تابع المغاربة باستياء بالغ الظروف غير الطبيعية، التي مر منها تشكيل الحكومة الثانية في ظل دستور 2011، بدءا ب"البلوكاج" الذي عمر قرابة نصف عام، وآثاره السلبية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتعطيل أشغال المؤسسات الوطنية، ومرورا بإعفاء عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الفائز في تشريعيات أكتوبر 2016 من مهام رئاسة الحكومة، إثر إخفاقه في تكوين أغلبيته، وتعويضه برفيق دربه ورئيس المجلس الوطني للحزب الدكتور سعد الدين العثماني. و بعد توافق أحزاب الائتلاف الحكومي الستة على التشكيلة الحكومية، ترأس الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط عشية يوم 5 أبريل 2017، مراسم تعيين أعضاء الحكومة الجديدة بقيادة الدكتور العثماني. وتكاد لا تختلف عن سابقاتها في عدد الحقائب: 39 حقيبة، منها 26 وزيرا و13 كاتبا للدولة.
وبصرف النظر عن حصة كل حزب ونسبة النساء، ومن استولى على أهم الوزارات الاستراتيجية، وعدد الوزراء القدامى في الحكومة السابقة أو غيرها، والذين أسعفهم الحظ لأول مرة في نيل الثقة الملكية، ومن احتفظ له بحقيبته ومن غيرت له أو من أسقط بالمظلة... وعما قيل حول تنازلات الحزب الأغلبي وتصدعه وإهانة إرادة الناخبين واغتيال الديمقراطية، وعما وصفت به الحكومة من عبث، وما تعرض له رئيسها من جلد على أيدي قواعد الحزب وبعض قياداته بلغت حد التخوين، والمطالبة بوضع مسافة بين الحزب والحكومة، وما إلى ذلك من لغط وردود أفعال متباينة...
وعما يراه العثماني وبعض أعضاء حكومته من كون الأغلبية الحكومية تعكس فعلا الإرادة الشعبية، وجاءت وفق ما أراده لها الملك في خطاب دكار، بمناسبة الذكرى 41 لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، من حيث قوتها المتمثلة في ما توفر لها من عناصر التكامل والانسجام وكفاءات عالية، وعزمها الأكيد على رفع التحديات المطروحة، التعجيل بإقرار ميزانية 2017، مواصلة الإصلاحات والنهوض بالقطاعات الحيوية، خاصة التعليم والصحة والشغل والسكن ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، ومحاربة الفقر والهشاشة وجذب الاستثمار، بهدف الحصول على المزيد من التنمية الاقتصادية والحريات والعدالة الاجتماعية... حتى تكون في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية.
فإننا نتساءل هل يستطيع العثماني وفريقه الحكومي، انطلاقا مما جاء به تقرير الأممالمتحدة الأخير، وما أبدياه من استعداد لتدارك الزمن الضائع، الشروع دون تلكؤ في معالجة الملفات المرتبطة بالتنمية؟ ذلك أن التقرير الأممي حول التنمية البشرية، حمل معه معطيات صادمة عن المغرب رغم ما يتمتع به من استقرار، إذ مازال قابعا في المرتبة 123 متخلفا عن الجارتين الجزائر وتونس، بل تتقدمه دول تعاني ويلات الحروب مثل العراق وليبيا. ويعد من أكثر دول البحر الأبيض المتوسط تخلفا في التنمية البشرية، فالجزائر تحتل المركز 83 وتونس 97 وليبيا 102 ومصر 111. والمؤسف أن أصحاب القرار، يرفضون بشدة الاعتراف بالتقارير التي تعكس الصورة الحقيقية لسوء التدبير وتفاقم الأوضاع في شتى المجالات، حد اتهام رئيس الحكومة السابق بنكيران وبعض وزراء حزبه ليس فقط التقارير الدولية بل حتى الوطنية (بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط...) بعدم الموضوعية في التحليل والتصنيف.
وجدير بالذكر أن من بين أهم معايير الأممالمتحدة المعتمدة في مؤشر التنمية البشرية: جودة التعليم، معدل حياة المواطن والصحة ونسبة الفقر والدخل الفردي. والحال أن الأجور مجمدة والأسعار مرتفعة والتعليم يعاني من أزمة حادة، كما يشهد بذلك التقرير الأخير للمجلس الأعلى للتعليم في مارس 2017، الذي يشير إلى أن حوالي 650 ألف طفل مغربي لم يستفيدوا من التمدرس خلال الثلاثة أعوام الأخيرة. القطاع الصحي أكثر ترديا ولا يرقى إلى مستوى دول البحر الأبيض المتوسط بشماله وجنوبه، الفقر والهشاشة في تزايد مطرد والفوارق الاجتماعية والمجالية رهيبة. والأخطر من ذلك أن الاستدانة بلغت في عهد الحكومة السابقة 83 % من الناتج الإجمالي الخام، دون أن توظف القروض ومختلف الموارد المالية المتحصلة من المساعدات الدولية والخليجية، و"إصلاح" صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات، في اتجاه الاستثمار وتنمية الطبقات الاجتماعية المعوزة.
ألا يكشف مثل هذا التقرير الصادم عن "عوراتنا"، ويظهر كم نحن بحاجة إلى تصحيح مسارات تحقيق التنمية، باعتبارها رافعة أساسية لتأهيل البلاد؟ فالمغرب بذل حقا جهودا على مستويات عدة: حقوقية وقانونية... وقام بإجراءات لتطوير الاقتصاد الوطني، وأن الملك جعل من التنمية مدخلا رئيسيا للإصلاحات السياسية والاقتصادية، وأن الدولة فتحت أوراشا ذات طابع اجتماعي، بهدف تحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية، للتخفيف من حدة الفقر والهشاشة وتمكين المعوزين من ولوج الخدمات الأساسية بالمدن والقرى...
بيد أن ذلك كله يظل غير كاف، مادام الفاعلون السياسيون لم يلتقطوا جيدا إشارات المؤسسة الملكية، ويتفاعلوا مع إرادة الملك في محاولة النهوض بأوضاع البلاد والعباد. فانطلاقا مما يجري حولنا إقليميا ودوليا من تحولات، وحتى نكون قادرين على مواكبة العصر، بتنا ملزمين بمواجهة الاختلالات القائمة: تنامي معدلات الفقر، تفاقم أوضاع التعليم والصحة والسكن، ارتفاع نسبة الأمية والبطالة، انعدام الشفافية في تدبير الشأن العام واستشراء الفساد الإداري والمالي... ألم ينص الدستور على مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، بتوفيرظروف حياة كريمة في بيئة سليمة، وتحقيق تنمية مستدامة تكرس الحكامة والعدالة الاجتماعية، وتحافظ على الموروث الطبيعي والثقافي؟ وأين نحن من هياكل وبنيات تقويم السياسات العمومية، لتفادي البرامج والمشاريع غير المنتجة والمستنزفة لأموال الشعب بدون جدوى، كما هو حال قطاع التعليم؟
إن حكومة العثماني مطالبة بإعادة الثقة للمواطنين في الفعل السياسي، تأمين شروط العيش الكريم وتمكينهم من ممارسة حقوقهم كاملة، والانتقال الديمقراطي لا يتحقق إلا ببلورة سياسات اجتماعية هادفة، تنهض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فهل بإمكانها كسب الرهان؟