، سئمت ممارسة الرحيل وحياكة الأغلاط السّمجة ورتق الفواصل الزمنية بماكينة سانجير قديمة، سئمت صعلكة المشاعر والنهايات المبنّجة على طريقة الشعوب العربية .. سئمت حروب الخمس نجوم ونشرات الطقس اللئيمة ! لا شيء يُعجبني لأنني ابتلعت بخزي بعض الدبلوماسيات الإفرنجيّه واكتشفت أنني تحرّشت بأحلامي حين أهديتها للوطن واقتنعت من بعد سنوات لُجّية أنّ الواقع أخرص وأننا من دون ذاكرة ولا انتظارات أجمل .. لا شيء يعجبني لأنّ المطر لا يُداوي وحبة أسبرين أو مستخلص بابونج وزعتر لا يذيب وجع الحياة ولا يعافي، ولأن البهاء الكوني تلاشى ووحده الإيمان يرأف بنا ويشافي .. لا شيء يعجبني لأنّ المواقف لا تُستورد كمحرّكات السيارات الألمانية والرفق بالإنسانية يُمتهن بالڤيتو وبضع أسمدة عربية وأرطال من الأدب الأندلسي والعراقي أحرق والعالم لا يُبالي .. لا شيء يعجبني، لأنّ الكوميديا بشرية وليست إلهية كما راقصها دانتي .. ولأننا التقينا صُدفة بأسوء الأمكنة فنحن لا نبكي، نحن نضحك فقط .. نضحك كثيرا حتى البكاء !! لا شيء يُعجبُني، لا حُبّي لهذا الوطن ولا كُرهي له، لا الرّصيف المائل ولا العُقول الصّدئة ولا أجراس إرنست الذهبيّة .. لا شيء بات يُعجبُني لأنّي تعبت من الأحلام المُشوّهة والحرف المُهرّب وحشيش السّياسة المُمارس كأضغاث الوطن .. لا شيء يُعجبُني لأنّ أمِّي مريضة ورفيقي عصام بعيد يقضي رمضان وحيدا وعبدو سحاب ربّما يمطر ذات أبريل وربما يكون مجرّد كذبة صغيرة .. لا شيء يعجبني لأن مواسم الضّياع كثيرة ولأن الأوقات الحزينة تبدو أحيانا أطول من خطّ الاستواء واللحظات الجميلة تتبخّر فينا حتى قبل أن نصل لمرحلة الارتواء .. لا شيء يعجبني، فالقمر الذي يتهادى به العشاق مخنوق بثقوب مُكابرة وحتى جاذبيته بعرف الجيولوجيا ضئيلة، وكل أحمق مخبول من الحبّ يشبّه حبيبته بالقمر وكلّ خرقاء غبية تقسم أنها لا تستطيع العيش من دون هذا الرجل، وفي النهاية يثبت الواقع أن القمر بريء من تهمة الجمال وأنّ كل النساء اللواتي تركهُنّ أحبابهنّ لازلن أحياء يضفن للكون مزيدا من العياء .. لا شيء يعجبني لأنّ الإكسير والمورفين لا يُغريني وتراجيديا الألم لا تُناسبني، وأوفوريا السّعادة تخيفني .. لا شيء يعجبني لأنّني لا أزال موجودا في زمن آخر، بين تلك الذكريات وعلى رصيف الشارع ذلك المُتسول يبتسم لي .. لا شيء يُعجبني ..ولأن شرياننا بالأصل فلسطين، لأن الوريد هناك، لأنّ رائحة التراب تشبه العذارى هناك، لأن السّماء السابعة والفرحة الباذخة والچاردينيا وبخور الملائكة هناك، ستدرك لم تختفي وراء نظرة كل عربيّ أسراب من الحزن اللاَّواعي المتشوق ل.. هناك ! لا شيء يُعجبني، لأنّ لا شيء هي الكلمة الوحيدة التي تقول كلّ شيء ..فأحيانا اللغة تخذل والحقيقة تخذل والإنتظارات تخذل ووحده الصّمت لا يخذل، لأنه صمت ولأنه عزاء ولأنه كل شيء حين ينتهي كلّ شيء ! وفي الختم ..، عفوا يا محمود درويش .. أنا أيضا لا شيء يعجبني