فضيحة "مهداوي غيت" أو كافكا على ضفاف أبي رقراق    بنسليمان: البرلمان ليس ساحة ل"التبوريد" واستعراض العضلات بل فضاء لمصارحة المواطنين    وزارة التربية الوطنية تطلق "إحصاء الموظفين" وتشهر ورقة الاقتطاعات    بنعلي: الحكم الذاتي فضاء للاندماج    احتجاج جديد لعمال فندق أفانتي رفضاً للطرد التعسفي وتنصّل الإدارة من التزاماتها    "التغطية الإعلامية للتظاهرات الرياضية" محور دورة تكوينية تنظمها مندوبية حقوق الإنسان    جمعيات حماية المستهلك تفنّد إشاعة حول زيت الزيتون السوسي وتطالب بوقف ترويج الأخبار المضلّلة        العزوزي يعود إلى الواجهة رفقة أوكسير    موعد مباراة الوداد ونايروبي يونايتد والقنوات الناقلة    حملة أمنية بأكادير تفكك شبكة خطيرة لترويج المخدرات    توقيف شخصين بعد اعتداء موثق بفيديو    توقعات طقس اليوم الأحد بالمغرب    مزاد خيري يبيع كاميرا البابا فرنسيس بأكثر من 7 ملايين دولار    لجنة الأفلام وCompany 3 تطلقان تعاونًا يعزز مستقبل ما بعد الإنتاج في المنطقة    النجم التركي إنجين ألتان دوزياتان في مهرجان الدوحة السينمائي:    تصوير فيلم "عُطيل" في الدوحة بمشاركة نخبة من نجوم هوليود    أرقام جديدة تؤكد الإقبال المتزايد على تعلم الإسبانية في المغرب    تكريم الفنانة المغربية لطيفة أحرار في افتتاح أيام قرطاج المسرحية بتونس    دراسة: استخدام الأصابع في الحساب يمهد للتفوق في الرياضيات    أكثر من ألفي شخص يتظاهرون "ضد الظلم" في تونس    فضيحة استنزاف الماء ببوروس الرحامنة... آبار عشوائية تغذي مشاريع ترفيهية وتهدّد سكان الدواوير بالعطش    اجتماع لجنة القيادة الجهوية لبرنامج مؤسسات الريادة بجهة طنجة–تطوان–الحسيمة    الشرطة تحتجز الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو    "بابا والقذافي" في مهرجان الدوحة السينمائي    المغرب يتوج بلقب "وجهة السنة" في "جوائز السفر" 2025 ببروكسيل    أوكرانيا.. اجتماع أوروبي أمريكي في جنيف لمناقشة خطة ترامب لإنهاء الحرب    نهضة بركان يستهل مشواره في عصبة الأبطال بفوز مستحق والجيش يتعثر    إعصار "فينا" يضرب الإقليم الشمالي لأستراليا ويتسبب بأضرار واسعة وانقطاع الكهرباء    رغم اتفاق وقف إطلاق النار.. 21 شهيدا في قصف إسرائيلي جديد    شائعة وجود مغارة ذهبية تفرض حظر التجول في جنوب سوريا    طقس الأحد: انخفاض كبير في درجات الحرارة وصقيع فوق المرتفعات    المغرب يتموقع ضمن الوجهات الأكثر جذبا للاستثمار في المنطقة (سفير)    90 قتيلا في حصيلة فيضانات فيتنام    "كوب 30" تتبنى اتفاقا بشأن المناخ    محكمة الحسيمة تُصدر حكمًا في حق المتهم بجريمة القتل بشاطئ السواني                التساقطات المطرية تساهم في خفض أسعار زيت الزيتون بشمال المغرب    عصبة الأبطال الإفريقية (دور المجموعات -الجولة 1).. فريق بيراميدز المصري يفوز على نظيره ريفرز يونايتد النيجيري (3-0)    نهضة بركان يستهل "الأبطال" بفوز ثمين    أحمد الشناوي يعلق على استبعاده من جائزة الكاف    وضع سيدة مولودها داخل إحدى عربات "الترامواي".. مستشفى مولاي عبد الله بسلا لم يسجل أي ولوج للمعنية بالأمر إلى مصالحه (بلاغ)    نهاية مشرفة في مشوار فتيان الأطلس بمونديال قطر... والتحكيم تحت المجهر من جديد    الأميرة للا مريم تترأس حفل الاختتام الرسمي للمنتدى الإفريقي الأول لبرلمان الطفل    جلالة الملك يهنئ الجيش الملكي النسوي عقب تتويجه بدوري أبطال إفريقيا للسيدات    تنظيم مهرجان فاس السينمائي العربي الإفريقي    بوعرعار "كبير المترجمين".. سفير لغوي متجول بارع ودبلوماسي "فوق العادة"    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد يايموت يكتب: الإسلاميون والاختيار الديمقراطي بين التبرير والتجاوز
نشر في العمق المغربي يوم 21 - 08 - 2016

لا يتوفر الإسلاميون وهم يتحركون في عالم السياسة، عبر خريطة المحيط والخليج على مركز بحثي علمي جدي ينتج المعرفة الجماعية. ولذلك تخضع عملية الاجتهاد السياسي للفردانية التعقلية، وتخضع هذه الأخيرة لدينامية المحيط الأسرع منها؛ وهذا يجعل من الفكر تابعا للممارسة، وليس تابعا للوعي بالدينامية وطبيعة التحولات السوسيوسياسية لشعب أو أمة.
