد" دون اعتبار للقانون ولمؤسسة القضاء، وهي ذاتها التي تتطاول على الإفتاء في الدين في تجاوز لاختصاص مؤسسة العلماء وإمارة المؤمنين .. المتتبع لآليات التعبئة والاستقطاب والتحريض يجد نفسه أمام استعمال غير مسبوق للتكنولوجيات الحديثة وكل التقنيات التي تتيحها. كل ذلك للوصول إلى نفس الأهداف التي خططت لها تنظيمات الإرهاب كالقاعدة وبعدها داعش، والتنظيمات العنقودية التي تدور في فلكها في كل البلدان بما فيها الخلايا النائمة او الدئاب المنفردة"، ومن يقعون ضحية التضليل للتحريض غير المباشر لتنفيذ مخططاتها الإجرامية. والمتأمل في دعوات مقاطعة فرنسا والهجوم على الرئيس الفرنسي، يستغرب لكيفية وقوع بعض المنتسبين"للاسلام" ضحية تحريف للحقائق، فالرئيس ماكرون تحدث عن مواجهة "الإسلام المتطرف " اي "الاسلام" حسب فهم دعاة الغلو والارهاب، وليس إسلام الاعتدال والتسامح والتعايش والرحمة التآخي والتآزر. كما تحدث عن الدفاع عن الكاريكاتير دون أن يدافع عن أية رسوم سواء الممجدة أو المحتقرة لأية ذات بشرية أو نبي أو رسول. وهنا لابد من الإشارة إلى أنه يحق لأي دولة أن تواجه الإرهاب والجريمة بكل مسمياتها ولو كانت باسم الدين. فقد اكتوت مجتمعاتنا بجرائم القتل (الاعتداءات الإرهابية بالدار البيضاء لسنة 2003 ، وجرائم السلفية الجهادية وغيرها ..)، بل إن المصالح الأمنية المغربية انقذت بلادنا من حمامات دم كانت تخطط لها الخلايا الإرهابية المتناسلة. انها معركة كل بلدان العالم بما فيها فرنسا التي تسامحت، مثل كثير من الدول الغربية مع متطرفين يقيمون فوق ترابها احتراما لحرية المعتقد، قبل أن يتحولوا الآن إلى تهديد لأمنها ومصدر ترويع وتخويف لمواطنيها. في سياق آخر، لا يحق لأي رئيس دولة أن يمنع الكاريكاتير والفن والإبداع بكل أشكاله مهما كانت حدوده وأبعاده، لأن ذلك لا يتم إلا في الدول الدينية المتزمتة وفي الأنظمة التسلطية الاستبدادية. وهنا لابد من الإشارة انه عكس الشيعة الذين لا مشكلة لديهم مع الصورة والتجسيد ومع الرسم وفنون النحث والكاريكاتير، فان غالبية الفرق السنية لها موقف آخر، وهذا نابع من اختلاف عميق في بنية التدين الشيعي الأقرب للتمدن والحضارة عكس التدين السني الأقرب إلى البداوة، لهذا يكفرون من يجسد الرسول والصحابة في رسوم أو تماثيل ويحرمونها. إن عقلية تحريم الإبداع المقتحم للطابوهات (ليس الإساءة للرموز الدينية) المتأصلة لدى غالبية ممن يسمون فقهاء السنة خاصة السلفيين والوهابيين ومن تبعهم عن جهل وتجاهل لسياقات النصوص الدينية، هو ما تسبب في ارتكاب جرائم باسم ينفذها عادة بسطاء العقول بتخطيط من "شيوخ التطرف " .. تماما كما حدث في جريمة دبح الأستاذ الفرنسي بباريس. لقد برر منفذ جريمة قتل أنور السادات جريمته بكون الرئيس المصري السابق كان علمانيا، وحين سأله القاضي عن معنى العلمانية ، أجاب : "معرفتش "..!! وفي حادث محاولة اغتيال الراحل نجيب محفوظ، سأل القاضي الشخص الذي طعن الأديب العالمي عن السبب، فرد عليه : بسبب روايته "أولاد حارتنا" ، فبادره القاضي بالسؤال : هل قرأتها، فكان جوابه :"لا" !!!!!! في واقعة ثالثة ، سأل القاضي منفذ جريمة قتل فرج فودة، عن السبب، فأجاب : "لأنه كافر". سأله القاضي :كيف عرفت انه كافر ؟. أجاب القاتل : من كتبه . فسأله القاضي : من أي كتب عرفت انه كافر ؟. اجابه : انا لم أقرأ كتبه. فسأله القاضي مستغربا : كيف ؟ .اجابه منفذ الجريمة :انا لا اقرأ ولا أكتب! !!!!!!! وغير بعيد . فقد سئل يوسف فكري (محكوم بالإعدام بسجن القنيطرة ) أثناء محاكمته، لماذا ازهق روح الموثق اسدي وذبحه من الوريد إلى الوريد؟ . فأجاب : لأنه من رموز النظام !!!!! . وكان يعتقد أن الضحية بالفعل وكيل الملك ،كما أوهمهم للإفلات منهم، فقرروا تطبيق الحد في حقه انتقاما من "الدولة الكافرة". إنهم يقصدون بلدنا التي احلوا دماء كل من لا يعتنق عقيدتهم. انها نفس العقيدة التي تقف وراء التحريض على قطع الأرزاق والارواح عبر الدعوة إلى المقاطعة المغلفة في حقيقتها بنوازع التحريض على الحقد والكراهية والتعصب الديني، والذي لن تكون نتيجته سوى سفك المزيد من دماء الأبرياء..