افتتح معهد ثيربانتيس مساء أمس بمقره بالرباط معرضا لصور فوتوغرافية تنتمي إلى رصيد مؤسسة "البيت العربي" بإسبانيا تحت عنوان "من قرطبة إلى كوردوبا". ويزخر المعرض بلوحات فوتوغرافية مبدعة لمآثر تاريخية تتصل بقرطبة وما جاورها، تعود إلى الفترة الإسلامية بهذه المدينة ذات التاريخ الأندلسي العريق. وكان "البيت العربي" قد نظم هذا المعرض "من قرطبة إلى كوردوبا" في أبريل 2012 بمشاركة نشطة من سكانها، وكان الغرض من ذلك تثمين الإرث الإسلامي المتنوع والغني في هذه المدينة والمنتمي إلى المرحلة الأندلسية. كما يبرز المعرض مجموعة متنوعة من التفاصيل الزخرفية الشاهدة على روعة ماضي المدينة، وجمع هذه العينات يسلط الضوء على الآثار الرمزية والأبواب والأبراج والمنارات والحمامات، بما في ذلك أمثلة عن الفن المدجن، بكونه آخر نمط معماري في شبه الجزيرة الإيبيرية، متأثرا بالأندلس ومستوحى منه. يذكر أن قرطبة أعلنت عام 1994 إرثا إنسانيا، وهي معروفة عالميا بماضيها العربي الإسلامي، هذه المدينة التي كانت من قبل رومانية فبيزنطية فقوطية غربية توصلت في عهد الأمويين إلى درجة من التنمية المعمارية والثقافية جعلت منها إحدى المدن الأكثر أهمية في العالم، وتشهد على ذلك معالم معروفة بروعتها كالمسجد/الكاتدرائية والمجمع المعماري لمدينة الزهراء وهي أمثلة بارزة عن المعمار العربي في إسبانيا. وفي منشور تقديمي للمعرض، قال رافائيل بلانكو غوثمان باحث من جامعة كوردوبا، أن قرطبة تحولت في أعقاب فتح المسلمين في عام 711 م من كونها مكانا ثانويا في شبه الجزيرة الإيبيرية إلى مركز لها بوصفها عاصمة الأندلسº وفي السنوات الأولى من فترة الحكم التابع لخلفاء دمشق لم تحدث تغييرات عمرانية كبيرة بل أعيد استخدام وتعمير المباني والبنى التحتية الموروثة ومن بينها الجسر والفضاء الروماني المسور أو القصر القوطي. وأضاف أنه في أواسط القرن الثامن فر الأمير الأموي عبد الرحمان الأول من المشرق أيام حكم العباسيين ليستقر بالأندلس، وفي قرطبة أسس إمارة جديدة مستقلة (756 م)، وشرع بعملية "أسلمة" حقيقية للمدينة من خلال معلمين واضحين هما قصر أمية ومسجد الجامع الكبير، ومثل كلاهما انعكاسا للتغييرات الجديدة التي شهدتها المدينة، والتي شملت تكثيف العمران والتوسيع الأولي باتجاه الخارج من خلال الضواحي المتشكلة حول بعض البؤر الجاذبة كالقصورº هذا ما حدث مثلا مع الرصافة التي بنيت شمال غربي المدينة والتي استخدم فيها عبد الرحمان تصميما مماثلا للزيتونة، مقر إقامة جده الخليفة هشام. واستطرد غوثمان أن عبد الرحمان الثاني أنجز أول توسعة رئيسية للمسجد باتجاه الجنوب الشرقي (840 م-848 م) فيما قام عبد الرحمان الثالث بإعلان خلافة قرطبة الأموية وكان من ثمار هذا التغيير السياسي والديني النمو الحضري المضطرد للمدينة لتصبح واحدا من أهم المراكز الحضرية في العالم، لا نظير له على مدى قرون عدة سواء في أوروبا أو في الغرب الإسلامي. وأشار المنشور إلى تداعي خلافة بني أمية في مطلع القرن الحادي عشر إثر فتنة أدت إلى تمزق الأندلس إلى ممالك متعددة، وقد عانت قرطبة بشدة ويلات تلك الحروب الأهلية أما الضواحي ومدينة الزهراء والزاهرة فقد نهبت ومحقت، وغدت المدينة الأموية العظيمة في القرن الحادي عشر في جزئها الأكبر كوم خرائب وأطلال هائلةº وشهدت مدن الطوائف الواقعة في بعض الأحيان تحت سيطرة مملكتي إشبيلية وطليطلة حالة أكبر من انعدام الأمن الاجتماعي والسياسي وتراجعت إلى داخل الأسوار حتى وصول قوات المرابطين عام 1091م، ومع هؤلاء الأمراء المغاربة، تشكل فضاء ثان مسور أوسع من المدينة هو الشرقية (1125م)، التي ضمت جزءا من الضواحي الشرقية القديمة ووسعت بشكل جوهري التصميم الأصلي لسور قديم يعود عهده إلى الفترة الواقعة ما بين القرنين العاشر والحادي عشر. وأضاف أنه في النصف الثاني من القرن الثاني عشر شهدت قرطبة حركة إحياء عمرانية تحت حكم الموحدينº حيث حدث تكثيف حضري داخل القطاعات المسورة وعاد التوسع الجديد خارج الأسوار ليشمل جزءا من الضواحي الأموية القديمة التي هجرت في أعقاب اشتعال الفتنةº ورغم أن قرطبة في خواتم الحكم الإسلامي لم تعد أكبر المدن الأموية العظيمة، فقد بقيت في تلك الأزمنة المتأخرة كواحدة من المراكز الحضرية الرئيسية في الغرب ومعلما ثقافيا أساسيا ومهدا لمشاهير الحكماء كابن رشد وابن ميمون.