ولأن هذا المعطى تسرب لجوانية وعي المثقف الإسلامي المعاصر-البعض على الأقل-، فإن أرقى درجات الاجتهاد انحصرت في القدرة على التطور ومجاراة الواقع؛ وقد تعني معاكسته، وتعمد الإثارة وامتهان النقد بوصفه مخرجا من تعقيدات الفكر والواقع معا. واقع استبدادية وسلطوية الأنظمة العربية الراهنة، وتضيقها على الحرية الأكاديمية؛ في زمن انتشار الفكري الديني المنشد لتاريخ مأزوم، من الصراع بين وإرادة الأمة والدولة.
غير أن واقع الفكر السياسي العربي عموما وفكر بعض الإسلاميين التحديثيين، أثبت أن مجاراة ومعاكسة الواقع رغم ما يظهر عليها من تناقض سطحي، هما بالفعل في الطرح والرؤية العلمية شيء واحد من حيث انتمائهما لمدرسة وفكر التبرير الاستبدادي، فكر مثقف السلطان -في التقليد الإسلامي-.
ولتجاوز هذه الحالة المعرفية في القاع المجتمعي وفي ذهنية المثقف، لا بد من مؤسسات للتفكير المتنوع وسط بؤرة أكاديمية إسلامية المنطلقات متعددة التخصصات؛ تعيد فحص الأفكار وتحويل هذا الفحص والتدقيق المتبادل، لتقليد معرفي أكاديمي كما هو معمول به في مراكز البحث عند المثقف الغربي حاليا.
وليس هذا بغريب عن الخبرة العلمية الإسلامية؛ ذلك أن هذا التداول العلمي، أنتجته لأول مرة في التاريخ، مدرسة الغرب الإسلامي بالأندلس، من خلال مجامع الفقه، وارتباط الفقيه بالمجمع. كما شهدت جامعة القرويين شيئا من هذا في العصر الحديث.
وغير خاف عن أي باحث جدي في التاريخ والفكر السياسي، كون المعرفة لا تنفك عن التحيز الحضاري، ولا يصبح الطرح الأكاديمي علميا إلا بقدرته الفائقة على التحليل، والتفسير لا وصف الظاهرة وخصائصها.
وفي علم السياسة كما التاريخ لا يخلق الواقع مذهبا في النظر بقدر ما يخلق خبرة في المسير المجتمعي العام، فيأخذ المؤرخ السياق والسبب لتفسير "النتيجة"، فيما يطرح عالم السياسة أسئلته التحليلية، ماذا وقع؟ وكيف وقع؟ ولماذا وقع ما وقع؟، مما يسمح له بالوصول لعمق الظاهرة المتحركة في زمن البحث.
غير أنه وفي كل أحوال الطرح العلمي، فإن التمسك بالفردانية المنهجية -التي عمد ماكس فيبر على نقدها بشكل ناسف - لا تخدم الطرح العلمي؛ لأنها ببساطة تزعم أن العلة والسبب واحد - نظاما سياسيا، أو حزبا، أو فكرة معينة، سياقا تاريخيا، أو أطروحة سياسية معينة، أو تنظيما إرهابيا، أو فردا ملكا كان أم زعيما دينيا أو سياسيا...-.
وعلى العكس من ذلك يصبح الاجتهاد الفكري علميا ومتنورا ومجددا من منظور حضاري إسلامي، حينما يخلق قدرة علمية على تجاوز ما يطرحه غير المثقف في مجال الفكر والنظر المعرفي والسياسي؛ وكذلك تجاوز ما تم التخلي عنه، منذ عقود من الزمن من الناحية المنهجية العلمية، من مثل الفردانية المنهجية وسياقها الليبرالي المتخلف.
