دخلت غرفة مظلمة كماضيها، لا إضاءة ولا أثاث، ما عدا نافذة متوسطة الحجم تطل على مقبرة تذكرها بالموت... جلست جلسة القرفصاء وبدأت تتذكر تفاصيل ماضي تستعير منه، تستنجد المولى نسيانه حين تنظر إلى السماء العالية...إنه ماضي مقرف، أحداثه جارحة... رسم على جبينها العريض وصمة عار ونظرة اجتماعية تنعتها ب " أنت لا شئ...توصلي لي وصلتيه كتبقاي بنت الحرام ما عندك أصل..." بلسان طفل غير شرعي تتحدث...تسأل مرات عديدة... من يكون أبي؟؟؟ بنظرة ماقتة تتساءل عن طبيعة نظرة المجتمع لها، نظرة شفقة تختلط بحب خالص، نابع من الأعماق، مصدره واحد، الأم.... أحس بمعاناتها ...تحاول تغيير قدرها ...ليس لها خيار سوى الصبر والعناية بأمها التي تبقى في جميع الحالات، الحبيبة التي لم تتركها حين تركها والدها في دوامة المتناقضات والأسئلة المعقدة ويبقى السؤال المطروح ...من أناااااا؟؟ لا تملك حق العتاب أو الرد، تعابير وجهها الملائكي ترفض وبشدة ما قامت به والدتها، تعاتب استسلامها لرغبة خارج مؤسسة الزواج...نزوة دمرت الماضي والحاضر والمستقبل ما دامت تعيش في مجتمع صعب، يهتم بالأصل والنسب وأول أسئلته... ابن من أنت ؟؟؟ _ الأب ديالك أبنتي كنت كنبغيه بزاف...قال لي "أنا مكنصبرش واش بغيتي نمشي عند شي وحدة"...طبعا أنا كنت كنبغيه بزاف أ خفت لا يمشي أ يخليني... خفتي عليه هو؟؟؟ وأنا ما خفتيش علياااااا؟؟؟؟ ليس لدي أب شرعي، لكن هناك أبا نموذجيا بنيته في مخيلتي، رجل بمعنى الكلمة، يحبني في الخيال ويسعدني في أحلامي، نقضي أوقاتا ممتعة ...لا أسأله عن ماضيه ولا حاضره وهل سيبقى معي في المستقبل؟؟ أستمتع بلحظات حنان الأب وعطفه وخوفه علي، رغم أنها من نسج خيالي ... أحيانا نستمتع بالخيال، لأن الواقع سلب مني ابتسامتي السليمة من كل الجروح والقروح ومخلفات الماضي، ليجعلني أبتسم ابتسامة أمل وفرح، فيظنون أني أعيش السعادة المطلقة، وأن الحياة منحتني كل المعنويات، ظنون تتجه في منحى واحد، السعادة... تسترسل الحديث... تحية حب أبعثها إلى كل أب حافظ على أسرته رغم المشاكل التي يعانيها، فالمسؤولية صعبة ونحن نقدر ذلك، إلا أنك سيدي تقوم بأشياء تدخل الفرحة والسرور على قلوب أبنائك، الذين يفتخرون في قرارات أنفسهم بك، رغم عجزهم التعبير عن ذلك...يحبونك ويأملون تعويضك وإسعادك... لي عندو شي أب يحافظ عليه ا يتهلى فيه، واخا يكون صعيب أو غير مسؤول...راهم كلشي في حياتنا...