لاشك أنه كلما اقتربت ساعة الصفر، وحان التدخل العسكري الغربي في الدول العربية والإسلامية إلا واتخذت الأنظمة الديكتاتورية المبادرة للخروج على الشعب والحديث عن الانتصارات التي ستحققها قواتهم على الأرض ، فمرة يلوحون بالنصر المبين ، ومرة يعتبرون أن بلادهم ستكون بمثابة مقبرة للغرب المعتدي والتجارب أثبتت ذلك وبجلاء من خلال الغزو الأمريكي للعراق في 2003، والتدخل الغربي في ليبيا في عام 2011 ، وها هو النظام السوري الآن بعد أن دمر سورية بالكامل، يعيد نفس السيناريوهات التي خاضها الحكام العظام الذين يكون النصر حليفهم كلما أرادوا قتل شعوبهم، أما مواجهة الغزاة فنعتقد أنها مسرحية يراد من خلالها توهيم الشعوب بأن الأنظمة الديكتاتورية وطنية إلى أبعد الحدود. قد نحاول أن نصدق الرواية السورية الآن التي تعتبر أن ما يحدث من مشاورات لشن الحرب عليها هي مؤامرة غربية لإفشال النظام السوري لصالح إسرائيل ، ونحاول أن نصدق أن الأرض السورية ستكون مقبرة للغزاة كما تفضل وأن قال رئيس الحكومة وائل الحلقي ، لكن مع هذا فهناك العديد من الأسئلة التي يمكن طرحها خاصة في الوطنية والسيادة التي يتباهى بها الآن بشار وقبله أصدقائه في الديكتاتورية في ليبيا والعراق ما الذي يعني النظام السوري بالمؤامرة إذا كان يقصف الشعب بكل ما توفر لديه من سلاح ؟ أي مقبرة سيجعلها للغزاة في أرض سورية إذا كان النظام لم يستطع منذ أربعين عاما أن يطلق ولو رصاصة واحدة باتجاه العدو الصهيوني الذي اغتصب أرضه ، أي وطنية يملكها بشار الأسد إذا كان هو نفسه الشرطي الذي يحمي الحدود الإسرائيلية من أي خطر يمكن أن يصيبها. يبدو أن النظام السوري الذي يستعد الغرب الآن لشن هجمات عليه بعد أن اتهم بقصف الشعب السوري مؤخرا بالكيماوي قد وصل إلى الطريق المسدود، بالرغم من اعتقادنا أن تلك الضربات التي ستشنها الولاياتالمتحدة ومعها دول التحالف لن يكون الهدف منها الإطاحة بنظام الأسد لأنهم يعرفون أن هذا النظام هو الأصلح لحماية الحدود والأجدر بهم أن يبقى إلى أجل غير مسمى ، فالهدف الحقيقي هو إضعاف النظام وليس القضاء عليه من أجل أن تتمكن الولاياتالمتحدةالأمريكية من مواجهة المارد الايراني الذي وجد مكانه الرحب في سورية . عادة عندما يعتقد الديكتاتور أن نهايته قريبة، يتخذ مجموعة من الروايات التي يمكن أن تقيه شر ذلك السقوط فتجده يتحدث عن المؤامرة والغزو ، وتجده يبشر بالنصر الذي سيحققه على أعداء الخارج وعلى أعداء الداخل من أبناء الوطن الذين يتهمهم بالعمالة للغرب ، تلك أمانيهم . رسائل بشار الأسد لا تكاد تخلو من عبارات المؤامرة التي غالبا ما يحاول اللعب عليها واستخدامها كقاعدة لتبرير قتله الممنهج للشعب السوري ، فسورية بالنسبة إليه الحصن الحصين للأمة العربية وبشار هو الزعيم الذي يمثل قلب سوريا والمنطقة بأكملها فلا وجود للعالم بدون بشارk وكيف لا وهو من اختار أن يكون شعاره الخالد "الله بشار سوريا وبس " لنكون أمام ديكتاتور شبيه بفرعون الذي قال في عز طغيانه "ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ". من الوهم جدا أن نصدق رواية النظام بشار الآن بعد أن جعل سورية خرابا ، ومن السذاجة بعد أن تم سفك دماء الأبرياء من الشعب السوري لمجرد أنهم انتفضوا ضد بشار وطالبوه بالرحيل ليكون رده قاسيا بالدبابات والطائرات وأخير بالكيماوي الذي أسقط النظام في فخ التدخل الخارجي الوشيك في سورية . كل الأوراق التي كان يستخدمها النظام السوري الآن قد سقطت ، وكل المبررات تم فضحها بعد حرب مطولة خاضها مع شعبه ، فالمقاومة التي دائما ما يرفعها ضد من يسميهم بالعملاء والجواسيس ومن يخدمون مصالح العدو قد تم فضحها، فكيف يمكن للنظام أن يكون مقاوما وممانعا وفي المقابل يتجاهل حق الشعب في اختيار حاكمه ؟ وكيف يكون مقاوما من يقصف بعشوائية مدنا وأحياء بكاملها دون أن يكترث بحجم الكارثة الإنسانية التي لحقت بسورية أرضا وشعبا ؟ المقاومة الميتافيزيقية التي يتحدث عنها بشار الأسد والتي هي بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يستدعي المقاومة ورفض الاحتلال قد ظهرت على حقيقتها ، وأن المؤامرة التي كان دائما يحمل شعارها النظام قد ذهبت إلى غير رجعة بعد أن انكشف أمر النظام الذي يدافع عن بقائه أكثر من دفاعه عن الوطنية والسيادة. ولأننا مرارا وتكرارا عبرنا عن رفضنا التدخل العسكري الأجنبي في سورية وفي أي تدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية من طرف الغرب، كنا نتمنى أن يتم التدخل في سورية من طرف الدول العربية لإنقاذ الشعب السوري من المجازر التي يرتكبها النظام السوري ، وينقذوا البلد من كل الاحتمالات ، خاصة وأن كل المؤشرات تؤكد أن البلد يسير نحو المجهول ، فالوطنية التي يحاضر فيها بشار ومن معه من قوى الممانعة قد ظهرت على حقيقتها ، وأن مقبرة الغزاة التي يتحدث عنها هؤلاء هي وهم كبير وضلال يسعون من خلاله إلى إقناع العالم بأنهم الأقوى ، أما التدخل الأجنبي فلا نعتقد أنه سيكون الحل الأمثل لأن التجارب أظهرت نفاق هذا الغرب الذي يبدأ كمخلص للشعوب إلى أن يصبح محتلا للأرض وللهوية وللوطن.