(من نقل انتقل، و من اعتمد على نفسه بقي في قسمه)، شعار أذكر أنّه خطّته على جدران الإعدادية أنامل يافعة لشخصيّات ظريفة خلال نهاية سبعينيّات القرن الماضي، تعبّر من خلاله بصدق عن التفشّي النّسبي لظاهرة الغشّ في الامتحانات في وسط التّلاميذ، وتؤرّخ لمولد غير قديم للظّاهرة و لأهمّ حيثياتها وأسباب نزولها الذي هو الحرص على الانتقال إلى القسم الموالي لتفادي التّكرار أو الطّرد النّهائي من المؤسّسة. وأذكر أنّي تفاجأت حين اكتشفت خلال منتصف الثّمانينيّات من القرن الماضي حين الإنصات إلى حديث عابر بين بعض الزملاء حيث وصف أحدهم كيف غادر قاعة الامتحان مستأذنا الأستاذ للذهاب إلى المرحاض ليس من أجل قضاء حاجته ولكن من أجل تصفّح أوراق ضمّنها المقرّر موضوع الامتحان خبّأها في مكان ما، وأذكر أني تأكّدت بعد بضع سنوات في الجامعة أنّ ظاهرة الغشّ لم ترسب في التّعليم الثّانوي، بل حصلت هي كذلك على شهادة البكالوريا وانتقلت إلى صفوف الجامعيّين . وبعد أن كان ديدن البعض من غير الموفّقين في الدّراسة هو الحرص على عدم السّقوط على طريق المسير، والتّشبّث بالقافلة إلى أقصى محطّة ممكنة عن طريق الغشّ في الامتحانات ليس من أجل تحسين المستوى المعرفي ولكن فقط من أجل تحسين المستوى الدّراسي (تغليظ النيفو) الذي قد يجدي نفعا خلال البحث عن عمل، أصبح همّ المتفوّقين في الدّراسة هو تسمين النّقط خاصّة المتعلّقة بالشّهادات والدّيبلومات التي أصبحت بدون قيمة في سوق الشّغل إن لم يُحصّل عليها بميزات جيّدة ومعدّلات مرتفعة، همّ تحوّل عند البعض منهم إلى هوس استُحلّت كل الوسائل لتحقيقه، وعلى رأس قائمة تلك الوسائل اللّجوء إلى الغشّ في الامتحان بطرق تطوّرت مع تطوّر التكنولوجيا عبر الزّمان واختلفت حسب الأشخاص والمكان. وإذا كان الغشّ في الامتحان خلال المراحل الأولى للدّراسة التي تُخوّل الحصول على الشّهادات والدّيبلومات يمسّ صميم الاستحقاق، كما للدّين وللأخلاق وللقانون رأي سلبي فيه، فإنّ الغشّ في الامتحانات التي يقتضيها الولوج إلى سوق الشّغل أو التّوسّل إلى ذلك بواسطة ديبلومات تشوبها شائبة الغشّ في الأصل أو في الشّكل والميزة، إضافة إلى أنّ للدّين وللأخلاق وللقانون رأي فيه، يصيب في مقتل كبد حقوق الغير، و لأنّ مناصب الشّغل تُعرض دائما محدودة؛ فرُبّ دبلوم ميزته ممتازة ولكنّ منبته من غشّ اختلس صاحبُه منصب أخ له ذنبه أنّه اعتمد على نفسه وعلى مجهوده للحصول على ديبلوم لا تشوبه شائبة ولكنّ ميزته دون الممتاز. وأذكر أنّي تأسّفت كثيرا حين سمعت، وبعد ذلك شهدت عيناي مرارا وتكرارا وعلى مدى السّنوات العشر الأواخر كيف تمكّنت عدوى الغشّ في الامتحان من كثير من الموظّفين الذين قد يكونوا أصيبوا بها حديثا أو أصيبوا منذ نعومة أظافرهم و مراحلهم الدّراسيّة الأولى فشبّوا و ربّما شابوا، وتطبّعوا وطبّعوا مع عمليّات الغشّ في امتحانات التّرقيّة أو الكفاءة المهنيّة أو غيرها، وتلك ظاهرة لن يبرّرها حيف الإدارة في تحديد الكوطا أو محدوديّة المناصب الماليّة أو ظروف إجراء تلك الامتحانات، ولا يبرّرها كون كلّ النّاس يغشّون، و لا يسوّغها شعار “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”، هي بكلّ بساطة و شِئنا أم أبينا عمليّة سرقة موصوفة تُقترف في حقّ موظّف آخر دخل المنافسة وخاض المعركة أعزل من أسلحة الغشّ المحرّمة، فذهب جهده أدراج الرّياح وضاع حقّه بين عدم اكتراث الإدارة وأنانيّة إخوانه. وأذكر أنّه يضيق صدري ولا ينطلق لساني فأخاطب الممتحنين: أليس منكم رجل رشيد؟ وذلك كلّما علمت أو شهدت أنَ بعض المحسوبين على صفّ الّنضال يقعون كذلك في شَرَك عدوّ النّزاهة و الاستحقاق وتكافئ الفرص، فهل تستطيع إقناع نفسك يا أبا نضال أنّ النّضال ليس كُلاّ، بل يمكن أن يُجزّأ بين ما ضمّنته في ملفّك المطلبي الذي تبذل من أجل تحقيقه الغالي والنّفيس، و بين ما تقوم به في قاعة الامتحان من أساليب للغشّ تُراوح بين الالتفات إلى الخلف و يمنة ويسرة، و الاشرئباب إلى الأمام لتسوّل الأجوبة من الجيران، أو الاطّلاع عليها جهرة أو خفية من دفاتر داخل المحفظة أو من وُريقات مخبّأة هنا أو هناك، وبين استعمال الصّوت المرتفع واستعمال الهاتف النّقّال لطلب المساعدة من الجار الجنب والصّديق البعيد؟ وإن استطعت ذلك؛ فكيف ستقنع غيرك و تقنع الإدارة بمصداقيّتك و أنّ هدف نضالك هو رفاه المهنيّين ورقيّ المهنة؛ وأنت حين تغشّ في الامتحان تسوّد وجه المهنة وتسيء لزميل بجانبك أو في أقصى الوطن؟ لقد كذب من صنّف الكذب إلى أبيض وأسود، وما ناضل من فرّق بين النّضال ضد عدوّ الصّدق و النّزاهة والاستحقاق و تكافئ الفرص في السّاحة وفي قاعة الامتحان، فخض النّضال يا أبا نضال كلّه دون تجزيء أو دعه جملة وتفصيلا.