وفي مجال العلم والمعرفة، لا بد من طرح ينطلق من منظور المرجعية الإسلامية، وقيمها الصلبة؛ من مثل العدالة بوصفها نواة منظومة القيم، والحرية، باعتبارها سنام أمر المنظومة، والديمقراطية (الشورى) باعتبار هذه الأخيرة مشاركة شاملة في تدبير السلطة والأمر العام.
وحينما نتحدث هنا عن المرجعية، فإننا لا نعتبرها فقط أعلى مستويات التجريد الغير قابل للتجاوز. بل كذلك باعتبارها منظومة علمية متسقة تقوم على قاعدة صلبة من القيم التي تتمتع بالثبات القيمي والتطور المفاهيمي، عبر زمن ممتد من الخبرة التاريخية.
وهكذا يتطور الفكر والتحليل السياسي بتطور علوم الخبرة الاجتماعية، والتي لا تخلو من تحيز في النظر والمنهج، تبعا للقيم الحضارية لمدرسة ولمدارس تلك العلوم. ومن هنا ندرك علميا لماذا تنظر المرجعية الإسلامية للاستبداد، بشكل سلبي مقيت، وتطرح قيمة الحرية، لتفكيكه، ورفضه، ورفعه عن واقع الإنسانية جملة وتفصيلا. بينما تطرح الشورى أي الديمقراطية، لترتيب مستويات ممارسة الحرية العامة، والفردية، معلية بالديمقراطية من شأن الحق العام عن الشخصي والفرداني بالتعريف الليبرالي.
ومن هنا، نرى أن توسيع الاختيار الديمقراطي بالمغرب والعالم الإسلامي، وتحقيق الانتقال الديمقراطي، لا يتوقف على تطوير الإمكانيات التي تتيحها الديمقراطية الحديثة الليبرالية، ومنه التدافع مع القوى الحزبية المستبدة، والمؤسسات الدستورية المستبدة. بل يتعداه إلى تعديل أصوله الديمقراطية، ومؤسساتها، وتعريضها للتجديد المرجعي، وتكييف نظامها المؤسساتي، مع الخبرة العربية المغربية ومسالكها.
وعلى هذا الأساس لا بد من تطوير النظام المؤسساتي الأهلي (المجتمع المدني)، ليصبح جزءا لا يتجزأ من نظام التمثيل الشعبي المغربي، في كل مستويات المؤسسات التمثيلية، الحائز لسلطة التقرير والتشريع، والتقويم والمراقبة الدستورية.
ولا بد من أن يمس التجديد والتوسع كل ما يتعلق بمؤسسات الديمقراطية الحديثة، وآلياتها الإجرائية، وبما يشمل توسيع الطابع "التقريري"، والتشريعي، للمؤسسات. وواقع الأمر أن ذات الأدبيات المعاصرة لعلم السياسة في بريطانيا، وأمريكا قد دعت إلى الخروج من الانحصار التمثيلي المؤسساتي في البرلمانات باعتبارها السلطة التشريعية المقررة ديمقراطيا.
لقد طرحت هذه الأدبيات فيما طرحت، فكرة تتجاوز الأدبيات السائدة عن الديمقراطية، عندما دعت إلى خلق "محاكم ناخبين" وهي "هيئة محلفين من المواطنين للتشاور حول القضايا العامة الرئيسية، إما مؤسسة على قاعدة المحاكم الحالية نفسها، أو معدلة لضمان تمثيل إحصائي صحيح لجميع الفئات السكانية الرئيسية". (دفيد هيلد: نماذج الديمقراطية، ترجمة فاضل جتكر، الجزءان الأول والثاني، معهد الدراسات الاستراتيجية، بغداد، الطبعة الأولى 2006 ص 546).
وتبعا لهذا السياق؛ أصبح من اللازم على المثقف التحديثي المدافع عن المرجعية الإسلامية، مجاراة التنظيرات المعاصرة للفكر السياسي الغربي الديمقراطي؛ كما أصبح من اللازم عليه أن يخرج من البركة "المعرفية" الآسنة، لمدرسة التبرير والاستبداد باسم الاستقرار، وتنافي الصراع والسقوط في الفتنة. ذلك أن استبداد الدولة الحديثة ونظمها السياسية، التي عمرت طويلا في الجغرافية العربية الإسلامية لم ينتج إلا الحروب الأهلية، وضياع دين ودنيا الناس بضياع الحق الأصيل للأمة والمجتمع في منح ومراقبة السلطة السياسية ومحاسبتها ومعارضتها، والصراع السلمي معها إذا لزم الأمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.