أعلنت وزارة الدفاع على لسان وحدة درك مدينة فياريدجو وبأمر من القيادة الإقليمية لمدينة لوكا في بيان صحفي عاجل نشرته قبل أمس على موقع الدرك والذي تسلّمت منابر الإعلام الإيطالي نسخة منه وهذا مفاده. لقد قامت فرقة محاربة المخدرات التابعة للدرك عشيّة يوم الأربعاء بحملة كبيرة من الاعتقالات لتطهير فياريدجو الغابوية من كلّ مظاهر الانحراف وانتشار سموم المخدرات بين سّاكنة هذه المنطقة أسمتها "عملية الدرّاجة". والتي استخدمت فيها مجموعة من طائرات هيلكوبتر التابعة للدرك الإيطالي انطلقت من محطّة بيزا وحرّكت فيها جيشا من هذا الجهاز الذي وصل إلى 80 دركيا، مدجّجا بمختلف الأسلحة ومدعّما بقطيع من الكلاب البوليسية لشنّ هجوم كاسح وسط هذه الأدغال،والتي ساعدتهم على التعرّف على المخدرات فضلا عن أدوات التقطيع والتعبئة والقياس والتغليف التي كانت مخبأة بين الأشجار.
لم يكن التدخّل هذه المرّة على مافيا إيطالية منظمة كما جرت العادة بل على مافيا من نوع وجنس آخر،إنّها تنظيم غير منظّم من عشرات شباب الجالية المغربية المتواجدة بمدينة لوكا التي اتّخذت من ترويج المخدرات تجارة، ومن غابة الصّنوبر بفياريدجو الكثيفة بأشجارها وأدغالها أرضية وسوقا وملاذا. إنّها المرّة الأولى التي يتجنّد فيها مثل هذا العدد الكبير من الدركيين في حملة كهذه والتي استغرقت يوما قاسيا على الجانبين واستمرّت لساعات متأخّرة من ليلة الأربعاء لتمشيط هذه المناطق الجد وعرة والخطيرة،من أجل الإطاحة بأكبر عدد من المتّهمين في صفوف المهاجرين المغاربة، بغض النظر عن الأعداد التي كانت غائبة أو التي لاذت بالفرار،ليصل عدد الموقوفين إلى 53 عنصرا من بينهم 26 متهما غير شرعي وبدون إقامة قارّة بإيطاليا.
وأشار المصدر ذاته أنّ الوحدة الدركية المختصّة بمحاربة المخدرات صرّحت على أنها ألقت القبض على المهاجر الغير الشرعي الجرموني عبد المجيد 20 سنة والذي يعتبره المحققون المسؤول الأوّل على ترويج المخدرات داخل هذه الغابة إلى جانب سبعة شباب آخرين ضبطوا متلبّسين أثناء إلقاء القبض عليهم، والتحقيقات جارية مع أربعة إخوة وصديق خامس وتجدر الإشارة إلى أنّ أعمار المجموعة تتراوح بين 20 و 25 سنة وكلّهم مهاجرون غير شرعيين دون مأوى وإقامة محدّدة بإيطاليا.
فبيع البضاعة وسط الغابة جد مريح وسليم لترويج المخدرات بالنسبة لجميع عناصر هذه العصابة،بحيث يتمّ التخطيط في مكان طويل عريض كلّه مخابئ بين أكوام الأوراق والجذور وأجسام الأشجار وداخل الحفر والتربة المنعرجة بعيدا عن آذان ومسامع مواطني هذه المدينة الهادئة بسكون الحشيش والكوكايين والهروين. وهذا ما دفع بتبنّي مخطّط جهنّمي يقضي بإخفاء البضاعة داخل الغابة في مناطق مختلفة حسب الأوزان والنوعية والثمن،وبتقسيم العصابة إلى دورية تعمل بأوقات مختلفة بحيث يتّفق عنصر المداومة مع المدمن على تأدية الثمن الذي يتعرّف عليه ليجد البضاعة المطلوبة في مكان ما بالغابة، وذلك تفاديا للوقوع في يد رجال الأمن وبحوزتهم المخدرات.
