قادتني مناسبة عيد الفطر اليوم للغوص في جذوري القبلية ، نزلت بقلب الدوار الذي تفرعت منه سلالتي ،شعرت كأنني أسبح في بركة دمي وأعانق شجرة جيناتي الطبيعية. لا أخفيكم سرا فقد شعرت بقوة الانتماء وتحركت بأعماقي توترات القبيلة ورواسبها العصبية الهجينة.، شعرت بالنشوة واستغرب أهلي بذهول حضوري. تهامس بعضهم وقرأت في أعينهم التوجس !!! أقدر توجسهم وكيف لا أنا الغائب دوما عن نمط حياتهم اليومي، الغائب عن جنائزهم التي يقيمون دفنها جماعة وسط عويل العجائز وعنفوان الكهول، الغائب عن انشراحهم البسيط وأعراسهم التضامنية ، الغائب عن اختلافاتهم الدائمة: خصام الأقارب والأصهار، نزاع الإرث، ترسيم حدود الأراضي ، فتح الممرات والمسالك، حفر الآبار، التزود بشبكة الكهرباء والإنارة العمومية ،تدبير أراضي الجموع ... توجس أفراد الدوار واستغرابهم لم يصادر حفاوة الاستقبال وانتقاء أفضل الفراش ، شعرت بحميمية العناق وبراءة القبلات،و ترفع الجميع عن السؤال فسادت التلقائية رغم الغياب. المناسبة اجتماع للحسم في مصير فقيه الدوار،والبداية مائدة الطعام عربون المودة والإخاء،سبقتها أباريق الشاي والرغيف الدسم، أكل الجميع بدعابة وانشراح بين الفينة والأخرى يهزك هزلهم وتغرقك قهقهة نكتهم البدوية، غير عابئين بما مضى وبما سيأتي، يعيشون لحظة بلحظة وينتهزون فرص الانشراح ولو كلفتهم المناسبة المغامرة بكل ما يملكون. بعد وجبة الغداء، جيء بالشاي من جديد، وتراخى الكهول متكئين جنبا جنبا،وفتح أمر الفقيه بتلقائية ، فتح الحوار بدون استهلال وبدون مقدمات،يتكلم الكل دون انتظار ودون الامتثال لرتابة توزيع الأدوار،الأفكار القوية تخرس الضجيج والهرطقيات تذكي المزيد من الفوضى واللامبالاة، الأدوار موزعة تلقائيا دون تشويش، هناك من يعد الشاي وهناك من يناول الناس للغسيل وهناك من يحفر القبور ومنهم مم يقسم الحدود العرفية ومن يقيم الصلح و يحسم في أخطر المشاكل العالقة. دفعني فضولي بالسؤال عن سبب عدم حضور ممثل الدائرة الانتخابية، تبادلوا النظرات باشمئزاز،تشجع احدهم فأجابني بأسلوبه التهكمي المعهود: لسنا في اجتماع المجلس الجماعي. التزمت الصمت والحياد فتابعوا تلقائية الحوار. لقد احضروا الفقيه لإشراكه في الحوار لمنزلته الدينية ولمصارحته على ضوء المستجد. نعم ،الفقيه يتقاضى اليوم أجرا من وزارة الأوقاف فكيف يحق له الجمع بين الأجرة والواجبات السنوية التي سنها أهل الدوار، تساءل أحد الحاضرين؟. قاطع أحدهم الجميع قائلا بجرأة غير معهودة: الفقيه أصبح تابعا للمخزن ألا يحق لنا اليوم طرده أو عزله كما فعلنا بسابقيه؟ الفقيه اليوم في ورطة التوفيق بين إرادة أهل الدوار وإرادة أهل التعيين، لقد خير بإجماع الحاضرين بين الاكتفاء بمبلغ 800.00 درهم التي يتقاضاها من وزارة الأوقاف وبين الاكتفاء بواجبات الدوار السنوية على قلتها، تأسفت للإحراج الذي يكبل موقف الفقيه لدرايتي بوضعيته المزرية، تساءلت كيف سيعيل أسرة وأطفال ووالدين و... خلصت أن لا خيار للفقيه غير الرحيل، لعلمي اليقين أن تدخل الدولة في تلقائية الاختيار اغتصاب لإرادة الدوار، وكيف أصبح الفقيه شأنه شان العضو المنتخب محط شبهة وارتياب.