لقد قصّ القرآن الكريم علينا أهمّ أخبار الماضين، وسواء كانت القصص مفردة أو مكرّرة، فهي في السياق القرآني أداة تربية، ومصدر توجيه ووعظ يدعّم الفرد والجماعة، وفي القصص القرآني عبرة وتذكرة؛ لمن أراد أن يعتبر ويتعظ،ويقتبس الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن من سيرة الأنبياء والمرسلين. و في هذا الموضوع،سأستعرض بعض النماذج من القَصص القرآني، الطّافحة بالقيم التربوية والمعاني النبيلة، من ذلك ما يلي: )خُلُقُ الْعِفَّةِ (قصّة يوسف عليه السلام. لقد قصّ القرآن الكريم علينا قصة يوسف، التي تعتبر من أحسن القصص؛ لما تنطوي عليه من فوائد جمّة، وعِبَر متعددة، يتعلم الشباب من هذه القصة،العفاف وكيفية كبح الشهوات، إنه لدرس عظيم في سموّ النفس عن النّزوات والملذّات العابرة؛ حيث نقتبس دُرراً نفيسة من قصة يوسف عليه السلام،واستعاذته بالله، قال تعالى : (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (سورة يوسف الآية:23 )خُلُقُ الْحَيَاءِ( قصّة ابنة شعيب عليه السلام. لقد ضربت ابنة شعيب أروع الأمثلة في الحياء والثبات والوقار، إن في ذلك لعبرة بالغة الأهمية للفتيات في عصرنا الحالي، قال تعالى:"فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ .." سورة القصص، الآية: 25 تمشي على استحياء ، مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال { على استحياء } . في غير ما تبذّل ولا تبرّج ولا تبجّح ولا إغواء . جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله ، يحكيه القرآن بقوله : { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } سورة القصص، الآية: 25 . فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح؛ لا التلجلج والتعثر والربكة ، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم ، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب ، الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج؛ إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد . )آدَابُ المْتَعلّمِ (قصة موسى مع الخضر عليهما السلام. نقتبس من هذه القصّة العظيمة، بعضاً مِن آداب المتعلم ،ألا وهو التواضع والأدب مع المعلّم ، فموسى عليه السلام نبيّ مرسل من عند الله ، يتأدب مع من أعلمه الله أنه أعلم منه،وهو الخضر عليه السلام، ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾سورة الكهف ، الآية:66. بهذا الأدب اللائق بنبي ، يستفهم ولا يجزم ، ويطلب العلم الراشد من العبد الصالح العالم_ الخضر عليه السلام_ ولكن علم الرجل ليس هو العلم البشري الواضح الأسباب القريب النتائج ، إنما هو جانب من العلم اللّدني بالغيب، الذي وهبه الله للخضر عليه السلام، وأطلعه عليه بالقدر الذي أراده.
)الْبِرُّ بِالْوَالِدَيْنِ (قصّة نبي الله إسماعيل عليه السلام. لقد أعطى اسماعيل عليه السلام ، أُنموذجاً رائعا في طاعة الله ، والبرّ بالوالدين؛ حيث استسلم لله طوعاً ومحبة، ممتثلا لأبيه ابراهيم الخليل، قال تعالى على لسان اسماعيل عليه السلام،: " يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ سورة الصافات الآية: 102"مِنَ الصَّابِرِينَ عندما همّ ابراهيم بامتثال أمر الله ، وأراد أن يذبح ابنه، قام بوضع ابنه على الأرض حتّى التصق جبين إسماعيل بها، وهمّ بذبحه ولكنّ السكين لم تقطع وتنحر سيّدنا إسماعيل، وحينها جاء الفرَج من الله، بنزول الملك جبريل بكبش فداء لإسماعيل، قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} الصافات، الآية: 107، فجاءت سنّة الذبح والنّحر الّتي أصبحت سنّة للمسلمين كافّة، يؤدّونها في الحج عند البيت الحرام وكذلك بقيّة المسلمين في أيّام عيد الاضحى. )خُلُقُ الصَّبْرِ (قصّةُ مريم عليها السلام. نقتبس من قصة مريم عليها السلام ، النموذج الحسن للمرأة الطاهرة العفيفة، التي رضيت بقضاء الله، واستسلمت لقدره، لقد عانت السيدة مريم من آلام الحمل كسائر النساء ، و أثقلتها الهموم و الأحزان ؛ لما سيتحدث عنها الناس من سوء،أحسّت مريم بآلام المخاض فلجأت إلى جذع نخلة و آلمتها وحدتها ، قال تعالى:"فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا.." سورة مريم الآية: 23 سمعت مريم أثناء تألمها صوتاً يناديها من تحتها أن لا تخافي و لا تحزني كما في الآيات التالية:" فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا سورة مريم، الآية: 24 )خُلُقُ الدَّاعِيَّةِ إِلَى اللهِ (قصّة نوح عليه السلام . لقد خرج نوح عليه السّلام إلى قومه داعياً إياهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ، مبيّناً لهم هدفه ومقصوده من الدعوة، قال سبحانه وتعالى:" وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ " سورة الشعراء، الآية: 109، أي لا أطلب منكم على تبليغ الدعوة شيئا من المال ، إنما أطلب أجري من الله ، فما هو إلا عامل لله، ومبلِّغ لرسالة ربّه، غير أنّ قومه لم يستجيبوا له، وقد وصفوا ما دعاهم إليه بالضّلال، وليس ذلك فحسب، بل أنّهم قد أصرّوا على عنادهم، وكفرهم، وشركهم بالله وحده، ونقتبس من هذه القصة العظيمة، ما ينبغي أن يكون عليه الداعية المسلم ، من سموّ في المقصد،والصبر الجميل ، والتحلي بالحكمة والموعظة الحسنة.
المصادر والمراجع المعتمدة : ü القرآن الكريم. ü في ظلال القرآن ، لسيد قطب ، الجزء، 5 ص: 419 ü صفوة التفاسير، للصابوني، الجزء، 2 ص: 288