يُرَوِّج البعض عبر "واتساب" والفيس" وغيره منشورا تحت عنوان: "عملية حسابية خطيرة جدا" مضمونه هو " والله إنها أخافتني... لو افترضنا عشت 60 عاما. لو نمت 8 ساعات يوميا في 60 عاما فقد نمت 20 عاما. ذهبتَ إلى العمل 8 ساعات فقد عملت 20 عاما. طفولتك 15 عاما ..... 3 سنوات للطعام مجموع ذلك 58 عاما . الباقي عامين فقط يا ترى كم ساعة استغرقتها للعبادة؟؟" في اعتقادي أن مثل هذه المنشورات فعلا خطيرة على مستوى العقيدة من حيث إنها تكرس الفهم الخاطئ للدين. وهي نوع من الرهبانية التي تفصل عبادة الإنسان عن حياته في شموليتها. وهو ما رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم من الرهط الثلاثة الرهبان الذين جاؤوا يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا بها رأوها قليلةفقال أَحَدُهُمْ "أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا". فأكد صلى الله عليه وسلملهم :"أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي". فالمتأمل لمضمون ذلك المنشور يخلص إلى أن الأوقات التي نقضيها في النوم والأكل والعمل وغيرها من أنشطة الحياة الضرورية ( كالحمام، ، وارتداء الملابس والتسوق...) كل ذلك ليس عبادة !!! وأن العبادة محصورة فقط في أوقات الصلاة أو قراءة القرآن (كما يشير المنشور). فالسؤال: أَلَيْس عملك عبادة تتقرب بها إلى الله؟ أليس نومك بهدف الراحة للعمل عبادة؟ أليس أكلك للحفاظ على نعمة صحة جسمك عبادة؟ أليست الصلاة وسيلة يُلْمَسُ أثرها في عملِك وعلاقاتك بين الناس لأنَّ (الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ )، والفحشاء المنكر إنما يكون في تضييع حقوق الناس بالتهاون في العمل مثلا؟ بل حتى إتيان الرجل زوجته اعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم عبادة يؤجر عليها كما يؤثم لو وضع شهوته في حرام." وَفِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ " . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : " أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ". ويربط المنشور عمليته الحسابية تلك بالسؤال يوم القيامة عن عمر الإنسان فيما أفناه. إن السؤال عن العمر هنا ليس عن مدة زمن الأكل والنوم والعمل طالما كان زمنا وَسَطِيُّا بلا إفراط ولا تفريط. إنما السؤال عن تضييع وقت هذه الأفعال دون استثمارها في عبادة الله. واستثمارها في عبادة الله يكون حتما بالإخلاص في العمل وتحري الدقة في أداء الواجب ليكون عملك عبادة بإتقانه، وأكلك حلالا من مصدر عملك، ونومك راحة ونعمة وعبادة، وهكذا تكون صلاتك وقراءتك للقرآن متكاملة مؤثرة في حياتك كلها وهذه هي شمولية الاسلام. فترويج ونشر مثل هذا الفهم القاصر والمغلوط هو تكريس لرَهْبَنَة الإسلام التي يريدها خصومه اليوم بالتوجه نحو الانغماس في عبادات جوفاء لأثر لها على حياة الفرد والمجتمع والدولة.