وصفت وكالة "رويترز" الحملة الشرسة التي تشنها السلطات حاليا، بأنها "أصعب حملة أمنية في تاريخ مصر"، تزامنا مع إحياء الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، في إشارة واضحة إلى أن السلطات "قلقة للغاية". ونقلت الوكالة، في تقرير لديها نشرته تحت عنوان " في مصر.. من يخاف 25 يناير؟" ، عن محللين سياسيين تصريحاتهم بأن الحكومة تسير على خط رفيع إجهاض الاحتجاج. وبدأت "رويترز" تقريرها بحادثة احتجاز للناشطين: علي الخولي ومحمد علي، من مقهى في القاهرة، عندما سألهما شرطي: "ما الذي تنويان عمله الإثنين القادم (25 يناير)؟". وقال الخولي، بعد يوم من الإفراج عنه: "هم عاملين حملة تخويف عشان هم نفسهم خايفين. أنا بصراحة معرفش أنا اتاخدت ليه ولا اتسبت ليه برضه .. بس مفيش حاجة تبرر الرعب ده." ومع احتجاز الآلاف من معارضي الحكومة يبدو احتمال حدوث احتجاجات ضخمة احتمالا ضعيفا، إلا أن محللين ونشطاء قالوا إن الحملة تكشف عن تنامي القلق الأمني منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي كان قائدا للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع، على الرئيس المصري محمد مرسي. وقال تيموثي قلدس، الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، إن "هناك مستوى عاليا من الذعر من جانب الحكومة، وهذا اعتراف ضمني بأن هناك عددا من الإخفاقات". وبعد عزل مرسي عقب احتجاجات حاشدة على حكمه تمكنت جماعة الإخوان من حشد مئات الآلاف بالشوارع، لكن قوات الأمن قتلت الآلاف من مؤيديه وسجنت آلافا أخرى متهمة الجماعة بالإرهاب. واتسعت الحملة الأمنية منذ ذلك الحين، وخلال الأسابيع القليلة الماضية احتجزت السلطات عشرات النشطاء، وأغلقت مراكز ثقافية كما دعت خطباء المساجد لإثناء المصلين عن الاحتجاج باعتباره إحداثا للفوضى يخالف الدين. وفي الأيام الأخيرة نفذت الشرطة حملات تفتيش واسعة لشقق سكنية خاصة، وسط القاهرة قرب ميدان التحرير الذي كان مركز أحداث انتفاضة 2011، وقالت إنها ضبطت عشرات الأجانب الذين انتهت إقامتهم مما يعيد إلى الأذهان ما حدث إبان حكم مبارك في 2011 حين اتهمت السلطات أجانب بالتحريض على الاحتجاج. والخولي وعلي - وهما من العلمانيين - ليسا من النشطاء البارزين، ومع هذا قبضت الشرطة عليهما خلال الحملة واحتجزتهما لخمس ساعات حسبما ذكر محاميهما. وسئل كل منهما على حدة عن آرائه السياسية ورأيه في السيسي وما إن كان سيشارك في أي احتجاجات يوم 25 يناير المقبل. "الظلم وقود الاحتجاج" وقال المحلل السياسي قلدس إن "إحدى السلبيات تتمثل في الاقتصاد الذي ما زال يكابد ركودا يصاحبه ارتفاع في تكاليف المعيشة لا تواكبه الأجور". وتواجه مصر أيضا تمردا في شبه جزيرة سيناء من جانب تنظيم الدولة، وسقط فيه مئات القتلى من جنود الجيش والشرطة، دون حسم من جانب السيسي الذي تعهد بالقضاء على حملة المتمردين. وقال أيمن الصياد، رئيس تحرير مجلة "وجهات نظر"، إن "هذا نظام يعرف أن لديه ما يخيفه بمعنى أنه لا يثق في أنه حقق للمصريين ما كانوا ينتظرون". لكن معظم المصريين لا يشكلون معارضة نشطة للسيسي، على حد قول علي، الذي ذكر أن كثيرا من النشطاء سئموا في ظل هذا الفتور مواجهة ما تصفها جماعات حقوق الإنسان بدولة تزداد صرامة. وقال الخولي إن "الموضوع مش شغال علشان مفيش حد يقدر يجبر الجماهير على حاجة. حتى لو انت بتعارض النظام لازم تحترم رغبة الجماهير". وتحدثت رويترز إلى ثلاثة نشطاء آخرين طلبوا عدم نشر أسمائهم خشية التنكيل بهم في صورة تتعارض مع مشهد خروج المصريين لميدان التحرير بمئات الآلاف أيام الانتفاضة. وقالوا جميعا إنهم سيلزمون البيت في 25 يناير بعد إلقاء القبض على كثير من أقرانهم وإغلاق أماكن تجمعاتهم. وكثير من المقبوض عليهم ليسوا من النشطاء البارزين، لكنهم يديرون صفحات على فيسبوك تدعو للتظاهر، وكانت المسيرات والتجمعات التي حدثت عام 2011 من تنظيم نشطاء شبان تواصلوا عبر فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك ما لا يقل عن أربعة مواقع ثقافية منها قاعة للفنون ودار للنشر بوسط القاهرة إما شهدت مداهمة أو أغلقت خلال الشهر الأخير. وقال مصدر بجهاز الأمن الوطني إن "هناك عدة إجراءات تم اتخاذها للتضييق على النشطاء وعدم تجمعهم، حيث تم غلق عدد من المقاهي أو أماكن التجمعات، وألقي القبض على بعض منهم لإرهاب الآخرين". ووصف اثنان من العاملين بقاعة (تاون هاوس) للفنون كيف داهم 20 شخصا كثيرون منهم من ضباط الشرطة المكان بدعوى وجود مخالفات إدارية، ولا تزال القاعة مغلقة. وقال محمد هاشم، صاحب دار "ميريت" للنشر، التي داهمتها الشرطة في يوم كان من المقرر أن يعقد فيه مؤلف ندوة حول كتاب عن الفساد إن "أجهزة الأمن مؤمنة بضرب المواطن لحد ما نتفاهم، مؤمنة بالتخويف والقمع". وانضمت أيضا للحملة وزارة الأوقاف التي توزع على خطباء المساجد نقاطا تدور حولها خطبة الجمعة مصحوبة بنصوص من الكتاب والسنة للاستشهاد بها. وحذرت الخطبة في آخر جمعتين صراحة من الاحتجاج في 25 يناير المقبل، وكانت إحدى الخطبتين بعنوان "نعمة الأمن والأمان"، وجاء فيها أن "التستر على كل من يعمل أو يساعد على نشر الفوضى وترويع الآمنين يعد جريمة عظيمة ومشاركة له في الإثم أمام الله عز وجل وأمام القانون". وقال محللون سياسيون إن الحكومة تسير على خيط رفيع بين الإثناء عن الاحتجاج والمبالغة في التضييق. قال الصياد "الظلم وقود الاحتجاج والاحتجاج أول خطوة على طريق العنف"، معتبرا أن "النظام يجني ثمار عمله". عربي 21