يتواصل المسلسل الهزلي في ترفيع مستوى علية القوم ,و تركيع مستوى الطبقات الفقيرة و الأقل من المتوسطة, و مع توالي الحكومات تتكرس الممارسات , زيادة للوزير و الوالي و المدير العام و..و..و.. و تبخيس لحق الموظف البسيط و المدرس و العامل و..و..و.. ولم يأت الاستثناء من حكومة بن كيران التي بشرت بالمساواة و محاربة الفساد و إرجاع حقوق المواطنة الضائعة للبسطاء من هذا الوطن العزيز. إن الرفع من مستوى الإنسان المواطن لا يكون بالإغداق عليه بالأموال, وان كان ضمان الحد الأدنى من العيش الكريم ضروري, هذا الحد الأدنى المتمثل على الأقل في الأجرة الكفيلة بضمان المأكل و الملبس و المسكن و التطبيب و باقي متطلبات الحياة الكريمة ,التي أصبحت أحلاما بدل ان تكون حقوقا مكفولة من طرف الدولة, كما كفلتها كل الشرائع السماوية و الأرضية, قلت ليس بإغداق الأموال لكن على الأقل بإغداق الاحترام لهذا المواطن و جعله يحس بمواطنته في وقت غاب عنه الإحساس حتى بآدميته, و لما لم يكن الأمر كما يجب ان يكون فإن ما كان هو تحقير أحد الفئات التي تعتبر منارا للوطن و علامة على الاحترام و الرفعة المجتمعية, هذه الفئة هي رجل التعليم الذي في احترامه و الرفع من شأنه رفع من شأن العلم و التعليم ,و ضمان لإنصاف شموع توقد لإنارة الطريق و إنتاج الكفاءات و رفع الظلام من الوطن, حيث بدأ هذا المسلسل من التحقير لرجل التعليم منذ الحكومات السابقة و تكفي النكت التي تقال عنه لمعرفة مدى حقارته في الوعي الجمعي لدى المواطنين و المتأتي من الوضعية المزرية المادية و المعنوية التي تعيشها هذه الفئة, و إذا كانت أجرة رجل التعليم الذي ينفق منها على تنقله فهو من بين الموظفين الذين لا يعوضون على التنقل و إن كان هو الأكثر تعرضا للعمل بعيدا عن مسكنه بعشرات الكيلومترات و أحيانا المئات كما ينفق منها على تزيين الأقسام و منهم من ينفقها على متطلبات التلاميذ من دفاتر و أقلام و ...(نعم توجد هذه الفئة و اذهبوا للقرى و اسألوا), قلت إذا كانت أجرتهم متدنية جدا مقارنة بمستواهم التعليمي( على الأقل الشهادة التي حصلوا عليها) و مقارنة بالمجهود الذي يبدلونه في أداء مهمتهم ...فإننا لن نناقش هذه الأجرة المتدنية لأننا سنفترض جدلا ان المال ليس كل شيء و ان الدولة فقيرة و...لكن ما لا أفهمه هو التحقير المعنوي لهذه الفئة و التي لا افهم منها إلا تحقيرا للعلم و نشبتا بالجهل كوسيلة لقضاء مآرب الفساد و المفسدين حتى يتحكموا هم بوسائل الإنتاج المادية و المعنوية, وتكرس مسلسل التحقير مع السماح لأعوان السلطة بمراقبة غياب الأساتذة و رصد تحركاتهم الشيء الذي يعتبر انتهاكا جسيما لحرمة ما يسمى بالحرم المدرسي و لفضاء المدرسة الذي من المفترض إن يكون محترما لما يمثله من رمزية لدى المجتمع سواء من داخل او من خارج حقل التعليم, إضافة الى منع هذه الفئة من متابعة دراستها الجامعية و العليا بكل الوسائل و..و..و... استمرارا لهذا التحقير المعنوي تفتقت قريحة وزارة السيد الوفا الذي زار دولا من أوروبا تعيش تقدما و احتراما للعلم و أهله, فاقترح خطا اخضر للعموم للتبليغ عن غياب رجل التعليم, في خطوة مهينة لرجل التعليم و لمصداقية مدير المؤسسة التربوية الذي يعتبر المسؤول المباشر عن محاربة غياب المدرس, و سيزيد السيد الوزير الطينة بلة لوضعية لم تعد محتملة تمس بكرامة المدرس و تحط من قدره لدى تلاميذه و المجتمع المحيط به, و مع هذا الخط الأخضر نسي السيد الوزير ان يضع خطا اسود للتبليغ عن اكتضاض الأقسام و انحطاط مستوى المقرر الدراسي و البيداغوجية المعتمدة و البنية التحتية المفقودة و التكوين الهزيل لرجل التعليم و غياب التكوين المستمر و الأقسام المشتركة و سد خصاص أساتذة مادة بأساتذة مادة أخرى لا علاقة لها بالأولى و ضم المستويات في القرى حيث يدرس بنفس الفصل و في نفس الوقت عدة مستويات قد يصل عددها الى ست مستوياتو..و..و..الخ. إن الزجر ضروري للحد من الغياب لكن هذا الزجر يجب ان لا يطال الا الفئات المستضعفة أما الحيتان فلها أنياب و من لمسها تعضه عضا بل و تبتلعه , و في هذا الإطار و لوقف نزيف غياب البرلمانيين و الذي لا يقاس بغياب أي فئة أخرى قررت الحكومة فتح جيب المواطنين و استخراج تعويضات سمينة لتشجيع البرلماني على الحضور حيث سيعوض على السكن بالرباط و هو المعوض أصلا و سيزاد في تعويضاته التي هو أصلا معوض عليها, اذ ان السيد البرلماني المحترم الذي يحضر للبرلمان لقضاء لحظات استرخاء و نقاشات سفسطائية و تشريع قوانين حسب املاءات حزبه و توجهات ائتلافه ينال, أجرة سمينة لمدة خمس سنوات يتلوها معاش لن يناله موظف قضى أربعين سنة في الجهد الجهيد بأجرة هزيلة. و أخيرا أعرف ان البعض سيقول ان المدرس لا يعمل و ان و ان و ان و كل هذا الكلام الذي لا يسمن و لا يغني من جوع, و لكن ليس دفاعا عن الأستاذ المتهاون و الغشاش و لا دفاعا عن الأستاذ المحترم الذي يعمل بجد و اجتهاد ,بل دفاعا عن مهنة حقروها فأفرزت الممارسات التي تعرفونها و التي تنتشر في كل المهن دون ان ننبس ببنت شفة لكن الحائط القصير سهل القفز و الامتطاء, وأخيرا أيضا اهمس في أذن الوفا و من ورائه حكومة بن كيران( احذروا فكرامة المواطن خط احمر و لن تنفعكم خطوطكم الخضراء)