يعاني لبنان من أزمة حقيقية في المؤسسات الدستوريةº إذ طال الفراغ مؤسسة البرلمان، بعد التمديد للنواب، كما طال المؤسسة التنفيذية بعد الفشل، لأزيد من تسعة أشهر، في تشكيل الحكومة منذ استقالة نجيب ميقاتي في مارس الماضي وتكليف سلام تمام، واقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في ماي المقبل. وأمام هذا الوضع المتأزم، تشهد الساحة اللبنانية مطلع هذه السنة، جدلا حادا، وذلك خوفا من دخول البلاد نفق سلسلة سيناريوهات من عناوينها المحتملة "الفراغ" في أعلى منصب في الدولة، أو "التمديد للرئيس ميشال سليمان". وبينما تسعى الطبقة السياسية، رغم الفجوة الكبيرة بين قوى 14 آذار / مارس (المعارضة) وفريق 8 آذار (الأغلبية)، لتفادي السيناريو الأول، أكد الرئيس سليمان في مرات كثيرة رفضه للتمديد، داعيا في الوقت ذاته إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري. وسبق للرئيس سليمان أن شدد أن " 25 مارس خط أحمر"، وهو ما يعني أهمية تأليف حكومة في أقرب وقت تنجز بيانا وزاريا تتقدم به أمام النواب "الممدد لهم" لنيل ثقتهم، قبل حلول هذا الموعد. ويوم 25 مارس هو موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد، أي قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس. ويلزم الدستور اللبناني مجلس النواب بالانعقاد لانتخاب الرئيس في الأيام العشرة الأخيرة التي تسبق انتهاء الولاية. وبين هذا وذاك، وفي ظل استمرار الشروط التعجيزية المتبادلة بين قوى 8 و14 آذار، ما زالت "حكومة تصريف الأعمال" برئاسة نجيب ميقاتي تشتغل في إطار محدود، وهي التي لا يمنحها الدستور حق البث في قضايا كبرى، ولا حتى ممارسة صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال حصل فراغ في هرم السلطة. ووعيا بخطورة الوضع، تكثفت المشاورات في بحر هذا الأسبوع بهدف تشكيل هذه الحكومة التي طال انتظارها، إلا أن السؤال المطروح بحدة، وسالت بشأنه كثير من الأقلام، وكان مجالا خصبا لتدخل عدد كبير من المحللين والمراقبين من كلا الفريقين، هو ما نوع هذه الحكومة وما تركيبتها المحتملة ¿... وكان سليمان قد أشار إلى الخلاف بين الفرقاء السياسيين في ما يخص تعريف الحكومة الواجب تأليفهاº أهي "حكومة الأمر الواقع" أم "الحكومة الجامعة" أم "حكومة المصلحة الوطنية"¿... ليجيب أن الحل هو اعتماد "السبل الديمقراطية والدستورية التي تقرر مصائر الاستحقاقات والقرارات السياسية". وقد وصلت المشاورات بين الفرقاء سرعتها القصوى، إذ تتحدث التقارير الإعلامية عن احتمال ولادة الحكومة خلال الأيام القليلة القادمة، وذلك بعد اللقاءات التي جمعت بين الرئيس سليمان والمكلف تمام سلام من جهة وبين سليمان وعدد آخر من السياسيين يمثلون هذا الطرف أو ذاك. وتحدثت التقارير الإعلامية بهذا الخصوص عن تنازلات متبادلة بين 8 و14 آذار، أفضت إلى نوع من "الانفراج "بعدما تخلت قوى 8 آذار عن التمسك بمعادلة 9 - 9 - 6 ووافقت على صيغة 8 - 8 - 8 مطورة، كما أبدى "تيار المستقبل" موقفا إيجابيا حيال الصيغة الأخيرة. وبينما يمني تمام سلام النفس ب"توافق القوى السياسية"، يشدد ميشال سليمان على أن "باب التشاور ما يزال مفتوحا"، آملا أن يتمكن سلام من "إيجاد صيغة جامعة" تخرج البلاد من أزمتها الدستورية.