في كلمة له خلال حضوره احتفالية جائزة الوسام الشرفي للتصدير، التي نشرتها وسائل إعلام محلية جزائرية، أثنى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على من وصفهم ب"الخلاّقين للثروة"، في إشارة إلى من يعملون على "تنويع الاقتصاد" والابتعاد عن الاقتصاد الريعي "الذي يجمّد العقول والابتكار"، حسب تعبيره، قاصدًا بذلك "قطاع المحروقات"، الذي ظلت الجزائر تعتمد عليه كمصدر للثروة منذ تأميمه في ستينيات القرن الماضي. وأعلن تبون أن بلاده كانت تعتمد بنسبة 97% من صادراتها على المحروقات حتى عام 2019، لكن هذه النسبة بدأت في التراجع، حيث وصلت نسبة الصادرات غير النفطية إلى 11% في عام 2022، مع طموح لرفعها إلى ما بين 16 و22% بحلول عام 2024. هذا يعني، في المقابل، أن صادرات الجزائر ستظل بنسبة لا تقل عن 80% نفطية في عام 2024، مما يؤكد أن الاقتصاد الجزائري لا يزال، على الرغم من مساعي النظام، قائمًا بشكل رئيسي على المحروقات، وهو ما أكده البنك الدولي. ففي تقريره الأخير حول الجزائر، الذي صدر في مايو 2024 واطلعت عليه "أخبارنا"، أشار البنك الدولي إلى أن الجزائر حافظت على "نمو اقتصادي ديناميكي في عام 2023، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي زيادة بنسبة 4.1٪، بفضل الأداء القوي في قطاعات المحروقات". وفي السياق ذاته، يشير التقرير إلى أن "الإنتاج القياسي للغاز الطبيعي عوض انخفاض إنتاج النفط الخام بسبب تخفيضات الحصص الطوعية لأوبك". وفي حين يشدد التقرير على اعتماد الجزائر المستمر على قطاع المحروقات، مما يعرض اقتصادها للخطر على المدى المتوسط، فإنه يبرز أيضًا أهمية "دعم التنويع الاقتصادي من خلال تسريع استثمارات القطاع الخاص والاستثمار في القطاعات خارج المحروقات". وإذا كانت الجزائر لا تزال غير قادرة على تنويع اقتصادها بالشكل المطلوب، فإن اقتصادها سيظل معتمدًا على المحروقات، لكن إلى متى؟ فاحتياطيات النفط الجزائري تتجه نحو نهايتها! وكالة الأنباء الأمريكية "بلومبرغ"، التي تعتبر مرجعًا في وول ستريت، تساءلت: "هل ما تزال الجزائر دولة نفطية؟"، إذ يُعتقد أن صادرات الجزائر من النفط الخام تمثل أقل من 1% من صادرات منظمة البلدان المصدرة للبترول. وتوقعت دراسة أجرتها مجموعة التفكير الفرنسية "دو شيفت بروجيكت" أن ينخفض إنتاج الجزائر من النفط الخام بنسبة تقترب من 65% بحلول عام 2050. وأشارت الوثيقة إلى أنه "نتيجة لنضوب الاحتياطيات (79%) وضعف آفاق تجددها، من المتوقع أن يواصل إنتاج النفط في الجزائر تراجعه". كما أوضحت أن الجزائر شهدت منذ عام 2007 تراجعًا في إنتاج المحروقات، مع توقعات غير مبشرة على الإطلاق. ويتجه العالم نحو تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة النفطية واستبدالها بالطاقات المتجددة. فقد شكّل اتفاق مؤتمر المناخ "كوب-28" الذي يدعو إلى التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والنفط والغاز الطبيعي، والانتقال نحو الطاقة المتجددة والمستدامة، تحديًا اقتصاديًا كبيرًا للدول التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي لدخلها. وفي السياق ذاته، تعتبر الأممالمتحدة أن الحل لأزمة المناخ يكمن في "إنهاء اعتمادنا على الطاقة المولدة من الوقود الأحفوري، وهو السبب الرئيسي لتغير المناخ". وفي تصريح له، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: "الجانب المشرق هو أن الحل أمام أعيننا"، مشيرًا إلى أن تكنولوجيا الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية متاحة بسهولة وتكلفتها في معظم الحالات أقل من الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى. وأضاف: "نحن بحاجة إلى تطبيق هذه التقنيات بشكل عاجل وعلى نطاق واسع وبسرعة". ويجدر بالذكر أن السوق الأوروبية، المستورد الرئيسي للمحروقات الجزائرية، قد اتجهت نحو اعتماد قانون يحظر بموجبه بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل بحلول عام 2035. وهذا سيتيح لمصنعي السيارات الأوروبيين جدولًا زمنيًا واضحًا للانتقال إلى إنتاج السيارات الكهربائية النظيفة. كل هذه التطورات، بلا شك، تدفع الكابرانات نحو نفق اقتصادي مظلم في أفضل تقدير، ومسدود في أسوأ تقدير، مما يهدد أيضًا بتمويل جبهة البوليساريو، صنيعة الجزائر، على المدى المتوسط والبعيد.