إن إمكانية التوافق بين الإسلاميين واليسار أصبحت الآن تطرح نفسها بقوة، ويراهن الكل على أنها السبيل الوحيد لإصلاح أي نظام، على اعتبار أن اليد الواحدة لا تصفق .. و أن ما تم هدمه سنين لا يمكن أن يصلحه مكون واحد من مكونات الشعب، أو يتحمل مسؤوليته لوحده، من دون أي إطناب سياسي أو مزايدات، لأنه لا أحد يملك عصى سحرية تمكنه من إصلاح الأوضاع في ظرف وجيز. وقد باتت الأنظمة المتهاوية تحارب كل ما من شأنه أن يساهم في جمع شتات الفضلاء الديمقراطيين الذين يسعون إلى تحسين ما بالمجتمع من أوضاع كارثية على جميع المستويات(اقتصاد، سياسة، إدارة، تعليم...)، والتي يتذوق مرارتها الشعب بكل أطيافه (موظفين، مستخدمين، فلاحين، معطلين، عمال...) سواء إسلاميين أو يساريين.. كما أن مسألة طمس كل معالم هذا التوافق قضية تقض مضجع كل المستبدين، على أساس أن في الحفاظ على هذا التشتت فرصة كبيرة لاستمرار الفساد والاستبداد الذي تجدر بقوة في المجتمعات، نتيجة التحكم في كل دواليب الحكم من قبل جهات نافذة شكلت دولة عميقة أصبح القضاء عليها واجتثاثها يتطلب سنوات ضوئية، لكن رحمة الله عز وجل قريب من عباده الصالحين، عسى أن يطوي لهذه الأمة المستضعفة مراحل التغيير . وقد أصبحنا نرى سقوط رموز الفساد واحدا تلو الآخر، فيعتقد الثوار أن الأمر قد انتهى بضربة لازب عند إزالة الرأس، لكن سرعان ما يظهر الاستبداد في حلة جديدة، حيث تبقى جيوب المقاومة متلبسة سواء في زي مدني(ثورة تونس) أو عسكري(ثورة مصر)، وهذا راجع للولادة القيصرية التي ظهرت بها هذه الانتفاضات نتيجة لغياب مشروع مجتمعي تغييري لدى الثائرين، حيث أن الانطلاقة لم تكن كاملة شاملة تضم كل أطياف المجتمع المدني، فكانت تأثيرات ذلك على الفعل النضالي بارزة من خلال غياب التأطير في الأشكال النضالية وسهولة اختراق هذه الأخيرة، والتي ترتب عنها ظهور عنف وتخريب للممتلكات الوطنية.. لذا بات من الضروري على كل من استوعب واستبصر الدروس والعبر من الثورات التي عرفتها الدول العربية والتي تنسمت رحيق الربيع العربي، حيث بات القاصي والداني يعرف مآلاتها وأسئلة مراحلها وأفقها، أنه آن الأوان لكل رجال الإصلاح سواء منهم من ينادي به من الداخل أو الخارج ذوي المروءة إسلاميين كانوا أو يساريين، ولنا في هذا درس حديث عهد يتعلق بتوافق الإسلاميين باليساريين الذي أفرزته ثورة الياسمين وما أسفرت عنه من نتائج إيجابية على علتها، لكن يمكن اعتبارها النموذج الأمثل لحد الساعة، حيث تبقى هي الرائدة.. لذلك وجب أن يتركوا وراءهم اديولوجياتهم..ويضعوا نصب أعينهم مصلحة الوطن ويعدوا ميثاقا وطنيا أو جبهة تاريخية أو قطبا ممانعا أو سميه ما شئت على أساس أن العبرة ليست بالمسميات أو الأشكال بقدر ماهي بقيمة التضحيات، يكون بمثابة خريطة طريق ترسم معالم التغيير المبني على التعاون وتقبل الآخر وأن الجامع أكبر مما هو مفرق وهو الوطن والشعب، حيث يكون هذا الأخير فيها حكما أساسيا لا يمكن تجاوزه حين يترك له الخيار وحق الاطلاع على بنود هذا الميثاق وفق الآليات الديمقراطية المتداولة من دون فرض أي توجهات سواء ذات طابع إسلامي أو يساري..لاعتبار أن ما يحتاجه هذا الشعب وفق فقه الأولويات هو توفير الحرية والسكن والعمل وتوزيع الثروات والتطبيب والتعليم..فأذن الجائع لا تسمع إلا صوتا يبشره بالخبز.