قبل سنوات بل قبل عقود من الزمن، كانت مباريات كرة القدم، موعدا أسبوعيا يستمتع فيه الأفراد وتجتمع فيه العائلات داخل مدرجات الملاعب، وبشكل حضاري يتبادل الجميع كواليس الخطط التكتيكية ويتفرسون بينهم في نوايا هذا المدرب وذاك لكسب نقط المقابلة، في صورة جسدت وقتها جمالية المباريات، وأعطت إحساسا رائعا بنضج الجماهير العاشقة للكرة، والدليل ها نحن الآن نفتخر بذاك الزمن الكروي الجميل. مناسبة هذا الكلام، هو ما وقع بالضبط في جنبات مركب الرباط عقب مباراة الجيش والرجاء، من أحداث دامية كان أبطالها شبابا بات معظمهم يعتقد أن الموت من أجل لون الفريق هو شهادة في سبيل الله وإحداث الجروح بالنفس أو بالغير هو كفارة لما تقدم من الذنب وما تأخر.
لكن، وقبل أن نطالب الجامعة المغربية ومعها الاتحاد الدولي لكرة القدم بحماية عشاق المستديرة من حماقات هؤلاء المجاهدين الطارئين على المشهد، (قبل ذلك) نتساءل عن أسباب مظاهر العنف الجسدي في سلوكات شبان قاصرين تركوا مكانهم الطبيعي في الأقسام المدرسية وفضلوا بعد زوال أمس الأربعاء، وهو زمن دراسي، التوجه فرادى وجماعات إلى الملعب حيث سيفرغون لاحقا رواسبهم النفسية ويصبون جام غضبهم على الحجر والبشر...
وحتى لا نقسو عليهم بشكل مبالغ فيه، نطرح السؤال من زاوية أخرى؛ أليس جدير بنا توجيه العتاب واللوم للدولة التي فشلت عبر سياساتها التعليمية والمجتمعية في تعليم وتربية وتأطير هؤلاء الشباب الذين وجدوا في الإلتراس حضنا دافئا أكثر مما وجدوه في الدولة والوطن،
إلى الحد الذي أصبح فيه قائد المدرجات أكثر شعبية من قادة الأحزاب والمنظمات المجتمعية!!
أليس ماحدث أمس يعتبر مؤشرا في غاية الخطورة لما قد سيترتب عليه من انطباعات نفسية من شأنها تحويل ظاهرة العنف المجتمعي إلى مكسب سلوكي يشرعن التنفيذ والممارسة!!
غير أنه إذا ما عدنا لأصل المشكل، سنخلص إلى حقيقة أن من يكرر السياسات المجتمعية الفاشلة حتما سيحصد النتائج ذاتها، ومن يخشى صناعة الإنسان والاستثمار في القيم الإنسانية حتما سيتجرع مرارة الهزيمة القيمية والأخلاقية داخل المجتمع.