يشهد المغرب تقلبات مناخية وشحا في الموارد المائية، ولمواجهة هذا التحدي، لجأت بلادنا إلى "الاستمطار الصناعي" كحل لتعزيز المخزون المائي. وفي الوقت ذاته، خلال الساعات الأخيرة، تم تسجيل تساقطات مطرية قياسية في بعض المناطق المعروفة بطبيعتها الصحراوية والجافة، حيث سجلت مدينة تاغونيت بإقليم زاكورة أعلى كمية أمطار ب170 ملم، تلتها محاميد الغزلان ب90 ملم. كما تم تسجيل 76.4 ملم في آيت تاوس بإقليم الرشيدية، و65.8 ملم في إر كيساني بنفس الإقليم. وفي طاطا، بلغت الأمطار 53.5 ملم في فم زكيد و50 ملم في أقا. وتسببت هذه الأمطار في تشكل سيول جارفة ألحقت أضرارًا بالبنية التحتية والممتلكات في العديد من المناطق. وتظهر مقاطع فيديو منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي كيف تحولت شوارع إلى أنهار، وكيف غمرت مياه الأمطار بعض المنازل في القرى، وجرفت أشخاصا وحيوانات وسيارات وغيرها.. كما يظهر على "السوشل ميديا". وتأتي هذه الأحداث المثيرة للاستغراب، في وقت لا زالت جل مناطق المملكة تعيش أجواءفصل الصيف، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار أن تقنية الاستمطار هي سبب الفيضانات نتيجة الامطار الغزيرة المتساقطة. الاستمطار الصناعي والفيضانات! مع تزايد حدة الأمطار والسيول، تساءل الكثيرون عما إذا كانت عملية الاستمطار الصناعي، التي تستخدمها المغرب لتعزيز الموارد المائية، قد ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة. في هذا السياق، أوضح الحسين يوعابد، مسؤول التواصل بالمديرية العامة للأرصاد الجوية، أن عملية الاستمطار الصناعي في إطار برنامج "الغيث" تخضع لبرنامج علمي دقيق ومعايير دولية صارمة، مشيرا إلى أنه لم تتم أي عملية تلقيح للسحب خلال التقلبات الجوية التي شهدتها مناطق الأطلس والسفوح الجنوبية الشرقية، والتي كانت السبب الرئيسي في الفيضانات. موضحا أن عملية الاستمطار لا تتم في مثل هذه الظروف الجوية القصوى، وأن السيول الحالية هي نتيجة طبيعية للتقلبات الجوية الحادة التي تشهدها المنطقة، والتي تأتي في إطار التغيرات المناخية العالمية. وكانت أكدت المديرية، أن برنامج "غيث" يعد برنامجا وطنيا ذو أهمية كبيرة، وله تأثير إيجابي على القطاعات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وأشارت إلى أن البرنامج يعتمد على تقنيات متقدمة، تشمل تلقيح السحب باستخدام طائرات متخصصة مثل طائرة "King Air 200" و"Alpha Jet"، بالإضافة إلى مواقع أرضية مزودة بمولدات خاصة لنشر مواد مثل نترات الفضة في السحب لزيادة التساقطات المطرية. كما أشارت المديرية إلى أن هذا البرنامج يخضع لمراقبة دقيقة، ويتم تنفيذ التدخلات بناء على تحليل علمي لحالة الجو وتجنب أي عمليات تلقيح قد تشكل خطرا على المناطق المعنية، وأكدت المديرية أن الاستمطار الصناعي يهدف إلى زيادة التساقطات المطرية والثلجية لتعزيز الأمن المائي بالمغرب، ودعم القطاع الفلاحي وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتخفيف من آثار الجفاف نظرا لمشكلة نقص الماء. هذا وأكد مصطفى العيسات، الباحث والخبير في المناخ والتنمية المستدامة، أن إمكانية هطول الأمطار بفعل تقنية الاستمطار الصناعي تبقى محدودة أساسا ولا تتعدى نسبة 20%. مؤكدا أن هذه الأمطار لا تؤدي إلى أية فيضانات، لأنها لا تسقط بكميات كبيرة. فيضانات في فصل الصيف! في ظاهرة جوية لم يشهدها المغرب منذ سنوات، شهدت عدة أقاليم في جنوب المملكة تساقطات مطرية رعدية قوية، هذا الأسبوع، تسببت في وقوع سيول جارفة وفيضانات غير مسبوقة ببعض المناطق في فصل الصيف، وفي مناطق معروفة بطبيعتها الصحراوية. وكان أوضح "علماء" أن ظاهرة الفيضانات المفاجئة التي شهدها العالم، خلال الأسبوع الماضي، بعد موسم من موجات الحر القياسية، تفاقمت بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي جعلت الأرض أقل قدرة على امتصاص المياه، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية. وهو فعلا ما أكده مرصد كوبرنيكوس لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي، حيث اورد أن صيف عام 2024 كان "الصيف الأكثر سخونة" في العالم، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، وذكر مرصد كوبرنيكوس في بيان له، أن شهر غشت 2024 هو الأشد حرارة على مستوى العالم، إذ ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 0.71 درجة فوق المتوسط المرجعي للفترة 1991-2020. وأشار إلى أن درجات الحرارة المقاسة على مستوى العالم تجاوزت، من يونيو إلى غشت/ 2024، متوسط الفترة 1991-2020 بمقدار 0.69 درجة، والرقمَ القياسي بين يونيو وغشت 2023 بمقدار 0.66 درجة. وفي سياق متصل قال مدير المرصد، كارلو بونتيمبو: "هناك أدلة تشير إلى أن الزيادات في درجة الحرارة، ستؤدي إلى زيادة كمية بخار الماء التي يمكن أن يحملها الغلاف الجوي". واسترسل "تتوقع النماذج المناخية أن تترجم هذه الزيادة في بخار الماء إلى زيادة في هطول الأمطار بغزارة أكبر وبشكل متواتر". هذا وأكد الحسين يوعابد، عن مديرية الارصاد الجوية بالمملكة، أن البلاد تأثرت بكتلة هوائية مدارية غير مستقرة نتيجة للوضع الاستثنائي للجبهة المدارية في الجنوب، مما أدى إلى تصاعد كتل هوائية رطبة نحو الشمال ولقائها بكتل هوائية باردة قادمة من الشمال. هذا التفاعل الجوي أدى إلى تكوّن سحب غير مستقرة، تسببت في عواصف رعدية قوية وأمطار غزيرة، كانت نتيجتها تشكل السيول في عدة مناطق من الجنوب الشرقي وشرق الأطلس. ويرى "خبراء" أن هذا النوع من الفيضانات الصيفية المفاجئة يختلف عن فيضانات الأنهار والفيضانات الساحلية، إذ تحدث بعد ساعات قليلة من هطول كميات كبيرة وغير متوقعة من الأمطار، والناتجة عن العواصف الرعدية. هذا، ويؤدي ارتفاع درجة حرارة البحار، إلى زيادة تشكل بخار الماء الذي يحمله الهواء الساخن بسرعة كبيرة إلى ارتفاعات عالية ويتكاثف في طبقات الجو العليا على شكل سحب ركامية كثيفة شديدة الرطوبة، تتشكل فيها قطرات ماء كبيرة تتساقط على شكل أمطار غزيرة وشديدة.