مرة أخرى وفي خضم الغليان الشعبي المحتدم بفعل تواصل مسلسل الغلاء الفاحش، الذي ما انفك يثير ردود أفعال غاضبة إن على مستوى الوقفات الاحتجاجية المتوالية أو على وسائل التواصل الاجتماعي أو في البرلمان المنددة بتصاعد موجة ارتفاع أسعار الخضر والفواكه واللحوم الحمراء وكافة مناحي الحياة، عادت معارك سيارات الأجرة والتطبيقات الذكية لتطفو على سطح الأحداث. إذ أصبحت شوارع العاصمة الاقتصادية تتحول من حين لآخر إلى مسرح كبير لحدوث مشاجرات واصطدامات بين سائقي الطاكسيات، الذين يرفضون المنافسة الشرسة التي فرضها عليهم العاملون في النقل عبر استعمال التطبيقات الرقمية، التي انتشرت في بلادنا خلال السنوات الأخيرة. ففي ظل الخصاص الحاصل في وسائل النقل وأمام تطور التكنولوجيا، ظهرت تطبيقات ذكية ساهمت في حل مشاكل النقل للكثير من المواطنين، غير أنه في مقابل ذلك لم يعد يمر يوم على مدينة الملايين دون حدوث ملاحقات "هوليودية" وتشابكات بالأيدي، حيث تنتشر بين الفينة والأخرى مقاطع فيديو عبر وسائل السوشيال ميديا توثق لما يقال عنها اعتداءات سائقي سيارات الأجرة الصغيرة على آخرين يعملون بواسطة تطبيقات النقل الذكية، وذلك بجوار محطات القطار وحافلات النقل بين المدن. وإقدام أصحاب الطاكسيات على محاصرة سائقي تلك السيارات الخاصة، ومنعهم من المغادرة إلى حين قدوم عناصر الأمن الوطني للقيام باللازم، معتبرين أن العاملين بالتطبيقات الرقمية مثلهم مثل أصحاب النقل السري يعملون خارج الضوابط القانونية. ويشار في هذا السياق إلى أن المغرب مثل عديد البلدان التي عرفت منذ سنوات انتشار هذه التطبيقات في النقل الخاص من خلال شركات متخصصة مغربية وأجنبية، بدأت العمل في سوق النقل منذ سنة 2015 أمام أعين السلطات الوصية على النقل، والمتمثلة أساسا في وزارات الداخلية والنقل والسياحة، علما أن القانون المنظم يمنع أي وساطة في مجال النقل العمومي. وهو ما أزعج مهنيي سيارات الأجرة وجعلهم يتدخلون لمنع سائقي التطبيقات الذكية بالقوة، الذين بلغ عددهم اليوم إلى حوالي 12 ألف سائق. وقد ظهرت مجموعات من السائقين تطلق على نفسها اسم "الصقور" في مدينتي الدارالبيضاء والرباط، تتربص بسائقي التطبيقات أمام محطات القطار، للإيقاع بهم والتبليغ عنهم، ناهيكم عن تنظيمهم وقفات احتجاجية للتعبير عن تذمرهم من تواصل العمل بهذه التطبيقات غير القانونية ومطالبة السلطات بجهة الدارالبيضاء-سطات وباقي الجهات المختصة، بالتحرك العاجل لإنقاذ قطاع النقل مما بات يعيش على إيقاعه من تسيب وفوضى. مما أدى ببعض الشركات إلى الانسحاب بدعوى انعدام البيئة المناسبة للاشتغال وعدم القدرة على تقديم خدماتها للمواطنين في ظروف آمنة ويسيرة. وفي المقابل ينتقد أحد المسؤولين النقابيين بشدة ما يقوم به بعض المنتسبين لقطاع سيارات الأجرة من ملاحقات واعتداءات، عبر استدراج سائقي التطبيقات ونصب كمين لهم وانتحال صفة ينظمها القانون، مشيرا إلى أن النقابة الديمقراطية للنقل التي ينتمي إليها تدعم السائقين المهنيين الذين يشتغلون بواسطة التطبيقات الذكية، وأنها مع خلق مناصب شغل للمعطلين منهم وكذا حاملي بطاقة المقاول الذاتي في النقل وتستنكر المضايقات والتحرشات غير محسوبة العواقب التي يقدم عليها بعض سائقي سيارات الأجرة، الذين يتحولون بقدرة قادر إلى أشخاص من ذوي الصفة الضبطية في توقيف أصحاب التطبيقات الذكية قسرا ومنعهم من الاشتغال، في غياب الجهات الموكول لها سلطة تنظيم القطاع. فالمثير للاستغراب، هو استغلال عدد من سائقي سيارات الأجرة الفرصة والقيام بالجمع بين سيارة الأجرة التقليدية واستعمال التطبيق الرقمي في الوقت ذاته، بهدف الرفع من مدخولهم اليومي. في حين انقسم المواطنون بين من يميل إلى الاستمرار في استعمال التاكسي التقليدي للتنقل رغم ما يلاحظ على هيكل بعضها من تقادم وانعدام النظافة، وغياب الحس الأخلاقي لدى بعض سائقيها ممن يتعاملون بجفاء واستعلاء مع الزبناء، بدعوى أنها السيارات الأكثر أمنا على سلامتهم من غيرها. ومن يرى في المقابل أن الخدمات التي يقدمها لهم أصحاب التطبيقات الذكية مريحة وذات جودة عالية، حيث صار بالإمكان الحصول على الخدمة في بضع دقائق بأثمنة معقولة، من خلال رسالة قصيرة عبر هذا النوع الجديد من وسائل النقل، والاستفادة من رحلات فردية في أي اتجاه دون أن يتقاسمها معهم آخرون. إننا لا ننكر أن بلادنا وخاصة مدنها الكبرى من قبيل العاصمتين الاقتصادية والإدارية باتت في أشد الحاجة إلى مثل هذا النوع من الخدمات الحديثة، ولاسيما أنه من شأنها الإسهام بقسط وافر ليس فقط في الحد من أزمة النقل، بل كذلك في امتصاص جزء من البطالة في صفوف الشباب. بيد أننا نرفض بشدة أن يستمر هذا العبث بالقوانين من خلال استمرار أصحاب النقل الاستثنائي عبر التطبيقات الرقمية في الاشتغال دون سند قانوني، وتمادي أصحاب التاكسيات التقليدية في تقمص دور السلطات المختصة. وبات من الضرورة بمكان تقنين قطاع التطبيقات الذكية لوقف مسلسل المشاجرات والمناوشات والاعتداءات.