تنشر جريدة "العمق"، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب "مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال"* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين. ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: "التاريخ .. مملكة ذات شرعية" ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: "الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين" ويشمل 8 فصول. أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: "المجتمع .. رصيد من التراكمات"، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع ب "الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها"، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: "السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين"، ويشمل 15 فصلا. القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: "الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة"، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث "كل شيء من أجل الصحراء". وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه "مملكة التناقضات". الحلقة الرابعة الفصل الثالث: لماذا لا زال المغاربة يحلمون بالأندلس؟ الأندلس الإسلامية، الأندلس العربية، هي أسطورة تاريخية وسياسية لازالت حيةً. لقد أضاعها المسلمون في عام 1492 بعد نهاية الاسترداد المسيحي، وذكراها تمثل حنينا عربيا وإسلاميا يتردد صداه حتى في بلدان الشرق الأوسط، وقد ارتبطت بلاد الأندلس بالمغرب ارتباطا وثيقا خلال عدة قرون، حيث كان يحكمهما نفس الملوك، سواء في عهد الدولة المرابطية والدولة الموحدية أو في ظل الدولة المرينية أيضا. وبعد أحداث 1492 استقر عدد كبير من العائلات الأندلسية في مملكة فاس، في القرن السادس عشر بالنسبة لليهود، وفي القرن السابع عشر بالنسبة للموريسكيين (مسلمي الأندلس). هذه العائلات، التي حافظت على الذاكرة الدقيقة لهذه الأحداث، غيرت النظام السياسي والاقتصادي، وجددت مشهد المدينة البرجوازية والحرفية، وبصمت بتقاليدها وممارساتها البلاط والحكومة الإمبراطورية والهندسة المعمارية وفنون اللباس والقتال. في هذا البلد ذي الطبيعة الجبلية والقروية منذ زمن قديم كانت هذه النخب "الأندلسية" تعيش على شعور بالتفوق الذي يميز هذه البرجوازية. صحيح أن بلدان الجزائر وتونس وليبيا تقاسمت نفس التاريخ وأنه حيثما استقرت العائلات "الأندلسية" إلا وحافظت على حنينها الأرستقراطي، لكن المغرب، على عكس جيرانه، ظل على ارتباط مع إسبانيا: سواء من خلال أعمال القرصنة البحرية في القرن السابع عشر أو التجارة أو التهريب أو المدن الساحلية المحتلة من طرف إسبانيا أو الاستعمار الحديث أو المبادلات أو السفر أو السياحة أو الهجرة أو التنافس بين الجيران. على مدى أربعة قرون، دافع المغاربة عن أنفسهم ضد الهجمات الأيبيرية التي قادها البرتغاليون والإسبان من النقط الساحلية الصغيرة التي استعمروها (وبعضها لا يزال إسبانيًا بعد خمسة قرون مثل مدينتي سبتة ومليلية على الساحل المتوسطي). ثم اشتبك المغرب مع إسبانيا في حرب تطوان في نهاية القرن التاسع عشر، وفي عام 1912، تنازل الفرنسيون عن جزء من الأراضي المغربية لكي تستعمرها إسبانيا فاكتسبت موطئ قدم في المغرب، مما أثار استياء المغاربة العاجزين آنذاك. منذ إنهاء الاستعمار الذي تم على مراحل من عام 1956 إلى عام 1975، بدأ المغاربة يحلمون مرة أخرى بالأندلس. يمكن تصنيف العديد من الأحداث والمناسبات الثقافية والسياسية والاجتماعية كمظاهر من هذا الحنين ومنها أن الأندلس الإسلامية توصف في الأدبيات المغربية بوصف الفردوس المفقود، كما لازال المغاربة يمدحون مناخ التعايش بين المسيحيين واليهود والمسلمين الذي عرفته الأندلس فيصفونها بأرض التسامح وحسن الجوار بين العقائد والطوائف. هذا الإسقاط للرغبات الحالية على حقبة ماضية ما هو إلا بناء فكري يتجاهل عنف تلك العصور الوسطى، ويتناسى أن الفيلسوف ابن رشد تمت مضايقته في قرطبة بسبب أفكاره و أحرقت مؤلفاته. ومن ناحية أخرى، يحاول المغرب، من خلال مؤسسات مثل "مؤسسة الثقافات الثلاث"، توظيف هذه الذاكرة لإبراز قوة روابطه مع أوروبا (وهو أمر جدير بالثناء)، من أجل جني منافع في مجال الاقتصاد والهجرة ودفع فوائدها المهاجرة أو الاقتصادية. لا تخلو ضغوط السياسة والهجرة التي يمارسها المغرب على إسبانيا من المصالح المادية (المرتبطة بالتوترات الكبيرة منطقة الريف) والمصالح السياسية (التي تهدف إلى الضغط على الدولة الأوروبية التي يوجد فيها المؤيدون الرئيسيون لجبهة البوليساريو). * ترجمة: العمق المغربي يتبع ...