” غدي نديرو ليكم الكودرون وندخلو ليكم الواد الحار والضو والماء…” وغيرها من الوعود المتسمة بنوع من المعقولية والقابلة للتحقق، كانت أحلامنا بسيطة، وهي أبسط الحقوق في بلد غير بلدي.. هي ذي بعض الوعود التي تناوب على “تقيئها” علينا مرشحون من مختلف الأحزاب المغربية، التي كانت معروفة أنداك ، وهي ذي تاوريرت المنسية التي لا يسمع عنها المار عبر الطريق الوطنية رقم 6، إلا ما يمكن إدراجه ضمن خانة ما هو “هش” بالفعل. كان زميلي الذي يجلس أمامي في الطاولة الأولى، الجلوس بجواره كان إجباريا، والجلوس أيضا بذات المكان كان إجباريا، مكان حصلت فيه مجموعة من الأمور الطريفة، فمثلا ذات يوم ونحن نصحح بعض التمارين التي من المفروض علينا أن نصححها بالأقلام الخضراء، زميلي “غشا” كان يصحح بالأزرق ، دون علم “المعلم” طبعا، وقد انتابني شعور بأنه يجب أن أفعل كما يفعل، وقبل أن أفكر حتى، صاح زميلي في وجهي ” الغشاش ” بصوت مرتفع شيئا ما ، ولا أود أن أخبركم حينها أني كدت أن أبلل سروالي خوفا، فما كان مني إلا أن صححت بالأخضر، بل أنه كانت أخر مرة أفكر فيها بهذا الفعل. “خواف” نعم ذا الاسم الذي كان يناسبني في المرحلة الابتدائية ب 20 غشت، ولا أود أيضا أن أعلمك عزيزي المتتبع أني والدمية التي لا تحرك ساكنا كنا صديقان، أنا أيضا لا أحرك ساكنا، لكنني أحمد الله أني كنت ” خواف” ولا أحرك ساكنا، ولكن هذا الخوف كان من ” المعلم ” لا غير ، لم أكن أخشى شيئا أخر، ولا زميلي حتى. في هذه الفترة تعلمت شيئا جميلا، أن الكل يريد فعل شيء مغاير عما يمكنه فعله عادة، والكل يريد جعل بعض الأمور تخرج عن المألوف، وتاوريرت المنسية هاته، عاشت حية فينا بكل جزء بسيط فينا، فكنا لا نقدم على فعل شيء مغاير إلا مخافة من الأب أو الأخ أو الشرطي أو المعلم.. هي تاوريرت التي تأبى أن تكبر كما نحن، كبرنا نحن، وبقيت هي صغيرة في تواضعها وهشاشتها وبساطتها، تغير فينا كل شيء ، وصرنا مشتتين لا مجتمعين كما كنا. تاوريرت البارحة، كانت قرية كبيرة تجمع كل القبائل والجهات وكأنها عائلة واحدة، حين نسمع صوت ” الشيوخ ” كان الكل يهرع لمكان الصوت، ونفرح مع عائلة ” مولاي السلطان ” وكأنه من عائلتنا. … يتبع