أردت بدء مقالتي هاته بهذا السؤال الفلسفي: هل نحن فعلا شعب ذو الوجهين؟ مناسبة طرحي لهذا التساؤل الاستنكاري,هي قصة قصيرة طرأت لي قبل يومين,وبينما كنت مع صديق لي بإحدى مقاهي مدينة ازمور,دار جدال قصير بيننا,حول تنظيم مهرجان جوهرة بالمدينة,وهل مدينتنا محتاجة لمثل هذه المهرجانات,وهي كما هي عبارة عن حفر واتربة و أشغال لا تنتهي,وأموال ضائعة بين هذا وذاك...ملك عام محتل...رمال تسرق....غابات تنتهك.... في جدالنا,كنت أكثر الناس تفاؤلا بأننا شعب واع,شعب يعرف حق المواطنة,في حين صديقي كان متشائما"ربما لأنه عاش في هذه المدينة أكثر مما عشت فيها",بحكم مهنتي الصحافية قلت له : ما رأيك في أن نعمل استفتاءا لبعض الاشخاص ونعرف رأيهم في موضوعنا المطروح؟ وافق صديقي وتحداني بأنني لن أجني الا الخيبة. قابلت اشخاصا كثر,وكلهم أبدوا أنهم لا يريدون اقامة مهرجان في هذه الظرفية,وبأن المدينة في حالة يرثى لها,وبأنهم سيقاطعون المهرجان. عدت لصديقي بنتيجة الاستفتاء,وأخبرته بأن جل المستجوبون يؤكدون على الرفض لاقامة هذا المهرجان في هذه الظروف,وكذلك بأنهم لن يحجوا للمكان الذي تقام فيه المنصة,وذلك حتى يؤكدوا للمسؤولين بأنهم ليسوا بحاجات لمهرجانات بقدر حاجاتهم لتهيئة مدينتهم,وتشغيل معطليهم,وتأمين حياة ساكنة المدينة ووووو أشياء كثيرة تحتاجها المدينة عوض "دردك عاود دردك"... ما زال صديقي في عناده وعدم تصديق الكلام الغير المفعل. قال لي:غدا لناظريه قريب,غدا سوف نرى هل فعلا استفتاؤك له مقومات استراتيجية أم فقط مستجوبوك لهم أوجه عدة؟ فعلا في يوم أو بالاحرى ليلة اقامة المهرجان بالمدينة,وفي حدود الساعة العاشرة والنصف ليلا,خرجت من منزلي لأرى مدى مطابقة استفتائي لأرض الواقع,فإذا بي أصدم وفي غير عادة هذه الشهور الصيفية, بشارع مدينتي الوحيد فارغ الا من بعض من المارة هنا وهناك,تساءلت هل سكان مدينتي هاجروا الى مكان غير معلوم؟ هل الشباب والفتيات والذين كنت أشكوا من أنهم يسهرون ويقتلون الوقت ليلا بدل النهار,ويقلبون المعادلة القياسية للزمان والتي هي العمل نهارا والنوم ليلا...هل وجدوا العمل الذي سيلهيهم عن التسكع ليلا؟ هل ...هل ...هل...أسئلة كثيرة تزاحمت داخل اعماقي,ولم أجد لها الجواب الشافي. قلت في نفسي مادمت انني أتسكع في الشارع مع القلة القليلة,لماذا لا أخطو خطوات بسيطة الى مكان المنصة التي تصدح الان بالاغاني,فعلا مع كل خطوة تقربني مسافة للمكان المحدد,تعطيني اجابة عن الاسئلة المتراكمة داخلي عن أين الشباب, أين النساء ,بل أين الاطفال... مع وصولي لمكان المنصة المقام فيها المهرجان,صدمت لهول ما رأيت,جيوش عرمرم من البشر,لم أصدق عيناي فركتهما أكثر من مرة,لكن الصدمة مازالت كما هي. هل ساكنة المدينة حلوا كلهم او جلهم الى هذا المكان لاحياء ليلة الغناء والرقص؟ أين هؤلاء المستجوبون؟ أين أنا من كل هذا؟ بل أين صديقي صاحب فكرة المقاطعة؟ هاه ...هاه ...هاهو صديقي يرقص مع ايقاع الموسيقى الصاخبة,حملت كاميرتي صورت بعضا من هؤلاء وعدت ادراجي والخيبة تملأ قلبي...