ودع الأساتذة المتدربون سنة 2015، على وقع هراوات القمع المخزنية التي انبرت لهم من كل جانب، لصد التظاهرات التي نظمتها التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين في برنامجها النضالي المسطر يوم انعقاد مجلسها الوطن عقب المسيرة الوطنية يومه 17 دجنبر 2015. لو حضر مخرج سينمائي، مع مصور بارع، لتلك الهجمات التي تعرض لها الأساتذة المتدربون، لكان ذلك يكفيه أن يصور فيلما يرشحه للتأهيل وربما للفوز بجائزة أوسكار للأفلام السينمائية ، ولعل فيما يأتي بعض من تلك الصور، أنقلها لكم بكل أمانة، كما شهدتها، وعانيتها، وذقت مرارتها، وشرقت بها، فمثلت لي بذلك غصة لا أنجو منها إلى أن أموت، واسمحوا لي أن أعرض بعضا من تلك الصور، معتذرا لذوي القلوب الرحيمة، والعيون المتأثرة، إن كنت السبب في إثارة دموعهم، أو بعث أحزانهم، فإن الأمر يستحق ذلك : أستاذ متدرب .. يعني أنه عانى وجاهد وكافح على الأقل 15 سنة من الدراسة بتفوق، وحصل على إجازة بميزة تؤهله لأن يكون من بين المترشحين لاجتياز مباريات المراكز الجهوين لمهن التربية والتكوين، ثم اجتاز المباراة في شقيها: الكتابي الذي أجاب فيه عن 180 سؤالا، والشفوي الذي أمضى فيه أمام لجنة مكونة من ثلاثة أساتذة للتعليم العالي، ما يقارب ساعة كاملة أو يفوق ساعة تامة، أمطرت عليه الأسئلة الشفهية من كل جانب، وبعد نجاحه في كل هاته المراحل، أصبح أستاذا متدربا، بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين. أستاذة متدربة .. يعني كل ما قدمناه، وزيادة بسيطة، لأن في مجتمعنا نعي أن دراسة أستاذة متدربة، ومرورها بجميع هاته المراحل، يعني أنها عانت، وتغربت، وضحت بأقربائها وأهلها، وما هذا بسهل ولا يسير عليها وعلى ذويها، ثم إنها ربما ظهرت لها أمور أخرى في مسيرها وحياتها، لكنها أبت إلا أن تتم دراستها، كما يعني أن لها أقرباء ضحو بفراقها، وتغلبوا على خوفهم عليها، من أجل مستقبلها، لتصل في النهاية إلى نهاية كانوا يرجونها لها. لو لم يكن للأستاذ(ة) المتدرب(ة) إلا هذا الفضل لكفاهما، ولأهلهما إلى أن يبوءا مقاما سنيا، ويحترما احتراما يليق بالمقام، ويكون جديرا برفع التحية والسلام. نفاجأ هذه السنة برأي بديع، يتبعه منظر فظيع، أقدمت وزارة تسمى في بلدنا وزارة التربية الوطنية ولعلها بما أقدمت عليه، ترينا حقيقة هذا الوطن، وحقيقة الوطنية التي بها ينادون، وعلينا يتبجحون أقدمت هاته الوزارة على إصدار مرسومين، أحدهما يقول لذلك الأستاذ الذي تحدثنا عنه: إنك لست مؤهلا لهذه الوظيفة، وعليك أن تدرس سنتك هاته، فتتخرج بشهادة التأهيل المهني، لتجتاز مباراة أخرى، ولن يوظف منكم إلا سبعة آلاف من أصل عشرة آلاف، مما يعني أنهم لن يقصو باقي الأساتذة اعتمادا على الكفاءة، بل الإقصاء وكفى، وربما يكون الغرض من ذلك هو اللعب على العوامل النفسية لجميع فئات هذا الشعب الجريح. وثاني المرسومين يقضي بتقليص المنحة إلى النصف، في حين أنها حينما كانت تامة، كانت لا تكفي لسد حاجيات إنسان بمثابة أستاذ، وما تتطلبه طبيعة وضعيته. قمنا نحن الأساتذة المتدربين برفض هذين المرسومين، بطريقة لفتت انتباه كثيرة من الناس، والمؤسسات والفئات الاجتماعية، فوصفوها بكونها: حضارية، رائعة، سلمية، منظمة ، مشروعة... ولم يحصل بها أي عمل شغب، رغم أنها واقعة بجميع المدن المغربية. نفاجأ في النهاية .. أن الدولة لا يرضيها مثل هذا الاحتجاج، لأنه ينغص عليها، ولأن احتجاج هؤلاء إن وصل إلى جميع الناس، فإنك لن تجد قاعدا في منزله إلا ونزل للشارع ليتضامن ويدافع عن حق أبنائه الذين هم في مرحلة الدراسة، وعن حق أبناء إخوانه، في حق ولوجهم التعليم العام. أطلقت الدولة حملة أمنية قاسية على مجموعة من المراكز الجهوية، أهمها: طنجة، آسفي، تازة، إنزكان، مراكش، الدارالبيضاء وغيرهما... لتهنئنا باختتام السنة الميلادية يومي الأربعاء والخميس آخر أيام 2015. نفاجأ ,, أن أياد آثمة، امتدت دون رحمة أو عطف، بل بكل قساوة وعنف، امتدت إلى أجسام أساتذة وأستاذات، مهينة لهم، بأبشع الضربات، في الوجه والرأس والأيدي والأرجل .. دون تمييز. أحزنني أني رأيت أستاذا، وقد اجتمع عليه جماعة من أفراد القوات المساعدة، ولم يرحموا ضعفه، ولا سلميته، ولا طيب حديثه، فشرعوا يصفعون خده، ويحدثونه أحاديث نابية. أحدهم .. دفع أستاذة لتسقط أرضا، فما اكتفى ببشاعة ما فعل، ليتم فعله الإجرامي برفع هراوته، وإنزالها على أستاذة ضعيفة، لم تخرج إلا لتقول بصوتها، وترفع عقيرتها بقول "لا" لإجراء مس بحقها. أحزنني .. أني رأيت أحدهم يضرب أستاذا وسط وجهه، وما احترم أن ذاك وجه إنسان كرمه الله، ولم يحترم أن ذاك أستاذا خصه الله بفضل. كل ذلك وقع أمام عيناي ... وأكثر من ذلك الذي خفي عني، من أجل إسكات صوت ناطق بحق ... من هنا، ندعو كل الضمائر الأبية، والغيورة على وضعية التعليم في المغرب، إلى الالتفاف حول الأشكال النضالية للأساتذة المتدربين، إذ هو نضال عن التعليم العام، وحق كل مواطن مغربي من الاستفادة منه، ومطالبة الحكومة بالرفع من جودته، وتحسين ظروف العمل فيه، لتحسن المردودية مستقبلا، إن كنا حقا نريد لبلدنا وأجيالنا الصاعدة أن تعيش بكرامة. كريم التايدي / أستاذ متدرب المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة