الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    النسخة ال46 لبطولة إفريقيا للجيدو – فئة الكبار – (اليوم الأول).. المغرب يحرز 5 ميداليات منها ذهبيتان    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    طقس السبت: قطرات مطرية ورعد محلي ببعض المناطق    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" بالناظور    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    أخنوش يمثل جلالة الملك في جنازة البابا فرانسوا    دول الساحل تعلن دعمها الكامل للمغرب وتثمن مبادرة "الرباط – الأطلسي" الاستراتيجية    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    مجلس جهة طنجة يشارك في المعرض الدولي للفلاحة لتسليط الضوء على تحديات الماء والتنمية    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    مؤتمر "بيجيدي".. غياب شخصيات وازنة وسط حضور "طيف بنكيران"    الشيبي يسهم في تأهل بيراميدز    مرسوم حكومي جديد يُحوّل "منطقة التصدير الحرة طنجة تيك" إلى "منطقة التسريع الصناعي" ويوسّع نطاقها الجغرافي    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    هيئة: وقفات بعدد من المدن المغربية تضامنا مع غزة وتنديدا بالإبادة الجماعية    طنجة تحتضن النسخة الحادية عشرة من الدوري الدولي "مولاي الحسن" بمشاركة أندية مغربية وإسبانية    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية يقوم بزيارة عمل إلى إثيوبيا    أخنوش يصل إلى روما لتمثيل جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    بسبب التحكيم.. توتر جديد بين ريال مدريد ورابطة الليغا قبل نهائي كأس الملك    نشرة إنذارية: زخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    قطار التعاون ينطلق بسرعة فائقة بين الرباط وباريس: ماكرون يحتفي بثمرة الشراكة مع المغرب    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    افتتاح مركز لتدريب القوات الخاصة بجماعة القصر الصغير بتعاون مغربي أمريكي    بودريقة يمثل أمام قاضي التحقيق .. وهذه لائحة التهم    عناصر بجبهة البوليساريو يسلمون أنفسهم طواعية للجيش المغربي    إسكوبار الصحراء.. الناصري يلتمس من المحكمة مواجهته بالفنانة لطيفة رأفت    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    تقرير يكشف عن نقص في دعم متضرري زلزال الحوز: 16% لم يحصلوا على المساعدة    إحصاء الخدمة العسكرية ينطلق وأبناء الجالية مدعوون للتسجيل    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع المدني بالمغرب
نشر في أخبارنا يوم 26 - 03 - 2021

إن الحديث عن مجتمع مدني مغربي يستدعي استحضار الكثير من الإشكالات والتساؤلات في ما يتعلق بالشروط الضرورية لإقامة مجتمع مدني. وقد تكون التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أفضت إلى ظهور "مجتمع مدني" له خصوصية تهم تجربة المغرب في تأسيس مجتمع مدني مغربي.
ويندرج موضوع المجتمع المدني بالمغرب كمفهوم،ضمن شبكة مفاهيمية متشعبة ،لكونه يرتبط بمجموعة من المفاهيم الأساسية ،من قبيل مفهوم الديمقراطية،مفهوم المواطنة،مفهوم دولة الحق والقانون،مفهوم التنمية،مفهوم الحكامة،مفهوم حقوق الإنسان.....، وبالتالي فقد استأثر باهتمام الدارسين المغاربة على اختلاف تخصصاتهم وحقولهم المعرفية وتوجهاتهم الفكرية والسياسية. وربما يرجع هذا الاهتمام إلى طبيعة دور المجتمع المدني في البلاد ذات الثقافة السياسية التسلطية من جهة، وإلى اعتبار آليات العمل المدني تندرج ضمن إعادة هيكلة الحقل السياسي المغربي من جهة أخرى. ذلك أن المغرب يعرف نموا ملفتا لمختلف فعاليات المجتمع المدني في ظل التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعيشية في بلادنا.
وفي خضم هذه التحولات الكبرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ميزت السنوات الأخيرة ،برز دور" المجتمع المدني" وأصبح يحتل مكان هامة وحيوية انطلاقا من دوره في النسق السياسي والاجتماعي لتعميق وتعزيز المسار الديمقراطي وتفعيل مقتضياته.
وهذا لن يتأتى إلا بالتناغم بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي. فمكونات المجتمع المدني تسعى بحكم طبيعة تكوينها وطرق عملها إلى تقليص ضغط الدولة على المجتمع بهدف بلورة علاقة تفاعلية وتشاركيه بين الطرفين.كما وجدت الدولة نفسها مدعوة للتفاعل مع هذا المعطى الجديد والمتنامي،فأحدثت في الوثيقة الدستورية لسنة :2011
،وزارة للعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني،كما أصبحنا نحتفل باليوم الوطني للمجتمع المدني 13 مارس من كل سنة.
وانطلاقا من السياق السوسيوتاريخي ،ولما وصل إليه من تطور يمكن تعريف المجتمع المدني بكونه مجمل التنظيمات المتموقعة بين الأسرة والدولة والأحزاب السياسية. ذلك أن كل الجمعيات بمختلف اهتماماتها والأندية والوداديات والتعاونيات السكنية وغير السكنية والنقابات والصحافة هي هيئات يتشكل منها المجتمع المدني ،تدافع عن مصالح المواطنين في مواجهة استبداد الدولة وبيروقراطياتها من جهة،وتواجه توحش اقتصاد السوق الذي يجعل المواطن فريسة للاستهلاك ووسيلة لتراكم الثروات.
هذا التعريف يمكن اعتماده معيارا للحكم على" المجتمع المدني" بالمغرب، وبالتالي فكل هذه التنظيمات والهيئات التي تتموقع بين الأسرة والدولة والأحزاب السياسية تدخل ضمن مجال المجتمع المدني ،على شرط أن تكون خاضعة للقوانين المنظمة بشكل طوعي وأن تشتغل على مختلف قضايا المجتمع وتعمل على تطويره. وهكذا فالمجتمع المدني يجب أن يكون مستقلا عن الدولة والمؤسسات العمومية التابعة لها،وعن الأحزاب السياسية،وأن لا تكون قائمة على الروابط الأسرية. وبهذا المعنى ،ونظرا لتعالق المجتمع المدني بالديمقراطية واحترام الحقوق الأساسية ،فلا يمكن الحديث عن مجتمع مدني كآلية فعالة للدفاع عن مصالح المجتمع وحمايتها إلا في ظل دولة المؤسسات الحقيقية التي تحترم حقوق المواطن السياسية والاقتصادية والثقافية وفقا للمعايير الدولية.
فماهي طبيعة المجتمع المدني المغربي؟
يعتبر مفهوم "المجتمع المدني" من أكثر المفاهيم شيوعا وذيوعا عند مختلف الفئات والأطراف (دولة ،أحزاب،إقتصاديين،جمعويين، إعلاميين.،مثقفين.....) كما يحضر في خطابات ملك البلاد ،فيشيد به ويراهن عليه ليكون جزءا مشاركا في إيجاد الحلول للعديد من المشاكل المجتمعية المزمنة.هذا وستشهد الوثيقة الدستورية لسنة:2011 ميلاد وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. وقد يكون لخروج المغاربة في احتجاجات مطالبين بالتغيير الحقيقي المتمثل في محاربة الفساد والاستبداد والسعي لاشراك جميع الفئات المجتمعية في صناعة القرار السياسي الذي كان حكرا على فئة بعينها،الأمر الذي نفذ إلى المطالب الاجتماعية بعد مطلع الألفية الثالثة، حيث كان للنسيج الجمعوي والتحول المجتمعي دورا هاما في كل ذلك وشكل بالتالي إشارة مهمة على ميلاد نخبة مجتمعية جديدة قد تكون بديلا لمجتمع سياسي منهك ومترهل.
وهكذا تم تخصيص يوم 13 مارس يوما وطنيا للمجتمع المدني،مما يظهر أهمية وقيمة المجتمع المدني ورهان الدولة المغربية عليه.
والملاحظ أن تداول هذا المفهوم في النقاش العمومي سيتحول إلى إحدى البديهيات التي تخفي مضامين أكثر مما تظهر،كما تحول إلى مقولة لها القدرة على تحليل الكثير من القضايا المجتمعية،وبالتدريج سيصبح "المجتمع المدني" مفهوما تحليليا لما يطرح على الساحة السياسية والاجتماعية بالمغرب،بل هناك من يراهن عليه بالمغرب أكثر من الأحزاب السياسية.ويمكن القول بأن مفهوم المجتمع المدني فاعلا مدنيا يخترق مجمل بنيات المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية،كمجالات يتأثر بها المجتمع ككل. ولكن أيضا يشتغل على قضايا ذات طبيعة فئوية ،كجمعيات محاربة مرض السرطان مثلا.