لم تكن في نيّة وحدة محاربة المخدرات الدركية الاكتفاء بإلقاء القبض على شخص أو شخصين من هذه العصابة كما كان يحدث في كثير من الأحيان على رغم من متابعتها لستّة أشهر لأنشطتها الاجرامية ،بل كانت تعزم الإطاحة بالرأس المدبّر لسير العمليات والمشرف على التموين وتحصيل البضاعة. هذا، في حين كانت المجموعة لا تعلم بما يجري داخل مكتب المحقّقين ولم تدرك أنّ من بين زبائنها دركيون مختفون وراء الإدمان وتعاطي المخدّرات،وهذا ما أسقط في الفخّ أكبر عدد من عناصر العصابة.
أسفرت هذه الأمطار من الاعتقالات على التعرّف على أوجه جديدة من المجرمين الذين وضعتهم على قائمة الانحراف والإجرام وساعدت من جهة على رصد المهاجرين الغير شرعيين ومن جهة ثانية ملاحقة بقية المجموعة التي لم يلق عليها القبض بعد في هذه الحملة التمشيطية الجد صارمة، والتي شملت كل المقاهي والحانات والمحلات الترفيهية والنوادي وأماكن التجمّعات بفياريدجو وخاصّة الأماكن التي يتواجد بها المهاجرون المغاربة.
لم تر أعين وحدة محاربة المخدرات النوم حتى ساعة متأخّرة من ليلة الأربعاء بإحدى ثكنات الدرك وهي تحقق مع 44 متّهما من الذين طالتهم هذه السلسلة من الاعتقالات وفي حقّ 27 ممّن ضبطوا في حالة تلبّس ،كما اشتغلت على ملفين مفترقين: الملف الأوّل يخصّ المجموعة الغير قانونية التي خضعت لالتقاط صوّر أفرادها وبصماتهم لتقديم ملفها إلى القاضي الذي سيوقّع على مسطرة الطّرد من التراب الإيطالي، ومرافقة المتّهمين إلى المطار ليوضعوا داخل الطائرة القادمة إلى المغرب لتحقّق معهم الشرطة المغربية عند الوصول. والملف الثاني المتعلّق بالبقية والذي قدّم صبيحة يوم الخميس للشرطة القضائية دون ذكر أيّ معلومات إضافية عن الكمية والنوعية والمبالغ المالية التي تمّ احتجازها لتكملة الملف.
وفي هذا السيّاق أصدرت محكمة لوكا في نفس اليوم أمرا بالاعتقال بحقّ الجرموني عبد المجيد المتّهم الرئيسي وعلى 7 مواطنين مغاربة آخرين ، كما وافقت على مذكرة اعتقال بحقّ عناصر أخرى ما تزال طليقة بنفس التهمة مع وضع 17 شخصا في الاحتجاز الاحتياطي بسجن لوكا بعد نتيجة التحقيقات التي أجرتها الشرطة القضائية من فياريجيو، ويضيف نفس المصدر أنّ 21 متّهما تبتت عليهم التهمة ، وفي حقّ 70 شخص آخرين يتعاملون ويستهلكون هذه المخدرات شملتهم كذلك هذه التحقيقات.
وبينما التحقيقات عن قدم وساق سارية والبحوث المنكبّة على هذا الملف في كل اتجاه جارية، تبقى سمعتنا بهذا البلد غير مشرّفة ومتعثرّة، ونفسيتنا المتكسّرة على صخرة الصورة القاتمة ، التي يرسمها البعض لتلويث ما سبقت سواعد الجالية من نحتها سنينا وسنينا على رغم قلّتها ونذرتها.ضاربين بعرض الحائط كل القيّم والثوابت التي حاولنا منذ عقود زرعها رغم المآسي والمحن ، بكل غال وثمين من أجل تزيين صورة المغاربة وتحسين سمعة الوطن . فياحسرتاه على أعراف هذه الأمّة ،ووا أسفاه على أشراف هذه الجالية التي ستتحمّل أوزار ما تتعرّض له بلدان الاستقبال على يد أشخاص غير مسؤولين يحسبون للأسف على المهاجرين .