يبدو أن الخطابات حول إصلاح حال التربية والتكوين بالمجتمع المغربي كثيرة وغزيرة، غير أنها لم تجد طريقها للفعل والتنزيل الأمثل، كما أن الإصلاح في نظر الفاعلين يصور كحلقة مفقودة في بحر الظلمات من الصعب العثور عليها. مما لاشك فيه أن البداية الحقيقة لمحاولة إصلاح التعليم بالمجتمع المغربي كانت مع إطلاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، ميثاق حددت له العشرية الأولى من2000 لإعلان نتائجه وتقديم حصيلته، وهي فترة لم ينتظر القائمون على الشأن التربوي نهايتها، وأعلنوا عن ماسموه بالمخطط الاستعجالي 2009/2012 لإنقاذ المدرسة المغربية من السكتة القلبية، والذي جاء بناء على تقارير المجلس الأعلى للتعليم، إلا أن الواقع التربوي بالمجتمع المغربي شهد على فشل هذا البرنامج في كل مستوياته، رغم أنه رفع شعار مدرسة النجاح ورصدت له ميزانية ضخمة فإنه فشل في تقديم العلاج الشافي لهذا المرض الطويل. فلنعد إلى الميثاق الوطني وبعد الإطلاع على محتوياته يتبين أنه وثيقة جامعة مانعة، تطرقت لجميع جوانب التعليم وعملت على معالجتها وإصلاحها، من الغايات والأهداف إلى تعميم التمدرس إلى التنظيم البيداغوجي إلى تكوين المدرسين وتحسين أوضاعهم إلى الجودة إلى التسيير والتدبير إلى التمويل…إلخ. ومن حيث الأهداف والغايات فإن "إصلاح نظام التربية والتكوين ينطق من جعل المتعلم بوجه عام، والطفل على الأخص، في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية.." كما أن المدرسة المغربية الوطنية الجديدة حسب الميثاق تسعى إلى أن تكون : – مفعمة بالحياة؛ بفضل نهج تربوي نشيط يجاوز التلقي السلبي والعمل الفردي إلى اعتماد التعلم الذاتي، والقدرة على الحوار والمشاركة في الاجتهاد الجماعي. – مفتوحة على محيطها بفضل نهج تربوي قوامه استحضار المجتمع في قلب المدرسة، والخروج إليه منها بكل ما يعود بالنفع على الوطن…" – تحترم في جميع مرافق التربية والتكوين المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل والمرأة والإنسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية. – يعمل نظام التربية والتكوين على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، وحق الجميع في التعليم، إناثا وذكورا، سواء في البوادي أو الحواضر طبقا لما يكفله دستور المملكة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أين نحن من هذه الغايات؟ لماذا لم يتغير أي شيء في تعليمنا؟ ما سبب فشل هذا المشروع الوطني؟ إلى متى سيظل تعليمنا مختبر لتجريب المخططات والبرامج؟؟ (لن نجيب عن هذه الأسئلة لأن الواقع مستمر في تقديم الإجابات). بعد الميثاق والبرنامج الاستعجالي وبعد جملة من المحاولات والمناظرات الرامية لوضع قاطرة التعليم في سكته الصحيحة، سارع المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى الإعلان عن رؤيته الإستراتيجية 2015/2030 التي تمت صياغتها من أجل بناء المدرسة المغربية الجديدة أي مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة والارتقاء… وغيرها من الشعارات والأحلام. جاءت الرؤية الإستراتيجية واستبشرنا بها خيرا، وعمل الفاعلين التربويين على تنزيلها لتقليص الفجوة بين الخطاب والممارسة، وانخرط الجميع في ابتكار الحلول العملية والفعالة لتحقيق الإصلاح المنشود. فجئتنا حكومة العثماني بمشروع إلغاء مجانية التعليم، معللة تخبطها و فشلها في أن الأمر سيستهدف فقط الأسر الميسورة وسيستثني الأسر المسحوقة اجتماعيا. وصفوة القول نختم هذه المحاولة ببعض الأسئلة التي ننتظر من القائمون على هذه القرارات المنافية للغايات والأهداف الكبرى التي أقرها الميثاق الوطني للتربية والتكوين وكذا الرؤية الاسترتيجية. أليست هذه بداية لخوصصة قطاع التعليم؟ هل هذا هو الإصلاح المنشود؟ هل هذه هي الجودة وتكافؤ الفرص وتعميم التمدرس؟ هل الأسر الميسورة في الأصل تلتفت للتعليم العمومي؟ أليس التعليم العمومي هو الملجأ الوحيد للأسر المعوزة التي هي الأخرى فقدت ثقتها فيه؟ هل المغاربة مستعدون لدفع فاتورة التربية والتكوين في قطاع متخبط في العشوائية؟ المراجع – المملكة المغربية، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، الميثاق الوطني للتربية والتكوين. – المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الرؤية الإستراتيجية 2015/2030