إن حضور هكذا جمعيات بقوة في المجتمع تطرح سؤالا جوهريا ،وهو : هل تشكل هذه الجمعيات مجتمعا مدنيا حقيقيا؟
وهذا السؤال قد لا يكتسي أية أهمية بالنسبة للعديد من الفاعلين الجمعويين لأنهم يعملون وفق تجاربهم الخاصة ولا يعيرون أية اهتمام للتنظيرات ،على عكس الباحث السوسيولوجي ،فالاشتغال على المفاهيم يعد من أبجديات البحث العلمي ،وهي ضرورة منهجية لايستقيم أي بحث دون الالتزام بها.
وهكذا" فالمجتمع المدني" بالمغرب لا توافق مع التحديد العلمي لمفهوم المجتمع المدني،وهكذا من الصعب الحديث عن المجتمع المدني بالمغرب إذا اعتمدنا المقاييس العلمية التي تحدثنا عنها.ذلك أن المجتمع المدني الحقيقي يتعالق مع الديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان والحريات والمواطنة.ففي هذا الاطار تنتظم العلاقات التي تعني "المجتمع المدني"،فحكم القانون والشفافية،والاستقلال القضاء،حق الوصول الى المعلومة ،والاجراءات الغير التعسفية،والانفتاح،وبناء المؤسسات،واحترام الحريات والحقوق الأساسية،تلكم هي البيئة السليمة أو الشروط الأساسية لقيام مجتمع مدني حقيقي بالمغرب،حيث يمكن للأفراد كمواطنين أن يعبروا عن أنفسهم وفق مصالحهم وقرارهم المستقل.
إلا أن هذه الشروط الأساسية لقيام مجتمع مدني حقيقي بالمغرب لا تزال بعيدة عن الواقع،فالدولة المغربية تواجه صعوبات كثيرة في الانتقال الديمقراطي الحقيقي بعيدا عن الشعارات،وحيث تعم سيادة القانون إضافة إلى احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية المعترف بها دوليا،سيما الحق في التنمية.
الملاحظ في هذا الاطار وجود جمعيات رغم "استقلاليتها" حسب القوانين إلا أنها في حقيقة الأمر تابعة للدولة أو لأطراف من الدولة أو للأحزاب السياسية أو للأسرة. ومع كل ذلك فمازال النسيج الجمعوي يصارع من أجل أن يصبح قوة تحد من استبدادية الدولة وبيروقراطيتها،وبالتالي يمكن القول أن ما يصطلح عليه المجتمع المدني بالمغرب ماهو إلا فاعل مدني.
وعليه فمن باب التفكير العقيم اسقاط مفهوم المجتمع المدني على مجالنا المغربي بشكل يحيل إلى مرجعية الغرب للمقارنة بين تجربتهم وتجربتنا في مسألة المجتمع المدني عندنا – إن كان موجودا أصلا- فتجربتهم في هذا الميدان تحققت عبر دروب وعرة بناء على سيرورة وتراكم تاريخي ورهانات سياسية وصراعات اجتماعية حيث التعالق قائم وضروري بين المجتمع المدني والديمقراطية.
ويمكن القول بحذر أن المجتمع المدني بالمغرب في طور التشكل .وبالأرقام تضاعف عدد الجمعيات التي تشتغل على مختلف القضايا المجتمعية والثقافية والاعلام والموسيقى والسينما والمسرح ومحاربة الأمية والهدر المدرسي والكثير من الجمعيات تأسست إثر إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 2005 التي اشتغلت على التنمية المدرة للدخل.
كل ذلك جميل إلا أن إقامة مجتمع مدني حقيقي متطور ،مرتبط أساسا بشكل الدولة المغربية الحديثة ،دولة المؤسسات والقانون والديقمقراطية وحقوق الانسان. وبالتالي هناك من يرى أن العمل يجب أن يتوجه إلى الدولة التي لازالت تتصلرف بشكل "أبوي"كما لاتزال آلياتها عتيقة وتقليدية كالبعة والولاية والعرف والطاعة والشيخ..... وبالنتيجة فالوجود الحقيقي للمجتمع المدني بالمغرب رهين بالانتقال الديمقراطي الحداثي الحقيقي للدولة المغربية بحيث تتمكن تلك الهيئات والتنظيمات التي يتشكل منها المجتمع المدني تتمتع بالإستقلالية في قرارها وفق مصالحها.

وبالنتيجة فنحن نتحدث في المغرب عن الفاعل المدني وليس المجتمع المدني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.